العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ

«فرقة منتظرون»: من سفر الأمكنة إلى رحلة في الذات

تصوير أحمد آل حيدر
تصوير أحمد آل حيدر

من خلال أربعة عروض مسرحية وأوبريت إنشادي متواصل ومع 100 مبدع من ممثلين ومنشدين وفنيين، دشنت «فرقة منتظرون» عرضها الثاني (سفر 2) إخراج محمد خضر، وتمثيل جعفر الحلواجي في دور العابد الذي ينتظر لحظة اللقاء والكشف والهيام بالمحبوب الأكبر، وصلاح غلوم في دور الشيطان الذي يترصد للعابد ليسقطه في براثن الخطيئة، ومحمد سلمان المجنون والمبشر بما ستؤول إليه الأمور، وإنشاد كل من أحمد الحلواجي وحسين علي ويوسف القصاب، وأحمد المعلم، ومجموعة من المبدعين الذين تقاسموا التمثيل والإنشاد في دور الجوقة التي أثرت العرض بحركاتها الرشيقة وأصواتها العذبة، وذلك على صالة برستيج في منتزه عذاري ابتداء من مساء يوم الخميس (24 حتى 27 يوليو/ تموز 2014)، حيث العرض الأخير الذي امتلأت فيه الصالة بالحضور والترقب المشهود كما هي الليالي السابقة.

في هذا العرض المسرحي أو بالتحديد «الأوبريت الإنشادي الممسرح» تجد نفسك ملزماً بالمقارنة مع ما سبقه من عرض في العام الماضي، حيث وجود خيط درامي يشدك أكثر لصالح العرض السابق، وتنوع في الحوارات، وتنوع في الأمكنة والرحلة في الزمان، وحركة الشخوص وتحولاتهم الدرامية، أما هذا العرض ففيه الكثير مما يدعوك للتوقف عنده بالتأمل والبحث عن أسباب عدم توازيه مع ما سبقه من إبداع.

أربعة عروض متواصلة

ولكنه بالتأكيد وإن حرمتك هذه المقارنة التي فرضت نفسها عليك من التفاعل شيئاً ما مع عرض هذا العام إلا أنها لن تحرم هؤلاء المبدعين من حقهم في الإشادة بجهودهم الكبيرة التي بذلوها في التواصل والحضور على المنصة بقوة وثبات على مدى أربعة عروض متواصلة مدة كل منها تتجاوز الساعتين في كل عرض، حيث تمازج التمثيل والحركة بالإنشاد والإضاءة في تجسيد رحلة فنية مضنية في البحث عن المخلص من داخل الذات هذه المرة ومحاولة تخليصها من نزعات الأنا والتوحد مع الصورة المثلى للكمال، ومحاولة تجسيد شيء من المثل العليا واليوتوبيا المأمولة في رحلة الخلاص.

رحلة إلى الأعماق

في العام الماضي كنا أمام رحلة جماعية في البحث عن المخلص حيث كانت الحوارات متنوعة ومختلفة، وهو ما تجسد عملياً وأسهم في تصاعد درامي وصراع على مستوى الشخوص داخلياً والذي تمثل في وسوسات وهواجس متنوعة عكست طبيعة الشخصيات، وأثر ذلك على صناعة الحدث خارجيا على المنصة، فيما غابت هذه الحركة الجماعية لصالح ممثل واحد في شيء من المونوداما مما حمّل الفنان جعفر الحلواجي كل العبء في الاستمرار بالعرض والتواصل مع الجمهور حتى آخر لحظة، ولولا الوصلات الإنشادية لما تمكّن هو وتمكنا معه من الظفر بشيء من الراحة واستعادة الأنفاس، من طول هذه الحوارات الداخلية والتأوهات المتواصلة إلى حد التعب المضني من طول الاستغراق في المنولوج الداخلي.

من المكان إلى الذات

في العرض السابق في العام الماضي «سفر 1» تنوعت الأمكنة، ما بين رحلة في البحر، ورحلة في البر، ورحلة في الذات، ورحلة خارج الذات، وكنا في السفينة مع البحارة، ثم في وسط البحر، نصارع الموت بين الأمواج، ثم ارتمينا مع الممثلين على رمال جزيرة غريبة، ثم كنا وسط السوق، ثم دخلنا في متاهة وسط الأحراش والعوسج والأشواك، وكان لكل مكان من الأمكنة التي ألقى بنا فيها المخرج الكثير من التأويل لصالح الرحلة البشرية، في بحثها عن الخلاص وسط هذه الأمكنة وتعلّمها الكثير من الدروس المتنوعة بتنوع المكان، وكان لهذا التنوع لمسة فنية في تأثيث المكان على المنصة والارتباط به من قبل الممثلين، وتفجير الكثير من الدلالات، ولكننا هذه المرة لم نبارح السوق إلا إلى حيث يسكن العابد الحلواجي نفسه أو كنا داخل ذاته معه في سفره الداخلي، فهل استطاع التجاوز بنا إلى نهاية الرحلة من غير مخاطر أم بقينا محاصرين معه داخل ذاته ولم نتجاوز المكان ولا الزمان في الوصول للمعنى وتأويله؟

الخلاص الفردي

إذا كنّا في العرض السابق مع «سفر 1» نبحث عن المخلص بشكل جماعي مع الممثلين، فإن الحكاية تتلخص هذه المرة في الهيام بالمخلص وحب ملاقاته فردياً، حيث يختار المخرج من بين الشخوص أحد التجار البسطاء ليقوم بهذه الرحلة لوحده متراوحاً بين داخل الذات وخارجها ليخلص المخرج في هذا العرض أنه لا بد من التوازي بين الخارج والداخل للوصول للرؤية المشتهاة في نهاية الطريق، ففي الوقت الذي تتوق الذات للرؤية فإنها تحرم منها بسبب الشوائب اليومية البسيطة مثل طرد أحد المشترين، وعدم معاملته المعاملة الحسنة، أو تأخير بعض الفروض والاستسلام للنوم، الذي تم تقديمه في شيء من الحسرة وبشكل رمزي عبر مجموعة من الأقمشة التي تتحول إلى قيود يُجر بها الحلواجي ويمسك زمامها الشيطان في مشهد يجسد خسران الذات وتغلب الشيطان عليها وحرمانها من الرؤية المشتهاة التي كانت تطمح إليها بعد هذه الرحلة الطويلة من الضنى والتعب.

حركة الأضواء

رغم هذه المقارنة التي فرضت نفسها عليك أثناء تلقي العرض إلا أن في عرض هذا العام مجموعة من اللوحات التي يُشاد بها على مستوى المشهدية وحركة الممثلين والمنشدين، وذلك بتقسيمهم إلى جوقتين واحدة ترتدي الأسود كناية عن الشيطان والأخرى ترتدي الأبيض كناية عن العابد عبر مجموعة من الحركات لتجسيد الصراع بين الاثنين حيث الأنوار الرحمانية في مقابل الظلمات الشيطانية، كذلك توظيف البئر بشكل فني وإمكانية تأويله كمعادل للذات والغوص فيها والاستغراق في دهاليزها وكأنها البئر الذي لا قرار له والذي بإمكانه أن يجف أو ينغمر بالماء ويرتوي ويروي الآخرين.

كذلك الجهد الإنشادي الذي كان في العام الماضي ملفتاً بشكل أكبر ليس فقط لافتتاحه بالأسماء الكبيرة في الإنشاد بل في توظيف ثيمة البحر والانطلاق من إيقاعاته ذات الخصوصية الخليجية بالموال البحري الشهير، أما في هذه المرة فإن لدى منتظرون ما هو أكثر إبداعاً رغم عدم التقليل من جمالية ما تم تقديمه خصوصاً بارتباطه بحركة المجاميع الذين كانوا ينطلقون في رشاقة وإيقاع حيوي مع الموسيقى والإنشاد وحركة الأضواء والتي تراوحت بين القدرة على التوظيف في البداية ثم الاستغراق فيها إلى حد متعب للعين حيث دلت على لحظات الصراع مع الشيطان وتجسيد الاضطراب في نفس العابد ولكن استمرارها وقتاً طويلاً في الإظلام والإضاءة كان شيئاً معذباً للمتلقي.

ورغم ذلك في النهاية لا بد من الإشادة بالجهد الكبير الذي بذله الممثلون والمنشدون والمخرج والفنيون في تقديم رحلة أخرى للبحث عن المخلص من أتون الوهدة في هذا الزمن الصعب.

العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً