لابد للعقلاء المتجردين من البوح بما لا يُعقل، أن يتوافقوا في القول الحصيف، أن التمييز في كلا اتجاهيه، الذي توليه السلطات لمسانديها للإفادة والإستفادة، وتمنع بموجبه الحق عن أهله، إنما هو يضر بالمجتمع أساساً وبأشخاص ممارسيه تبعاً، ولو بعد حين.
ولن يستطيع أحدٌ أن يُجري ممارسة التمييز بين المواطنين، ما لم يستحوذ سلطة القوة والقرار والثروة، والتي هي في المنظومة السياسية والحقوقية، أدوات تمتلكها السلطات الرسمية بتسييرها لمؤسسات الدولة، سواء من خلال إدارتها المركزية، أو بتصرف مباح من قبل متنفذ حكومي، أو متسلط على ذلك المسئول الحكومي، من خارج النظام، ويُمارس التمييز بواسطة إدارة أو وزارة، في شخص المدير أو الوزير، ليلوي النص القانوني أو يغيّبه، حين إصدار القرار، أو حين التنفيذ، أو حين التوجيه، ويزيد في غيِّه لعدم محاسبته وإفلاته من العقاب.
وقد تناولنا في مقالتنا السابقة، وبسطنا نتيجة إحدى ممارسات وسياسات التمييز الرسمية، في صياغة النص وتنفيذه، في المرسوم رقم 29 لسنة 2002 بشأن تحديد المناطق والدوائر الانتخابية... للإنتخابات العامة لمجلس النواب، وبيّنا كم سوء التمييز بين المواطنين في الثقل الإنتخابي والثقل المواطني، وسنعطف هنا على ما لحق تلك الممارسة والنتيجة، من الاستمرار في ذات النهج، إذ ليس من المعقول أن تكون جهة القرار والتنفيذ والإدارة والإشراف على الانتخابات النيابية، لتأسيس السلطة الشعبية للتشريع والرقابة، على الأداء الحكومي، هي الحكومة ذاتها وبتفردها، وهي ذات الجهة صاحبة المصلحة في توجيه نتائج الانتخابات، بما يخدمها عبر فصل أعضاء مجلس النواب عن أصل تمثيلهم للشعب في السلطة التشريعية والرقابية على الحكومة، وذلك من خلال فرض واقع انتخابي، يفوز فيه هذا ويخرج من سباق الانتخابات ذاك. والفرق بين هذا وذاك، هو مقياس القرب والبعد من الحكومة أو الناخبين من الشعب، على هوى الحكومة، عبر هيمنتها على توزيع الدوائر الانتخابية غير العادلة، كما بيّناها فيما سبق، وعبر غض الطرف عن ممارسات مرشحيها أو مقبوليها، من استغلال الحاجة الماسة لدى بعض الناخبين من بسطاء وفقراء الشعب، بما خلقت عندهم ذلك العوز، الممارسات الحكومية وتمييزها بين المواطنين في توزيع الثروة الوطنية.
كما تتسيد الحكومة على نتائج العملية الانتخابية، من خلال التوجيه الرسمي الجبري، لإرادة منتسبي أكبر أجهزتها عدداً من حيث المنتسبين لمختلف أجهزتها الأمنية، العسكريين والمدنيين، العلنيين والسريين، تنفيذاً للقانون الذي سنته الحكومة في شأن الحقوق السياسية لمنتسبي هذه الأجهزة، كما نص ذات المرسوم عاليه، في المادة الخامسة «يسري في شأن منتسبي قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني، فيما يتعلق بمباشرة حق الإنتخاب ما تنص عليه القوانين والأنظمة والتعليمات الخاصة بخدمتهم في هذا الشأن»، فواضح المنع على منتسبي هذه الأجهزة حق الترشيح، إذ لم يرد له شأن في نص هذا المرسوم، بما يعني المنع، ومقابل ذلك أباح لهم القانون حق الإنتخاب مشروطاً بثلاث: القوانين والأنظمة والتعليمات الخاصة بخدمتهم في شأن الانتخابات.
