غزة تُقصَف. في اللغة، فإن غزة مبتدأ مرفوع بالضمَّة. تُقصَف: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة، والضمير المستتر الذي (هي) نائب فاعل والجملة الفعلية من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر للمبتدأ (غزة). حسناً، هل مَنَعَ ذلك الشرح وتلك اللعْلَعَة من أن لا يموت الناس في غزة؟ حتماً لا، وهو بالضبط حال كل شيء عربي ودولي تجاه فلسطين ومأساتها منذ أزيد من ستة عقود وإلى الآن.
إنسانياً هي مأساة لا تنتهي بكل ما فيها من معنى. صحافياً هي خبر آني لكنه في عين العالم ليس مهماً ولا غريباً ولا مثيراً ولا مفيداً ولا توقيته محفِّز. سياسياً هي تعبير عن فشل دولي عام. ثقافياً استنفذ الشعر والنثر كل ما لديه دون أن يحفر جريرٌ شيئاً على صخرة التحرير، ولا ابن المقفع في تاجه ومزدكه ما يعطي أملاً بانفراجة وفتح مبين.
لنربط الذاكرة بحاضرنا جيداً. مَنْ وُلِدَ يوم صدور وعد بلفور في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 يبلغ من العمر اليوم 96 عاماً وسبعة أشهر. ومَنْ وُلِدَ يوم مذبحة بلدة الشيخ يبلغ اليوم من العمر 67 عاماً. ومَنْ وُلِدَ يوم النكبة فهو يبلغ من العمر الآن 66 عاماً. ومَنْ وُلِدَ يوم النكسة هو يبلغ من العمر في هذه اللحظة 47 عاماً وشهراً وبضعة أيام.
لا صاحب الـ 96 ولا الـ 67 ولا الـ 66 ولا الـ 47 عاماً شهدوا تحريراً لفلسطين وعودة لشعبها. هذا ليس جلداً للذات بقدر ما هو مجال للتفكير. فعادة ما تكون الأزمات السياسية «فضلاً عن احتلال» مكتنفة في داخلها محفزات حركتها الدائمة، وبالتالي قدرة السياسة والاقتصاد والثقافة والقوة العسكرية على التماثل ومجاراة تلك الحركة.
حتى الأزمات التي استطال بها الزمن كالاحتلال الفرنسي للجزائر (162 عاماً) كانت الظروف تدفع بأن يكون ذلك الاحتلال ملفاً غير مغلق، ولا يحكمه ميزان ثنائي مختل على طول الطريق، بل كان الوضع الاجتماعي الجزائري والمحيط الجغرافي والظروف الدولية (حربين عالميتين) والمد القومي لاحقاً قد ساعد على جعله قابلاً للزوال حتى ولو حين.
هذا الأمر لا يبدو متوفراً في القضية الفلسطينية (على الأقل في المدى المنظور). فالاحتلال تمركز على شكل دولة مستقرة نسبياً لها أرض وبشر، بعد عملية تهجير لـ 4.7 ملايين لاجئ فلسطيني (بحساب الأجيال) وحملة أمنية قمعية مضادة أدت إلى مقتل 50 ألف فلسطيني واعتقال 800 ألف آخرين في مدة ستين عاماً دون ردة فعل مناسبة.
على مستوى نخب الشعب المحتلَّة أرضه، لم يعد موحداً بل متشظِّياً على عشرات الفصائل والقوى والتيارات السياسية. وبالتالي لم يعد هناك مشروع وطني مُوحَّد، بعد أن دبَّ الخلاف على تفسير الطريق إليه، بالمفاوضات أم البندقية؟ لم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل تطور لأن يتقاتل المختلفون على المشروع الوطني بالسلاح، حتى مات الفلسطيني على يد بني جلدته، في مشهد بائس لم يحتمله جرح فلسطين الدامي.
في الجوار، دخلت دول المواجهة في حروب متعددة مع «إسرائيل» استنزفتها، فأفضى إلى أن انهَدَنَت عن ذلك بالتسويات ثم بالصلح، وهو ما جعل عليها مجموعة من الالتزامات السياسية والدبلوماسية التي أثَّرت بشكل مباشر على طبيعة التعامل مع القضية كونهم دول جوار. ومَنْ لم يصالح دخل في «عدم حرب» دائمة منتظراً لحظة التوقيع النهائي لوفاتها.
زادَ الأمر خطورةً بالصراعات في العالم العربي. فخلال عقد من الزمن (بين عامي 1971 و1981) شَهِدَ العالم العربي 133 نزاعاً عربياً عربياً مسلحاً، في خلافات حدودية أو على مناطق نفوذ، أو اصطفاف مع أحد ضد آخر. وهو ما شكَّل نكسة كبيرة للقضية الفلسطينية، التي تورط جزءٌ من فصائلها في تلك النزاعات فأثر على قضيتهم ذاتها.
