في مثل هذا اليوم، وقبل 24 عاماً، وقَعَ المحذور. ففي الثاني من أغسطس/ آب 1990، أدخَلَ صدام حسين الجيش العراقي إلى الكويت محتلاً إياها بشكل هَمَجِي. غيَّر ذلك الحدث كل شيء في المنطقة بل في العالم. وربما كان ذلك التغيير في ميزان القوى مماثلاً لنتائج الثاني من أغسطس 1914 عندما غَزَت ألمانيا لوكسمبورغ، لتبدأ بذلك الحرب العالمية الأولى وتُرسَم خارطة أوروبا الجديدة على وقع معاهدة فرساي، التي أسست لنتائج أخرى أكثر سوءًا العام 1939.
عندما غزا صدام الكويت، كان الرجل للتو خارجاً من حرب مع إيران دامت 2890 يوماً أكَلَت الأخضر واليابس، حيث كانت أطول نزاع عسكري في القرن الماضي، مُخلّفةً مليوناً وسبعين ألف قتيل، ومليوناً وتسعمئة ألف جريح، ومليونين ونصف المليون لاجئ، ومئة وعشرين ألف أسير، وخسائر مادية ناهزت الألف مليار دولار. كان الوضع مزرياً للغاية.
لقد كان الفاصل بين انتهاء حرب الخليج الأولى وغزو الكويت سنة وتسعة أشهر فقط. ولنا أن نتخيّل كيف كانت أحوال المنطقة من الدمار الذي نفثته عليها الجبهات. بل علينا أن نتخيل كيف هي أوضاع الشعب والجيش العراقي آنذاك، وبالتحديد في الفاو، مروراً بأبي الخصيب، والهارثة والشافي ثم هور الحويزة فالعمارة وعلي الغربي، وصولاً إلى مندلي وخانقين، وشمالاً حتى تركيا. فقد كانت تلك المناطق مدمّرةً كون المعارك كانت تجري فيها.
ليست تلك الصورة هي ما كانت المنطقة تصطبغ بها فحسب، بل إنه وبعد دخول صدام حسين الكويت، تبدَّل كل شيء في المنطقة. فالتحالفات التي كانت قائمةً منذ نهاية السبعينيات بدأت في التفكك والانحلال، لتظهر محلها تحالفات جديدة، بعد حصول الغزو. ومن بين كل تلك التحالفات المنهارة والأخرى المتشكلة، بدأ الحديث عن حضور إيراني في الترتيبات الأمنية الجديدة في المنطقة، وهو إلى اليوم في حالة تدحرج.
كان احتلال الكويت الشقيقة أمراً مخالفاً لكل القوانين والأعراف الدولية، خصوصاً أنه ضد دولة ذات سيادة ومركزية في المنطقة وفي أسواق الطاقة العالمية، ولها دور محوري في التنمية العربية. لذا، فإنه وفي الثاني من أغسطس، صدر القرار الأممي رقم 660 الذي أدان الغزو العراقي للكويت. بعدها بأربعة أيام صدر القرار 661 القاضي بفرض عقوبات اقتصادية على العراق، ثم قرار يوم 9 أغسطس وصولاً للقرار 678 الذي فوَّض قوات تحالف دولية وإقليمية حق استعمال القوة لإخراج العراق من الكويت.
بدا أن صدام قد وَضَعَ العراق في نفق مظلم، سيكتشف أنه لن يخرج منه إلاَّ في التاسع من أبريل/ نيسان العام 2003 بعد احتلال القوات الأميركية له، ليدخل في مأساة جديدة ومُركَّبة. ولو أرجعنا الأمور إلى بداياتها لن نصل إلاَّ إلى نقطة الثاني من أغسطس 1990.
بعد الغزو ضاع العرب والمسلمون بشكل مخيف بين الخيارات والضرورات، وأصبحت المشاعر الفاصلة ما بين الثاني من أغسطس وما قبله غريبة، وتتثاقل نحو التشكل باستدارة 180 درجة وفي غضون 24 ساعة فقط. صراع بين مشاعر الـ «مع» والـ «ضد».
