عندما اجتمع الزعماء العرب في قمة التوافق والوئام الأخيرة في شرم الشيخ بتاريخ 10 يناير/ كانون الثاني 2011، كانت رياح الربيع العربي تهب انطلاقاً من تونس البوعزيزي منذرة بعواقب وخيمة. كان لافتاً أن هؤلاء الزعماء، باستثناء الرئيس التونسي زين العابدين بن علي المحاصر يومها بعاصفة الثورة في تونس، كلهم طاعنون في السن، باستثناء ثلاثة وصلوا للحكم في ظروف استثنائية بموت الآباء في فترة مقاربة 1999 – 2000.
كان بعضهم يستند إلى عكاز، والبعض يمشي بتثاقل، وبعضهم يستخدم سماعات أذن، وغالبيتهم يخضع لعملية تزيين قبل كل لقاء رسمي لإخفاء ما فعله الدهر، وكلهم فوق السبعين. لكن الأهم أن بعضهم أمضى أكثر من أربعة عقود في الحكم، باستثناء الرئيس الموريتاني ولد عبدالعزيز والذي وصل إلى الحكم في غفلة من الزمن (انقلاب عسكري).
هؤلاء الزعماء ينتمون لجيل قديم، وبعيدون جداً عن روح العصر، ولا يدركون التقنيات الحديثة للتواصل الاجتماعي. معظمهم شهد في سنوات حكمه تضاعف سكان بلدانهم، مترافقاً مع مشاكل متراكمة، اقتصادية وسياسية واجتماعية، في ظل عولمة متزايدة وعالم متشابك العلاقات.
ولم تكن النخبة المحيطة بكل من هؤلاء الزعماء، من وزراء وضباط جيش وأمن ومساعدين ومدراء كبار، وشركاء في البزنس ومسئولي الإعلام والعلاقات العامة، بأفضل حالاً. الزعماء العرب يختارون المحيطين بهم من الأقارب والأصهار بالطبع أو ممن كانوا معهم على مقاعد الدراسة، ولو أخذنا مصر مثالاً، فقد تجاوز الرئيس المصري حينها حسني مبارك الثمانين، وقد مضى عليه في الحكم ثلاثون عاماً، وكبار المحيطين به مثل رئيس وزرائه نظيف، ووزير الدفاع حسين طنطاوي ووزرائه مثل حبيب العادلي (فوق السبعين)، ورئيس مجلس الشورى شهاب ورئيس مجلس الشعب صفوت الشريف (في حدود الثمانين)، ورؤساء إدارات الصحف القومية «الأهرام» و»الأخبار» و»الجمهورية»، مضى عليهم في قيادتها أكثر من عقدين. وهذا الوضع ينطبق على معظم المحيطين بالرئيس حينها حسني مبارك. وكان هذا هو الوضع تقريباً بالنسبة لعدد من زعماء الدول العربية منها دول مجلس التعاون والأردن واليمن والسودان وليبيا، والجزائر وفلسطين إلخ.
على امتداد عقود من الحكم وبحكم تقارب السن، فقد نشأت فيما بينهم علاقات شخصية، رغم تباين أنظمتهم السياسية، وارتباطاتهم بالقوى الأجنبية، وخلفيتهم الثقافية وغيرها، بل أن بعضهم دخل في مصاهرة مع البعض الآخر، لكن ذلك اختلف تماماً مع إعصار الربيع العربي، الذي فجّر كل المتناقضات فيما بين الأنظمة العربية وحكامها، فتشرذموا كما تشرذم اليمنيون بانهيار سد مأرب.
لكن الأخطر من ذلك أن عدة عوامل تداخلت لتنتج خطاباً خشبياً لهؤلاء الزعماء وهذه الأنظمة. إن عوامل التقدم في السن، والنشأة التقليدية، والعقيدة المحافظة وتراتبية الحكم المحكمة والنخبة المحيطة بهم وغيرها... كلها أسهمت في تشكيل خطاب خشبي، يبعد كثيراً عن الإحساس بما يجري حولهم ومواكبة التطورات والأفكار الجديدة.
