في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، كنت حينها بجامعة الكويت، وكانت تداعيات ما حدث العام 1967 على نفسيتنا وأفكارنا القومية الوطنية مازالت حاضرةً أمامنا. في تلك الفترة اقتنيت، ضمن مطالعاتي المتنوعة، العدد الأول من سلسلة أُطلق عليها «الكتاب الأزرق»، وكان بعنوان شدّني إليه سريعاً وهو «المرأة التي حكمت مصر»، تأليف الصحافي الأميركي بيتر دلفن. وقد وضع كتابه هذا من خلال مجموعة تحقيقات أنجزها لفائدة مجلة «مان اليسترايتد»، وذلك قُبيل حرب يونيو 1967. واستقاها، كما يدعي، من عميلة لمخابرات الكيان الصهيوني في القاهرة أطلقت على نفسها اسم (ليلي). وجمع تلك المادة الصحافية وأعدها، وتولى طبعها حاتم خوري العام 1973، تحت العنوان الذي ذكرته.
وما ذكرني اليوم بهذا الكتاب الصغير الذي مضى عليه كل هذه السنين في مكتبتي، هو المسلسل التاريخي المصري الذي مازال يُعرض حالياً في شهر رمضان على الشاشات المصرية، وغاب بالطبع عن العربية تعمداً، لأنه يحكي قصة عبدالناصر مع أهم رجل في مجلس قيادة الثورة آنذاك، وهو محمد عبدالحكيم عامر.
عنوان المسلسل هو «صديق العمر»، من بطولة الممثل السوري جمال سليمان، في دور جمال عبد الناصر، والمصري باسم سمرة، في دور عامر، وقامت بدور برلنتي عبدالحميد، الممثلة التونسية درة زروق.
وكالعادة عندما يجسد ممثل غير مصري، شخصية عبدالناصر، يحدث لغط في الشارع المصري خصوصاً بين الفنانين. ولذا سرعان ما صدر بيان من أسرة المسلسل، وكأننا في زمن الانقلابات التي تحدث عنها المسلسل نفسه، «أكد على رفض أسرة المسلسل بشدة، أي تلميح أو تصريح، بأن اختيار جمال سليمان هدفه التقليل من شأن عبد الناصر، فجمال عبد الناصر في قلوب المصريين قبل أن يؤديه على الشاشة الممثل المصري الراحل أحمد زكي، لكن العجيب أن يعتقد البعض أن أحمد زكي هو الذي صنع شعبية عبد الناصر».
وبداية أقول، ليس حباً في متابعة فضائيات الترفيه العربية التي لم تتوقف عما كانت عليه منذ سنوات في شهر رمضان درامياً وليس روحياً وعبادياً، حتى المدعية منها بالاعتدال في التدين. لكن هذا العمل استوقفني لما احتواه من مادة تاريخية حيوية لفترة مهمة في حياتنا، عاصرناها وحكمنا عليها إيجاباً أو سلباً، لكنها مازالت تشكل جزءاً كبيراً من فكرنا وعقلنا الباطن، وتحتاج إلى مراجعة بين آن وآخر.
مسلسل «صديق العمر» الذي كتبه ممدوح الليثي، وأخرجه عثمان أبو لبن، بما أنه عن مصر والقومية العربية أيام زمان، وليس به كمية بهارات منتهية صلاحيتها كعادة الأعمال الهابطة؛ ستكون لنا معه متابعة.