ومعلوم أن القوانين والأنظمة، تتصف بالثبات النسبي، من حيث سريانها وتعديلها وتبديلها، إذ يحتاج ذلك، قراراً من سلطة التشريع، وعبر آلياتها الدستورية، لكل حالة تعديل على حدة، وهذه القوانين والأنظمة الخاصة بخدمة منتسبي هذه الأجهزة، منعت على منتسبيها حق الترشيح، وربطت حقهم في الإنتخاب بإرادة قياداتها، عبر التعليمات، فنصت المادة 46 من المرسوم بقانون رقم 32 لسنة 2002 بإصدار قانون قوة دفاع البحرين مثلاً، على «يحظر على منتسبي قوة الدفاع الترشيح للمجالس البلدية ومجلس النواب، أما بالنسبة لمباشرة حق الإنتخاب لعضوية هذه المجالس، فيخضع للأنظمة أو التعليمات التي يصدرها القائد العام في هذا الشأن».
نصوص واضحة لا تحتاج لشرح، و»التعليمات» لا صلة لها بالتشريع ولا آلياته، فهي منوطة بقيادة الأجهزة، تصدرها حسب الحاجة والحالة، وعلى منتسبي هذه الأجهزة التنفيذ بالإنصياع الفوري، وهذه الأجهزة وقياداتها، وهي إما حكومية بطبيعتها، أو حكومية في إرادتها، إن شاءت أشركت منتسبيها في الانتخابات وإن شاءت منعت عليهم ذلك، حسب الرؤية الحكومية المبتغاة بالتأثير في العملية الانتخابية.
ومن الملاحظ أن قانون ممارسة الحقوق السياسية ينص في المادة الخامسة على «... يسري في شأن منتسبي ... فيما يتعلق بمباشرة حق الإنتخاب، ما تنص عليه القوانين والأنظمة والتعليمات»، وهي حالة جمع للتعليمات والقوانين والأنظمة، فلا يلغي أحدها الآخر، ولكن قانون قوة الدفاع في المادة 46 ينص على «أما بالنسبة لمباشرة حق الانتخاب... فيخضع للأنظمة أو التعليمات التي يصدرها القائد العام في هذا الشأن»، والتعبير هنا أن التعليمات أو الأنظمة التي يصدرها القائد العام، تلغي واحدتها الأخرى، إذ أن هذا هو المعني بـ «أو».
ولا ننسى التدخلات الحكومية الرسمية المباشرة وغير المباشرة عبر الأفراد والأجهزة الرسمية، في إسناد مرشح على حساب آخر، بما يسهل وصول الأشخاص الحكوميين إلى مجلس النواب، من خلال الدعم المادي واللوجستي، وتوجيه منتسبي الأجهزة الثلاثة، وبما يخلط فيه المجلس الأعلى للمرأة، ما بين جنس الأنوثة والكفاءة في برامجه لتمكين المرأة، فللأنوثة كما للذكورة مساوئ إن غابت الكفاءة العلمية والخبراتية والوطنية والأخلاقية، بما يسيء إلى الوطن والمواطنين، محلياً وإقليمياً ودولياً. كما أن من وسائل الحكومة للدفع للنواب مقابل خدماتهم لها داخل المجلس، منحهم صكوك توزيع بعض الخدمات وخصوصاً الإسكانية، على ناخبيهم، ليظهروا أنهم حققوا تلك الخدمات لناخبيهم، على طريقة «الواسطة» ليضمنوا انتخابهم للفصول التشريعية اللاحقة، والنفس ضعيفة مقابل الحاجة والعوز عند كثير من الناس، وبهذا تضرب السلطات عصفورين بحجر، خلق طائفة من الناس يتبعون المال والعطايا، وخلق نواب يتبعون الحكومة، وبين هؤلاء وأولئك يضيع المواطن والوطن.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4334 - السبت 19 يوليو 2014م الموافق 21 رمضان 1435هـ
khald
الاستبداد راس كل الفساد
الحكم الانفرادي دمار البلاد والعباد
ايها الاستاذ الشريف هؤلاء يهدفون الى خراب الوطن وتدميره عن بكرة ابيه
السياسة المتّبعة حاليا لا تهدف لشيء كثر ما تهدف لدماء الوطن وخرابه هذه هي الحقيقة ازعجت ام لم تزعج تبقى حقيقة نراها ونلمسها يوميا على ارض الواقع