في الخطاب الرسمي الموجه إلى الشعب في المناسبات الوطنية والدينية، يبدأ الزعيم العربي خطابه «شعبي ...»، وكأن الشعب ملك له. ويذكر المناسبة ويجتهد في استنباط معانٍ للمناسبة، ثم يطنب في استعراض الإنجازات التي تحققت في عهده، وعادةً ما يمن الزعماء العرب على شعوبهم لأنهم يسهرون الليل والنهار لأجل رفاهيتهم وأمنهم، وأن باقي الأمم تغار منهم مما هم فيه من نعمة وبحبوحة وأمن. وبالطبع لابد من الحط من قدر معارضيه ووصمهم بأقذع الصفات: عملاء للأجنبي، مفلسين فكرياً، طامعين في الحكم بلا وفاء وبلا أخلاق... إلى آخر المعزوفة. ولا يفوته في النهاية ألا يزجي المزيد من الوعود لعلاج النواقص البسيطة، ومواصلة طريق التنمية الشاملة والإنجازات المبهرة، وبالطبع يكون الحواري، قد حشدوا المصفقين ومطبلي الإعلام، والشعراء والمداحين، في هذا العرس الكبير.
نعم تزداد الفجوة ما بين الحكام العرب والشعوب العربية، وخصوصاً مع الجيل الجديد، كما يقطع التواصل المباشر ما بينهم وما بين مختلف فئات الشعب والتعرف المباشر على آرائهم وطموحاتهم وأحلامهم وكوابيسهم وخيباتهم. لقد كان الحكام للجيل السابق، ورغم محدودية معارضيهم، بل أُميَّة بعضهم، أكثر بساطة وتواصلاً مع الناس. لكنه مع الجيل الهرم من حكام العرب فقد تعقدت الأمور، وتضخمت البيروقراطية المحيطة بهم، وبالتالي المزيد من الجدران التي تفصل بينهم وبين الشعوب، وأضحوا يعيشون في قصور ضخمة وحياة باذخة وتزداد الفجوة بينها وبين أحياء الصفيح، والأحياء الشعبية حيث يتكدس البشر وتنقطع عنها الكهرباء والماء وتتراكم في شوارعها الزبالة.
لذلك لا عجب عندما ينهار حكم أولئك البوليسي تأخذ الأحداث طابعاً انتقامياً وحشياً كما جرى للزعيم المتفرد معمر القذافي، وهو ما زرع الرعب وروح الانتقام في نفوس باقي الحكام، وبدلاً من التمعن فيما جرى، فقد تملكتهم روح الانتقام الرهيب ضد شعوبهم، ومن يتمرد ضدهم. أو حتى يطالب بالإصلاح وكما قال الشاعر ضمير العرب مظفر النواب:
وما خلل بها الدينا ... ولكن كلها خلل!
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4340 - الجمعة 25 يوليو 2014م الموافق 27 رمضان 1435هـ
كاسترو
الرئيس الكوبي امض اكثر من خمسين سنة في السلطة وبعد ماخرج سلمها لاخوة وللعائلة المالكي يريد يورثها العراقين سنة وشيعة قاميين علية وهو لايهمة الكرسي وبس حتي الدي يقلدة وهو السستاني لمح لة بالخروج من اجل العراق وهو انا رئيس الوزراء الشرعي بخرب البلد وقال لو علي جثتي والامثلة كثيرة انا جبان ههههههههههههههههه
احسنت
جبتها بالصميم يا العكري وبات باقي حبات الشطرنج عن قريب ستتهاوى
رائع
رائع سيد عبد النبي
لا تعيبوا فتعابوا
و أنت إن شاء الله كم سنة بتكون رئيس لجمعية الشفافية ؟؟؟
ابحث قبل التعليق
العكري ليس رئيس جمعية الشفافية