أولاً، يأتي هذا العمل حقيقةً في زمن فقدت فيه مصر توهجها السياسي والقيادي في الوطن العربي، بل والعالم، حين كانت تحت القيادة الناصرية، وكان الجميع يخطب ودها ويتقرب منها حباً، أو يهابها، أو يحترمها عن بُعد. صحيح أن تجربة الوحدة العربية الشاملة التي كانت تدور في فكر قائدها جمال عبدالناصر، لم تتحقق بالشكل الذي سعي إليه، بسبب عدم الوعي التام في كيفية التعامل مع دول مضطربة أساساً ويلعب النظام القبلي البائد في تشكيل معظم علاقاتها الداخلية والخارجية، مثل سورية والعراق واليمن. أضف إلى ذلك تآمر الرجعية العربية مع قوى الاستعمار والصهيونية في تلك الفترة ضد أي تجربة عربية وحدوية تتجه نحو الديمقراطية، والحرية، والاستقلال في قرارها. وهذا ليس جزءاً من بيان ثوري قديم عثرتُ عليه بين أوراق السبعينيات؛ بل هو كلام واقع عربي، للأسف، يحدث في كل زمان، وما زماننا هذا ببعيد أبداً عنه.
نعم... مصر التي كانت لم تعد كما كانت، وحتى بعد ثورة 25 يناير 2011 الشبابية، سرعان ما عادت لنفس أحضان تلك الرجعية العتيقة التي سكبت في خزانتها أموالاً «زغللت» أعينها، وجعلتها تأكل حتى أبناء الثورة الشبابية نفسها وتبعدهم وراء الشمس من جديد.
ولهذا يأتي المسلسل التاريخي الآن ليعيد إلينا، ولو من باب ذكريات الزمن الصعب لكنه من الجميل الذي فقدناه حقاً، شيئاً من الحقيقة. ولسنا هنا في مجال المدح للعمل أو ذمه، بل مجرد وضع بعض النقاط على حروفه.
أوضح العمل، أن كل همّ زعماء الثورة كان في عدم فقدهم لمناصبهم أو تغييرها، ولذا كثيراً ما هدّدوا عبدالناصر بالاستقالة، وبالذات عبدالحكيم عامر، ثم تبعه كمال الدين حسين، وعبداللطيف البغدادي. أي لم يكن الهمّ الأول هو نجاح الثورة وحصول الشعب على حريته وحقوقه، وتطور البلاد وهي تواجه قمة النظام الغربي الاستعماري آنذاك ممثلاً في الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا، وبجانبهم طبعاً الطفل المدلل (الكيان الصهيوني).
كما أظهر المسلسل، أن مشكلة المسئول أو القيادي المصري أو المثقف أيضاً، اعتقاده دائماً بأنه الأعلم والأفضل من غيره وخصوصاً بين إخوته العرب. ولذا نظر زعماء الثورة وضباط الجيش بزعامة عبدالحكيم عامر، ورجال الأعمال في مصر، للأسف، إلى الشعب السوري مثلاً في فترة الوحدة 1958-1961، على أنهم مجرد جهلة وتابعين يجب تعليمهم، وكان هذا أحد أسباب الانفصال.
ويلاحظ على المسلسل، هو إظهار الحياة الرغيدة في بيت عبدالناصر الواسع بحديقته الكبيرة، مع أننا نعرف في النهاية كيف كان يعيش عبدالناصر وماذا أورث لعائلته بعد وفاته!
ومن الأخطاء التي وقعت بها الثورة، وأظهرها المسلسل، هو إسناد مناصب حسّاسة وحيوية جداً لشخص متقلب الأطوار واستعلائي بطبعه، مثل عبدالحكيم عامر، حتى ولو كان صديق العمر لجمال عبدالناصر، فهذا لا يبرّر كثيراً أن يكون القائد الأعلى للقوات المشتركة بين سورية ومصر العام 1958، ومنحه رتبة مشير في نفس العام. كما أصبح في العام 1964 نائباً أول لرئيس الجمهورية.
ومع بروز ضعف إدارته في قضية سورية، فقد عُيّن وزيراً للدفاع والحربية، وأضيفت إليه مهمة رئاسة اللجنة العليا للسد العالي، ثم رئاسة المجلس الأعلى للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي، فكانت النتيجة هزيمة يونيو 1967.
