النوادر ثروة مجتمعية في جهدها وعطائها وتضحياتها البطولية، وتبدي إسهامات مفيدة في مكافحة حالات الطوارئ والأزمات التي يتعرض إليها المجتمع ويكون لها أثرها الفعلي في تجنيب المجتمع الأضرار البشرية والمادية والمآسي الإنسانية. وتشكل هذه الظاهرة ثقافة عرفها المجتمع البحريني منذ القدم، وكان لهذه الثقافة فعلها الايجابي في المبادرات الفردية في عمليات الإنقاذ في حالات الكوارث البحرية والحرائق والأعمال الإنسانية والخيرية. وقد أسهم ذلك الجهد في بناء قيم التعاون الاجتماعي التي غدت مقوماً استراتيجياً في بناء منظومة الأمن المجتمعي.
القدوة الفردية والجماعية في التضحية من أجل الغير، وتقديم النادر من الجهد في صون الأمن الاجتماعي من المخاطر الطارئة التي تعصف بالأفراد والمجتمع، في بعض مفاصله، حكايات تاريخية كنا نستمع إلى أحداثها من الأجداد والجدات، حيث كانوا يسردون علينا حكايات بطولات الأفراد والجماعات في مكافحة المخاطر التي تداهم المجتمع في الزمن الغابر وتهدّد أمنه وسلامة وجوده. وكانت البطولات الفردية والمجتمعية في إنقاذ الأفراد من الغرق في حالات الكوارث البحرية ومواجهة قراصنة البحر وصد هجمات المجرمين والحرامية، ومكافحة الحرائق الكبيرة التي تداهم المنازل المصنوع من سعف النخيل في مرحلة مهمة من تاريخ تطور مجتمعنا البحريني، تشكل جوهر ذلك المعنى الإنساني للحكاية التاريخية في بعدها الحضاري.
هذه الحكايات تشير إلى واقع ثقافة مجتمعية دخلت ضمن المنظومة التربوية المتوارثة في المكون الأخلاقي لأبناء مجتمعنا البحريني المعاصر. وذلك ما لمسناه في محطات مختلفة في أحداث الحرائق المتواترة التي شهدنا بعضاً منها في هذا الفصل من السنة، حيث برز ميرزا الحاج علي سلمان، أحد أبناء مجتمع باربار الذي صار قدوة ومثلاً يتداول مواقفه أفراد المجتمع في مجالسهم وأحاديثهم والثناء على مبادراته الفردية في التضحية في مكافحة الحرائق، وجهوده في تجنيب عدد من الأسر الأضرار البشرية والمآسي الانسانية.
تسليط الضوء على هكذا مبادرات وجهود والاستماع إلى رؤى هذا النوع من أفراد المجتمع، على قدر كبي من الأهمية، إذ يساهم في تحفيز المبادرات الفردية وتعزيز ثقافة التعاون والشراكة المجتمعية. ومن جانب آخر الاستفادة من القدرات والجاهزية الفردية والجماعية في مواجهة الحالات الطارئة التي يتعرض لمخاطرها المجتمع المحلي، والارتقاء بمنهجيات العمل الإداري للمناطق في مواجهة الحرائق.
الحديث عن قرب مع القدوة البربارية في التضحية في مكافحة الحرائق، جعلنا نطلع على العديد من حوادث الحرائق التي تعرضت لها باربار، والدوافع التي جعلت مثل هذا الشخص يُقبل على التضحية ويُقدم على مبادراته المعروفة، ونتمعن في جوهر أبعاد معانيها الإنسانية وفوائدها في بناء آلية مجتمعية مدربة على فنون مكافحة الحرائق بما يؤسس لتكوين شراكة مجتمعية فاعلة في دعم جهود السلطة المختصة في عمليات مكافحة الحرائق التي تتصاعد مخاطرها على الأمن المجتمعي، وذلك ضمن خطة مجتمعية مؤسسة للطوارئ بما يتسق ومبادئ الاستراتيجية الوطنية للطوارئ، ويتوافق مع نهج المشروع الدولي والدول المتقدمة في الاستفادة من القدرات الفردية والمجتمعية في دعم مقومات خطط عمل الطوارئ الوطنية.
المجتمع المحلي في باربار تعرض إلى مخاطر حرائق متباينة في حجم أضرارها المادية، كان آخرها الحريق الذي تعرض له منزل عبدالجبار علي الشويخ في الساعات الأولى من فجر يوم الثلاثاء (17 يونيو 2014) ووفق ما رواه ابن صاحب المنزل الذي تعرض للحريق: «جرى الاستنجاد بالدفاع المدني كما طلب النجدة من ميرزا الحاج علي حيث كان نائماً، وساهم بدور رئيس في إخماد الحريق». وما هو ملفتٌ للنظر وفق ما أفاد «شهود عيان»، أن الرجل عمل بمهنية عالية في مكافحة الحريق والحد من تداعياته، حيث ركّز همه في توجيه خرطوم المياه إلى اسطوانات الغاز، وعزل لهب النار عنها، وذلك ترك أثره الايجابي في منع تداعيات الحريق إلى المنازل المجاورة، وتفادي وقوع كارثة بشرية.
التجارب المجتمعية في هكذا حالات تساهم في الارتقاء بمهنية العمل في إدارة حالات الطوارئ، وفي هذا السياق يشير ميرزا إلى أنه ساهم بجهده مستخدماً صهريج الماء الذي يرتزق منه في مكافحة خمس حوادث حريق متفاوتة في حجمها وقعت جميعها في منطقة باربار. ويقول إن الحرص والمسئولية الذاتية التي صنعتها تجاربه ومشاهداته للحالات الإنسانية عندما يكون المجتمع في حالة ارتباك لا يدري ما الذي عليه فعله، والنساء والأطفال تصرخ وتطلب النجدة من السماء، جعلته يحرص على ملء صهريج الماء قبل أن يتوجه إلى النوم وشراء كمّامات للوقاية من دخان الحريق.
وبالاستناد إلى قراءة ما شهدناه من حالات وتجارب واقعية لجاهزية المجتمع المحلي للمساهمة الفعلية في عمليات المكافحة والتصدي لمخاطر الحرائق، نرى ضرورة دراسة ما أفرزته تلك الحوادث من مخرجات وتوظيفها بشكل عملي في الاستفادة من القدرات المجتمعية، وأن تعمل السلطة المختصة في مكافحة الحرائق على تنظيم دورات متخصصة للمتطوعين على فنون الإنقاذ ومكافحة الحرائق، وتشكيل فرق محلية للتدخل السريع في الحالات الطارئة وتوفير مراكز لضخ المياه لمكافحة الحرائق.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4346 - الخميس 31 يوليو 2014م الموافق 04 شوال 1435هـ