وعندما تشتتت الفصائل الفلسطينية على طول وعرض الصراعات العربية تشتتت معها عناوين شرعية القضية نفسها، فذهب أبو نضال إلى ليبيا، وأحمد جبريل إلى سورية، وتنقل أبو عمار من الأردن إلى سورية، ومصر، ولبنان ثم تونس. وعندما ظهرت الحركات الفلسطينية الإسلامية، أخذت في نسج تحالفات مع إيران الخميني.
وفي العقد الأخير، وصل الحال بالعالم العربي إلى أدنى مراتب الخراب، بعد التحولات العراقية (2003) والسورية والليبية واليمنية (2011)، وما أفضى إليه من خصومات وصراعات بالوكالة في أماكن عدة، وصل حتى إلى المحافل الدولية. وهو ما ألقى بظلاله على الأزمة الفلسطينية التي لم تعد الخبر رقم واحد في نشرات الأنباء ولا في الوجدان العربي.
لقد وصل الحال بالبعض لأن يرى الفلسطينيين يُقتلون في غزة دون أن يُكلِّف نفسه إحصاءهم على أقل تقدير، فضلاً عن أن يفعل شيئاً لهم. انسحب هذا الأمر على عديدٍ من الصور الأخرى غير السياسية، كالصحافة التي لم يعد لديها شيء تكتبه سوى الرثائيات ووصف ما يجري وكأننا لسنا منها ولا هي منا بالمطلق.
لم يعد للقضية الفلسطينية تشابكات ولا مصالح فرعية تفضي إلى مصالح فرعية أخرى لتشكل في نهاية المطاف قضية عميقة في السياسات العربية وبالتالي في الاجتماع العربي وثقافته. هذا الوضع مؤسف للغاية. بل إنه من أدنى لحظات التراجع العربي، الذي سيُبقِي جوليا بطرس تنادي حتى ينقطع النفس: وين الملايين؟
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4328 - الأحد 13 يوليو 2014م الموافق 15 رمضان 1435هـ
بشار يقصف راسك قول امين
عندما تصل الوقاحه الى حد كبير يكون هناك زللل فى عقيل صاحبه نحن نعيش ايام رمضان اسئلك بلله عليك مادا تقول فى مفتى التخلف محمد العوضى عندما سئل عن الجهاد فى فلسطين الدبيحه قال على الامه السجود والركوع الى الله لنصره فلسطين واما الارهاب فى سوريا والقتال والتهجير والاعتصاب ونكاح الجهاد على الامه الجهاد الى سوريا لقتال الاسد كم عدد الاطفال المستشهدين فى غزة ولبنان وكم عدد الاطفال المزعومين الدين قتلهم بشار الاسد هناك دمار شاسع وتحت مجهر العالم لم تحرك دول التخلف ساكنأ وكئن الامر لايعنيها بشى
العرب وحكام العرب وبعض الفسطينيي اصلا ولا على بالهم
فلسطيني الضفّة الغربية قبل غيرهم اين مواقفهم ولماذا يستكثرون الخروج بانتفاضة من اجل دعم اخوانهم؟
اما الحكام العرب فطالما ان القضية لا تمسّ كراسيهم فلا شغل لهم بها وانتهى الامر عسى لو يقتل مليون فلسطيني شكو لهم بعوار الراس
مقال رائع وواقع مؤلم
أشكرك أ. محمد على هذا المقال
الوضع العربي مخزي ومؤلم
وين اللا فتات الكبيرة
اغيثوا غزة انقذوا غزة ادفع عشرين دينار لافطار غزاوي وغيرها من العناوين البراقه لماذا غابت هذه المره عن شوارعنا اظن داعش مابقت اليهم الجماعه شي
يقصف داعش
قصدك بشار يقصف داعش التي تريد ان تهدم الكعبة
سؤال بسيط للمعلق 5
هل ان 567 طفل الذين قتلتهم البراميل المتفجرة في حلب ينتمون الى داعش؟؟!!
علي نور
شكرا استاذ محمد على مقالك الفذ المليئ بالحقائق والارقام لكن مع الاسف الشديد لا تلك الارقام التي ذكرت ولا الحقائق التي سطرتها بشي لغزة ابدا
غزة لها اربع كلمات بس بشار نصر الله المالكي روحاني نقطة على السطر
التاريخ يعيد نفسه واصحاب الجريمة يتكررون
نتنياهو يقصف غزة بالصواريخ والأسد يقصف حلب بالبراميل المتفجرة!!!!!!
الواقع - الحقيقة
لقد أصبت كبد الحقيقة يا أستاذ محمد .. و تكلمت عن الجرح .. و بعد مقالك .. لا مجال للتعليق .......... و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..