كذلك بدا المسلسل متعاطفاً مع عبدالحكيم عامر حتى أنه أظهره كالملاك في سورية، وأن الجميع يحبه. بينما يقول رأي لأحد الكتاب السوريين عن تلك المرحلة، أعترف بأنه ليس محايداً، أن الشعب السوري عاش في عهد تولي عامر للسلطة هناك، في سجن كبير. حيث طُبق سلاح الترغيب والترهيب، لأن القائم علي الدولة، أو القطر السوري، هو العسكري عبد الحكيم عامر، ورجل بوليس في المكتب الثاني هو عبد الحميد السراج، وسارت الدولة على سياسة التسلط والظلم، وأقبية السجون وجحيمها للجم السوريين. فانقلب السوريون إلى حالة من اليأس والقنوط والسلبية.
وبالمزج بين «المرأة التي حكمت مصر»، وهذا المسلسل، يقفز السؤال: هل كانت برلنتي عبدالحميد، امرأة خطرة جداً وتحكمت في زوجها بالسر، عبدالحكيم عامر؟ وهل فعلاً كانت الجاسوسة الصهيونية المدعوة (ليلي) عن طريق علاقتها بزوجة المشير العاشق؛ السبب في ضرب المطارات المصرية صبيحة يوم 6 يونيو 1967 فيما عُرف بنكسة حزيران؟... و للسؤال بقية.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4336 - الإثنين 21 يوليو 2014م الموافق 23 رمضان 1435هـ
رد على زائر رقم ظ،
اخي الكريم يقول الله في كتابه الكريم " و اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم " الآية ظ¥ظ© سورة النساء. اخي الكريم لم تكن يوما هذه الآية حديث إطاعة ولي الامر فهو قول العزيز الحكيم. فأما ان تقبله و تطبقه و اما ان ترفضه و تكفر. الهم أني أستغفرك و أتوب اليه. و الحمد لله انك لم تقل ان حديث إطاعة ولي الامر منةاحاديث الفلاسفة و الملاحدة.
الرجعية العربية !!!
من المضحك ان من لم يكتب حرف واحد فيه انتقاد لإيران القذرة لأم الرجعية و التخلف و الدجل و ناشرة الطائفية و التخلف و المليشيات النجسه في المشرق العربي يأتي اليوم و يقول الرجعية العربية
وماعلاقة ايران؟!؟!
الكاتب يتكلم عن مصر وثورتها على نظام ملكي وتجربة التوحد مع سوريا فاين موقع ايران بالموضوع؟! هل تكلم عن تركيا وحكمها للوطن العربي لقرون ادخلته عصر الجهل والامية حتى يتكلم عن ايران؟! ثم من انت لتحكم على ايران بهذه الكلمات البذيئة التي تنم عن مكنون نفسك واحقادك الدفينة! ايران لم تتعرض لاحد من اكثر من 150 عاما وانما تعرضت لاعتداءات ودافعت عن نفسها. ايران لازالت تدافع عن القضية الفلسطينية وتدعمها بالمال والسلاح على الرغم مما يسببه هذا لها من مضايقات وحصار دولي في حين يكتفي العرب بالتفرج!
خفايا
الثوره المصريه هى الاولى على الحكم الملكى والاقطاعى ورغم الاخطاء الكبيره فيها الا اننا نحفظ لعبد الناصر اخلاصه وحبه لمصر فقد كان عظيما وكثيرون من حوله كانوا فاسدين
وابحثها تراهم عرب
تم تلبيس الحكم بلباس الافراد مند الحكم الاموي وحتى الان وما حديث إطاعة ولي الامر الا نكبة في وقتنا الحاضر حتى الجمهوريات اصبحت وراثية وتبقى العلة فينا كوننا عرب
الدولة الأموية
الدولة الأموية مسببه لكل بعقدة لانها اعظم دولة عربية عرفها التاريخ حكمت من الأندلس الى صين