في خطابه في يوم تنصيبه رئيساً للجمهورية يوم الأربعاء 16 يوليو/ تموز 2014 خاطب الرئيس السوري بشار الأسد المنتخب لولاية ثالثة، الحضور في القصر الجمهوري على قمة جبل قاسيون بالقول «إنه ما يدعى زوراً ربيعاً عربياً ليس ربيعاً، وإلا لانطلق من أكثر البلدان العربية تخلفاً، والتي تتآمر حالياً لإشعال الحروب في البلدان العربية».
بغض النظر عن مدى شرعية تمثيل الأسد كرئيس للشعب السوري، ورمزية انعقاد جلسة التنصيب في القصر الجمهوري وليس مجلس النواب، حيث أن أداء القسم وبموجب الدستور السوري يجب أن يتم في جلسة مكتملة النصاب في مجلس الشعب وليس في القصر الجمهوري بحضور حشد جماهيري، فإن طرح الرئيس السوري يتماشى مع طرح جميع الزعماء العرب، باستثناء زعماء تونس ومصر، وهو وصم الربيع العربي بأبشع الأوصاف، وتحميله مسئولية الخراب العربي الحالي وأنهار الدماء المتدفقة وتصويره بأنه مؤامرة أميركية لتمزيق العرب وشرذمتهم أو ما يُعرف بالفوضى الخلاقة الذي دعت إليه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة سيئة الذكر كونداليزا رايس لكنهم في ذلك يتغافلون عن أن الربيع العربي ألهم المواطنين الأميركيين الساخطين على حكومتهم ورأسماليتهم المتوحشة، باحتلال وول ستريت، ومنتزه سنترال بارك نيويورك، بل وعبر عدة مدن أميركية حتى وصل إلى مدينة أوكلاند على ساحل ولاية كاليفورنيا حيث احتل المحتجون الميناء المهم لمدة ثلاث أيام. وقد استخدمت الحكومة الأميركية القوة المفرطة لإجلاء المحتجين من شوارع نيويورك وأوكلاند وغيرها ووئدت الحركة الاحتجاجية وإن لم توأد فكرتها.
ما يهمنا هو القول إن جميع الأنظمة العربية متخلفة، وهي بالتأكيد متباينة في تخلفها كما أن أوجه التخلف تتباين من بلد إلى آخر وتتجلى في مختلف السياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتستهدف الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها للمواطن وللعربي وللأجنبي المقيم على أراضيها. نعم هناك بلدان كبلدان الريع النفطي الخليجي يتمتع فيها المواطن بحياة رغد اقتصادية، لكنه محروم تماماً من حقوقه السياسية والمدنية، ويعامل كرعية، يتصدّق عليه الحاكم بما يجود باعتباره لا يدفع ضرائب. وهناك بلدان مثل لبنان وتونس حيث الحريات العامة متاحة وكثير من الحريات الشخصية، وهي التي شخّصها رئيس الوزراء اللبناني السابق سليم الحص «بأنه في لبنان يوجد كثير من الحريات وقليل من الديمقراطية». لأنها ديمقراطية الطوائف المزورة، لكن المواطن يضطر إلى الهجرة والاغتراب بسبب غياب التنمية والرأسمالية المنفلتة.
وهناك بلدان مثل مصر والجزائر، تئن تحت الثقل البشري، والحكم الاستبدادي، وهي تتوفر على خيرات كثيرة لكنها منهوبة، ولذا فالمواطن مطحون اقتصادياً وسياسياً. وهناك بلدان ومنها سورية والعراق ابتليت بأنظمة استبدادية فاسدة، جلبت الحروب والنزاعات لشعبيها، وإن كان طابع الحكم علمانياً متسلطاً. ولا حاجة لاستعراض طبيعة باقي الأنظمة العربية.
