العدد 4328 - الأحد 13 يوليو 2014م الموافق 15 رمضان 1435هـ

إعادة الوهج إلى عذراوات الأكروبوليس من جديد

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

تخوض أمم صراع من أجل استرداد آثارها التي قدّر لها أن تسرق أو تباع في السوق السوداء، أو تمت مصادرتها بفعل تحولات في طبيعة العلاقات بين البشر، كالحروب والاحتلال على سبيل المثال. ثمة أمم رضيت بواقعها. تنتشر قطعها الأثرية في متاحف العالم، وقد يصل بها الأمر من انعدام الحس إلى استعارة قطعها للعرض في بلادها إذا اقتضت مناسبة ذلك. لا يعنينا النوع الثاني لأنه لا يعبّر عن احترام للوجود، كي يعبّر عن احترام لما يدل على تاريخ وآثار ذلك الوجود. النوع الثاني أفردت له صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً تناول قصة ستة تماثيل، واختطاف واحد منها:

لألفين وخمسمئة سنة، انتصبت ستة تماثيل على أعمدة لأخوات دون أن تتزحزح على قمة الأكروبوليس، ونيران الحرب مشتعلة حولها، وتم رصد الرصاص مخترقاً الثياب المنحوتة، والقنابل وقد شوهت أجسادهن الرشيقة. عندما اختطف واحد من تلك التماثيل في القرن التاسع عشر، تقول الأسطورة إنه كان يمكن سماع بكاء الخمس الأخريات في الليل.

ولكن في الآونة الأخيرة فقط أتاح تمثال امرأة مقام على عمود وسط المغنيات العظيمات في اليونان القديمة، فرصة للكشف عن مجدهن الكامل.

لمدة ثلاث سنوات ونصف، قام المرمّمون في متحف الأكروبوليس بتنظيف التماثيل ويعتقدون أن الأعمدة الأيونية هناك قد نحتت من قبل الفنان الكامينيس، وهو طالب لواحد من أعظم فناني اليونان القديمة، فيدياس (فيدياس، نحات أثيني عاش بين عامي 490 - 430 تقريباً قبل الميلاد وكان من أكثرهم تميزاً وأشرف على بناء وتزيين المنحوتات الرخامية في البارثينون وبنى تمثال زوس. (البارثينون معبد إغريقي في مدينة أثينا، بُني على جبل الأكروبولس، ويعتبر من أفضل نماذج العمارة الإغريقية القديمة. بنى الإغريق البارثينون في الفترة ما بين 447 و432ق.م. وقد صمّمه المهندسان الإغريقيان اكتينوس وكاليكراتس، وأشرف على أعمال النحت النحات الإغريقي فيدياس. وفي نحو العام 500م تحوّل المعبد إلى كنيسة. وتقول الأسطورة إنه رأى الشكل التام والكامل للآلهة وصوّره للناس فصنع المفهوم العام لتماثيل زيوس وأثينا لكل من بعده).

كانت الوظيفة الأولية هي دعم المعبد المقدس «Erechtheion»، الواقع بالقرب من البارثينون الذي كان بمثابة تحية إجلال لأول ملوك أثينا وآلهة اليونان أثينا وبوسيدون.

اليوم يمكن معاينة كم الجاذبية التي تمنحها تلك التماثيل في المتحف؛ إذ تم استبدال التماثيل الأصلية في الخارج بنسخ في العام 1979 للحفاظ على الحقيقية منها في ظروف أكثر أماناً.

على مرّ القرون، حلّت طبقة من السخّام الأسود لتخفي تماثيل النساء. اليوم، أعاد لهن المرممون توهجهن العاجي الأصلي، وذلك باستخدام تكنولوجيا الليزر التي تم التوصل إليها لهذا الغرض.

يتزامن ذلك مع الذكرى السنوية الخامسة للمتحف، النساء (التماثيل) ذهبن إلى عرض كامل في شهر يونيو/حزيران، وهن يومضن نظراً إلى ترتيبات الترميم التي تم إعدادها لهن. وتم تثبيت تمثال المرأة المقام على عمود في مبنى المتحف البريطاني في لندن، والذي حصل عليه منذ ما يقرب من قرنين من الزمان السفير البريطاني لدى الإمبراطورية العثمانية اللورد إلجين، والذي كان أعادها من شرفة المعبد المقدس (Erechtheion)، جنباً إلى جنب مع السفن المحمّلةً بالنفائس وقطع الزينة من البارثينون لتزيين قصر له في اسكتلندا قبل بيع القطع لسداد الديون.