نعم، لم يكن الوقت كافياً لفرز الضرورات ولا تقرير الخيارات. بل إن الجيش العراقي نفسه كان يضم مستشارين عسكريين من دول عربية أصبحت بعد الغزو خصماً للعراق كما في حالة مصر، التي كانت قد بعثت بأحد ضباطها نهاية الثمانينيات (وهو الجنرال بلال) لقيادة عملية تحرير الفاو إبان الحرب العراقية الإيرانية، وبقِيَ مُعاراً لدى الجيش العراقي حتى لحظة وقوع الغزو العراقي للكويت.
اعتقدَ صدام حسين أن هامش القوة يُمكن أن يُلغي شرعية الدول، وكان ذلك الخطأ لا يرتكبه أي عسكري فضلاً عن سياسي. عندما عجز عن تفسير ما قام به، قال بأنه كان يهدف إلى التصدي لمؤامرة تُحاك ضده. وعندما عَجِزَ عن إقناع أحد قال بأنه ينتصر لحركة ثورية، وعندما عَجِزَ عن تسويق ذلك، قال بأنه جاء لإعادة الكويت إلى العراق، حيث كانت تلك هي الطامة الكبرى، التي أظهرته وكأنه رجل يعيش في القرن السابع عشر.
بل أوضحت هذه الخطوة منه مدى انحسار الأصوات العاقلة في نظام الحكم ببغداد، إلى الحد الذي لم يكن يستطع أي أحد في النظام العراقي ليقول بأن الحرب مع إيران علمتنا بأن موازين القوى دقيقةٌ جداً، ولا تسمح لنا بالمغامرة مرةً ثانية، خصوصاً مع جار شقيق. لقد اختُصِرت الدولة في رجل. أقصى ما سمعه الملك الراحل حسين بن طلال من وزير الخارجية العراقي آنذاك طارق عزيز بأنه «لم يكن هناك مع الأسف سبيل آخر».
وعلى وقع هذه الجعجعات السياسية والعسكرية، كانت آهات الكويتيين لا تنتهي. بعضهم اُسِرَ وهو ذاهبٌ إلى عمله دون أن يعلم ما الذي يجري، وبعضهم هَامَ على وجهه في البيداء والشمس تلهب رمال الصحراء. ثم توالت المآسي عليهم تعذيباً وقتلاً في الشوارع.
أما في واشنطن فكان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب يقول لوزير دفاعه ديك تشيني (كما نقل ذلك هيكل): على الجنرال «نورمان» شوراتزكوف أن يأتي إلى واشنطن وأن ينضم في الصباح إلى الاجتماع المقرر في مكتب الرئيس وعليه أن يجيء معه بكل أوراق خطط العملية: 1003 - 90». لقد قدم صدام فرصةً للأميركيين لأن يدمروا العراق.
أما المنطقة، فقد دخلت في نظام جديد، ليس العراق فيه حليفاً ولا إيران فيه عدواً، ولا الاتحاد السوفياتي حليفاً للعراق بعد تسليمه أسرار أنظمة صواريخ سكود للأميركيين، ولا مصر في عزلتها بعد كامب ديفيد. لقد بدا كل شيء مختلفاً. هذا ما أحدثه الغزو الغاشم للكويت، وما أحدثه ذلك للمنطقة والعالم بأسره.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4347 - الجمعة 01 أغسطس 2014م الموافق 05 شوال 1435هـ
14 مليار
الحرب بين العراق والكويت هي حرب مالية بعد الانتهاء من الحرب العراقية الايرانية ووقوف العراق سدا منيعا ضداطماع ايران انتهت ميزانية العراق فطلب من الكويت 14 مليار من اجل تعويض خسائر الحرب الاان الكويت رفضت وقدمت 7مليار التي رفضها العراق وصارت مفوضات في جدة من اجل حل المشكلة الاانة عناد الاثنين ادا الي دخول العراق الكويت وامريكا تريد فرصة لضرب العراق واسقاط نظامة وقدنجحت واصبح العراق بعد دلك اصبح العراق يدار بتنظيمات طائفية وهدة نتيجة العراق واخطائة
يتبع
في حين علي عبد الله صالح وقف مع صدام ضد الكويت لكن هو اليوم مرضي عنه ولا يريدون حتى محاكمته من تهم قتل وفساد
نكران الجميل
سوريا ساهمت في تحرير الكويت واليوم بعض الخليجيين يتنكرون لذلك ويوقومون بارسال الارهابيين إلى الاراضي السورية لقتل الناس