خلاصة القول إن وجود بلدان أكثر تخلفاً من سورية، لا يعني وصم الربيع العربي بأنه ربيع فاسد، بل يعني أن اجتياح إعصار الربيع العربي البلدان العربية من المحيط إلى الخليج منطلقاً من تونس البوعزيزي، وعابراً الحدود الوهمية يثبت أن هناك قاسماً مشتركاً للأنظمة العربية وتواطئها جميعاً ضد شعوبها وهو ما تجلى في مؤتمر شرم الشيخ في 10 يناير/ كانون الثاني 2011، حيث التمّ الشامي على المغربي وأخذ الزعماء العرب بعضهم بالأحضان. وأطنبوا بالإشادة ببعضهم البعض، في نفاق فاضح، وحينها لم تكن هناك مؤامرات أو تدخلات من نظام عربي ضد نظام عربي آخر. وبالمقابل كان الوجدان العربي يتحرك، وتتجاوب الشعوب العربية مع ثورة الشعب التونسي الشقيق ويعبر الثوار في الميادين من ساحة الغنا في مراكش حتى دوار اللؤلؤة في البحرين وما بينهما، التحرير، والشهداء، ودرعا، والإرادة والتغيير والعالم واللؤلؤة، عن تضامنهم مع بعضهم البعض، بل وتنطلق المظاهرات التضامنية تحمل صور الاحتجاجات والشهداء وأعلام أكثر من دولة عربية.
السبب في المصائر المتباينة والمسارات المختلفة لثورات الربيع العربي يعود لعدة عوامل أهمها التقسيم المفروض على الأمة العربية من قبل المستعمرين والذي كرسته الأنظمة العربية، بحيث أنه سهل للأجانب دخول بلدان عربية والتفاعل معها، كما حدث مع معظم الصحافيين والمفكرين، الذين عطوا ثورات الربيع العربي، من دخول الغربي لبلد عربي آخر، وكلنا يعرف حواجز الفيز، وقوائم الممنوعين والمطلوبين. ثم أنه وفي معظم البلدان العربية الاستبدادية فقد تم تدمير المجتمع المدني، وشوهت الحياة السياسية، ودجنت النخب واستشرت السياسات المفسدة وأضعفت الهوية الوطنية، بحيث أن الجماهير الثائرة لم تجد تحالفاً وطنياً سياسياً ومجتمعياً منظماً جيداً يقود الحراك، وأنه باستثناء تونس، نرى التعثرات في مختلف الثورات بما في ذلك مصر وهي أنجح الفاشلين.
كما أن ردود فعل الأنظمة الموغلة في وحشيتها بدلاً من المتفاوض على الإصلاحات المطلوبة، والتي تجلت في ليبيا، وسورية والعراق، والقبضة الحديدية كما في الباقين باستثناء المغرب، قد حرف المسيرة عن مسارها وعسكر الثورات السلمية وإن لم يفقد الحراك العربي مشروعيته، ولم يفقد الربيع العربي كونه حراكاً عربياً جماهيرياً نبيلاً، أتى بعد عقود من الركود السياسي والتخلف المجتمعي والاستبداد والإخضاع، وجعل الشعب العربي في حالة يأس وشلل وتراجعت الأحلام الكبرى بالتقدم والحرية والوحدة وتحرير فلسطين.
لا يحق للأسد أو غيره أن يعيّرنا بالربيع العربي، فالشعب العربي يفخر بربيعه وبالطبع نحن ندين من يسعرون الحرب الأهلية في سورية والعراق واليمن ونحن ندين الأنظمة التي واجهت الجماهير الثائرة أو المنتفضة أو المحتجة إضافة إلى القمع الرسمي، بإطلاق الحركات التكفيرية والطائفية والمذهبية والقبلية، كما ندين حركات التكفير الظلامية المدعية زوراً بالإسلام، لكن ذلك لا يعفي الأسد من المسئولية تجاه ما جرى، ولا يعطيه صك براءة، ولا الحق في تجريم جماهير الربيع العربي، وعليه إذا أراد إخراج سورية من محنتها التي لا سابق لها في التاريخ، أن يتصالح مع شعبه، ويصلح نظامه فذلك هو الكفيل بمحاصرة التكفيريين وشل تأثير التدخلات الخارجية القذرة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4335 - الأحد 20 يوليو 2014م الموافق 22 رمضان 1435هـ