السلطات اليونانية والبريطانية بدورهما خاضا صراعاً طويلاً لعودة ما يسمّى رخام إلجين نسبة إلى السفير إلجين (وهو جزء من الحلي المنقوشة لمعبد الأكروبوليس) وهو الخلاف الذي اشتد ثانية عندما جاء الممثل جورج كلوني ومات دامون وبيل موراي لدعم إعادة المنحوتات إلى موطنها الأصلي خلال ظهور لهم في لندن من أجل فيلم «رجال الآثار»؛ ما أشعل عاصفة في بريطانيا، أكدت أن اللورد إلجين حفظ الرخام من الدمار الذي طاله إلى حدّ ما.

الجدل مرشح لأن يبرز من جديد، في الوقت الذي يخطط المتحف البريطاني لمعرض الجسم البشري في النحت اليوناني الربيع المقبل، وذلك باستخدام بعض الرخام من معبد البارثينون.

لم يكن اليونانيون خجلين من ممارسة الضغط من أجل قضيتهم في استعادة التمثال. وقال رئيس متحف الأكروبوليس ديميتريس بانترماليس، ترميم التمثال «ليس جزءاً من حملة معيّنة لعودة قطع الرخام. التنظيف الجديد يظهر أن المتحف يمكن أن يدعم عودتها».

وأضاف بانترماليس «نحن نصر على حل» لرخام إلجين». «يجب أن تكون البلاد جاهزة عندما تدّعي أمراً، ومتحف الأكروبوليس قد أكمل ذلك الأمر».

وابتداء من العام 2011، ركّز فريق من ستة مرمّمين يونانيين على تمثال المرأة طوال الوقت، وإنشاء غرف لبنية كل تمثال حول المكان، ورسّم هيئته الخارجية قبل مهاجمة التلوث عباءة صنعت من خشب الأبنوس، بعدما أصبحت أثينا مدينة حديثة مليئة بعوادم السيارات، وأبخرة المصانع والأمطار الحمضية. على طول الطريق، وجد المرممون آثاراً لحريق هائل تم إشعاله بحسب النصوص في القرن الأول قبل الميلاد من قبل القائد الروماني سولا (لوسيوس كورنيليوس سولا، قائد عسكري ورجل دولة روماني، ومن أبرز القادة والسياسيين. ولد العام 138 قبل الميلاد، في روما، وتوفي العام 78 قبل الميلاد. شغل منصب القنصل مرتين، وأحيا الدكتاتورية. تم منحه تاج العشب وهو الأرفع والأندر في الشرف العسكري الروماني)، وأعمال إصلاح كتل من الرخام وصقلها بشكل غير متقن تمت محاولتها قبل قرون.

استغرق الأمر ستة إلى ثمانية أشهر لتحويل كل تمثال إلى هيئته الأصلية في عمل متواصل في الليل والنهار، مع أطقم من نوبات العمل لتجنب الإرهاق. وكانت كلفة الترميمات داخل البيت ضمن الحد الأدنى وبتمويل من دخْل التذاكر ومتجر المبيعات بالمتحف. بحسب ما قال المرمّم الذي يرأس أعمال الفريق، فاسيلياديس.

وقال السائح شون هوكر الذي سافر إلى الأكروبوليس مع زوجته وأصدقائه من ويلمنغتون بنورث كارولاينا: «بدا الأمر أشبه بإزالة وشم» «يمكنك أن تتخيّل ما بدا وكأنه في العالم القديم».

وقال فاسيلياديس، إن المتحف يخطط لتنظيف عدد من المنحوتات المعمارية الأخرى من الأكروبول، وذلك باستخدام تكنولوجيا الليزر، على رغم أنه امتنع عن إعطاء تفاصيل لأن المشروعات الجديدة لم يتم إعلانها بعد.

في ظل الامبراطورية العثمانية، تم تحويل معبد «Erechtheion» إلى ما يعرف بـ «الحريم»، وهو جناح النساء في قصر الحاكم العثماني، ونجا المعبد من الإهانة. بعد فترة وجيزة، وفي العام 1687، اخترق الرصاص التماثيل وتعرضت إلى التحطم عندما تم قصف معبد البارثينون خلال معركة بين الأتراك والبنادقة (نسبة إلى مدينة البندقية، أو فينيسيا).

يذكر، أن أكروبوليس أو أكروبول هي هضبة صخرية عالية وسط أثينا. مصطلح «أكروبوليس يأتي من صفة عالية وارتفاع. واسم بوليس، مدينة أو بلدة، وهذا يعني «المدينة العليا». وهو معبد يوناني قديم يقع في العاصمة اليونانية (أثينا) على قمة تل، يعد من أشهر المعابد اليونانية القديمة. واعتاد اليونانيون القدماء بناء أكروبوليس لكل مدينة ذات أهمية، وفي حالة الغزو الخارجي كان اليونانيون يتخذون الأكروبوليس قاعدة حصينة يقاومون منها القوات الغازية حتى النهاية. أضيف الموقع العام 1987 إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً