في مثل هذا اليوم (14 يوليو/تموز 1789)، سقط سجن الباستيل في فرنسا، بعد سنوات من القمع والإرهاب والتسلط الذي مورس على الشعب الفرنسي. وفي اليوم نفسه من العام 1934، توفيت عالمة الكيمياء والفيزياء الفرنسية ماري كوري الحائزة على جائزة نوبل في الفيزياء العام 1903، وأخرى في الكيمياء العام 1911.
ما الرابط بين التاريخين؟ الرابط هو سقوط رمز ومعْلم من معالم الاستبداد الذي غيّب طاقات بشره وأمعن في عذابهم وإهانتهم ومحاصرة كل جميل ومبدع ومشرق لديهم؛ فيما على الجهة الأخرى رحيل واحدة من أكبر العبقريات في التاريخ الإنساني التي من الصعب أن تتكرر، وهي بالأثر الذي تركت لم ترحل في قيمتها والإنجاز وإن رحلت جسداً. بين بيئة محطِّمة لكل نباهة وعبقرية، وبانتهائها تكشف تلك النباهات والعبقريات عن طاقاتها وقدراتها وإمكانياتها.
في الحدثين عبْرةٌ حين نتابع ما آل إليه أداء فرنسا ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا. التشويه الغبي لواحدة من أعظم دروس الديمقراطيات في العالم؛ والضريبة الكبرى التي دفعتها كي تحقق تلك المكانة التي كانت منهلاً لكل الذين يتطلعون إلى العزة والكرامة. أداء متواطىء مع النقيض من منطلقات الثورة الفرنسية، بتابعية سياسية لدولة أخرى (الولايات المتحدة نموذجاً) دون فحص موقف ودون مساءلة في موضوعات حساسة ومناقضة لتاريخها في قمع الحريات ومساندة الذين يقفون وراء ذلك، وبالتدخل التابع في شئون الدول، وما يترتب على ذلك من تجاوزات وانتهاكات، وفي أفضل الأفضل، صمت لا يليق بدولة علّمت كثيراً من أمم الدنيا أن لا تصمت أمام حقها في الوجود، وقيمة ذلك الوجود من حيث العزة والكرامة وإرادة الخيار.
فرنسا لم تعد كذلك في ما نعاصر، من حيث تخبطها في دول كانت تابعة لها فترة الكولونيالية التي لا يريد الساسة الجدد الذين تورطوا في ملفات فساد متنوعة أن ينسوا أن مرحلة مثل تلك قد ولّت من غير رجعة، وخارج ذلك السور الذي استعمرته ونهبت ثرواته ومارست قمعاً لا يليق بتاريخها، كان أداؤها السياسي مُبارِكاً لكل ما من شأنه الحط من كرامة الإنسان والوقوف وراء حركة الصراعات التي لا يُراد لها إن تنتهي في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً.
من العراق في العام 2003، والضوء الأخضر الفرنسي باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن لم يتوقف في أفغانستان قبل ذلك، ومن بعده في ليبيا وتونس وما يشبها بصمت طوال عقود تجاه سياسات الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، والتزام الصمت تجاه سياسات الرئيس المسقطة شرعيته من قبل الجيش محمد مرسي، وليس انتهاء بالتحريض والتدخلات والدعم السافر لمجاميع محلية مطعّمة بعولمة إرهابية في سورية، ولم ينجُ لبنان من منح الضوء الأخضر بشكل مباشر أو غير مباشر، وتظل غزة في ما تعانيه اليوم شاهداً على سياسة فرنسية لا تشبه مبادئها وتاريخها والتضحيات التي قدمتها لتحقيق المُثُل الكبرى.
بين ما أنجزته ماري كوري من إنجاز مذهل وما ينجزه الساسة الفرنسيون اليوم نحن أمام سجن «باستيل» متحرك تبعاً لمصالح أحفاد الذين بنوه وحطموه في نفس الوقت!
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4328 - الأحد 13 يوليو 2014م الموافق 15 رمضان 1435هـ
ويش دخل
خلش ع البحرين افضل \\ الي يبي هالكلام يدوره بالتاريخ