العدد 4327 - السبت 12 يوليو 2014م الموافق 14 رمضان 1435هـ

هل فعلاً ارتدّ أهل البحرين بعد وفاة النبي (ص)؟

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

يزعم البعض، استناداً لبعض الروايات التاريخية، أن أهل البحرين قد ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي (ص) وهم الذين أسلموا طوعاً دون إكراه بعد أن أرسل النبي (ص) إليهم العلاء بن الحضرمي في السنة السادسة أو الثامنة من الهجرة. ويفتخر أهل البحرين بإسلامهم من غير إكراه وبقبولهم الإسلام طوعاً واقتناعاً كما يفخرون بأنهم ثاني من أقام صلاة الجمعة في الإسلام بعد إقامتها في المدينة المنورة. هذا الفخر قد تعكره مزاعم ردّة أهل البحرين بعد وفاة النبي (ص). فهل فعلاً ارتد أهل البحرين بعد وفاة النبي (ص)؟

قبل الإجابة على هذا التساؤل يجدر التطرق إلى نقطتين بشكل مختصر. أولاً: إن حركة الردة التي وقعت بعد وفاة النبي (ص) يمكن اعتبارها كعنوان عريض تم استخدامه لوصف المرتدين بالإضافة لكل من كان له موقف مغاير لما حصل بعد وفاة النبي (ص). يذكر إبراهيم بيضون في كتابه «ملامح التيارات السياسية في القرن الأول الهجري» ثلاثة أسباب كانت وراء حركة الردة، وهي الاعتراض على نتائج سقيفة بني ساعدة، والامتناع عن دفع الزكاة لما تمثله من تبعية، بالإضافة إلى ادعاء النبوة. وعليه، ليس كل الحركات المعارضة كانت حركات ارتداد عن الإسلام كدين وعقيدة، وإنما كانت هناك أسباب ودوافع أخرى. ما يعني أن وصف الردة تم استخدامه أحياناً لوصف من لم يرتد عن الإسلام وذلك لتزامن تحركه واعتراضه مع تحرك من ارتد عن الإسلام فعلاً.

ثانياً: إن البحرين في تلك الفترة كانت تسكنها ثلاث قبائل هي عبد القيس وبكر بن وائل وتميم بن مرة، ولكن القبيلة الأكبر والأكثر شهرة ونفوذاً هي قبيلة عبد القيس التي اقترن اسمها بالبحرين. ومما يستدل به على ارتباط عبد القيس بالبحرين أكثر من غيرها من القبائل هو أن بعض الجغرافيين القدماء حين يتحدثون عن البحرين لا يذكرون من أهلها سوى عبد القيس. وكمثال على ذلك، يقول محمد بن عبد المنعم الحميري (ت 1495م/ 900 هـ) في كتابه «الروض المعطار في خبر الأقطار» في وصف البحرين «هي بلاد واسعة شرقيها ساحل البحر وجوفها متصل باليمامة وشمالها متصل بالبصرة وجنوبها متصل ببلاد عمان وقاعدتها هجر وأهلها عبد القيس».

بالاستناد إلى النقطتين السالفتين، يمكن طرح السؤال التالي: هل ارتدت قبيلة عبد القيس عن الإسلام؟ يذكر محمد بن جرير الطبري (ت 923م/ 310 هـ) في كتابه «تاريخ الأمم والملوك» أن عبد القيس ارتدت بعد وفاة النبي (ص) ولكنها رجعت للإسلام بعد أن خطب فيها زعيمها الجارود. يقول الطبري: «مات النبي (ص) فقالت عبد القيس: لو كان محمد نبياً لما مات، وارتدوا» وبعد أن خطب فيهم الجارود وذكرهم بأن أنبياء الله السابقين قد ماتوا كذلك وأن محمداً (ص) قد مات كما ماتوا «ثبتوا على إسلامهم». رواية الطبري هذه أخذ بها من جاء بعده من المؤرخين فتعددت الكتب التاريخية التي تذكر ردة عبد القيس إلا أن مصدرها الرئيسي واحد.

رغم أن الطبري يثبت بأن عبد القيس «ثبتوا على إسلامهم» إلا أنه يذكر «ارتدادهم» في بداية حديثه، أي أنهم ارتدوا ثم رجعوا، وهنا مركز النقاش الذي يمكن إيضاحه بعدة نقاط. أولاً: إن هذه الرواية التاريخية ضعيفة وذلك لأن أحد رواتها المذكورين في سلسلة سندها وهو سيف بن عمر غير ثقة وقد ضعفه علماء الرجال كالذهبي في كتابه «ميزان الاعتدال» وكذلك ابن حجر العسقلاني في كتابه «تهذيب التهذيب».

ثانياً: إن رواية الطبري هذه تتعارض مع ما يرويه محمد بن عمر الواقدي (ت 823م/ 207 هـ) في «كتاب الردة» والذي ينص على أن عبد القيس لم ترتد عن الإسلام. والجدير ذكره أن كتاب الواقدي أقدم من كتاب الطبري وهو بذلك أقرب للواقعة.

ثالثاً: تتعارض رواية الطبري أيضاً مع ما ذكره محمد ابن سعد (ت 845م/ 230 هـ) في كتابه «الطبقات الكبير» حول عدم ردة عبد القيس وكتابه أقدم من الطبري أيضاً. عند الحديث عن الصحابي أبان بن سعيد بن العاص، الذي كان والياً على البحرين في تلك الفترة، يذكر ابن سعد، بعد ذكره ارتداد العرب، أن «عبد القيس لم ترجع عن الإسلام». ومما يؤكد ذلك، أن أبان بن سعيد حين رجع إلى المدينة «لامه أبو بكر وقال: ألا ثبت مع قوم لم يرتدوا ولم يبدلوا؟ قال أبان: هم على ذلك ما أرغبهم في الإسلام وأحسن نياتهم، ولكن لا أعمل لأحد بعد رسول الله (ص)».

رابعاً: إن موقف عبد القيس يمكن وصفه بالذهول والصدمة وليس بالارتداد، حاله في ذلك حال بعض كبار الصحابة الذين كان وقع وفاة النبي (ص) عليهم كبيراً حسبما يذكر بعض المؤرخين. وعليه فإن رواية الطبري التاريخية، التي تذكر ارتداد عبد القيس ثم رجوعها، لا يمكن الاعتماد عليها، ما يعني عدم ارتداد عبد القيس أساساً كما يرى ذلك الواقدي وابن سعد.

من جهة أخرى، فإن الأمر الذي لا يمكن إنكاره هو أن البحرين شهدت بعض المعارك بعد وفاة النبي (ص)، فإذا كانت عبد القيس لم ترتد ولم تتمرد فما الذي جرى؟ هنا يوجد تفسيران: التفسير الأول يذهب إلى أن بعض أفراد قبيلة بكر بن وائل قد ارتدوا بالفعل عن الإسلام وقد ساهمت قبيلة عبد القيس وقبيلة بكر بن وائل نفسها في مواجهة هذه المجموعة كما يذكر ذلك الواقدي في كتابه «كتاب الردة».

التفسير الثاني يمكن ربطه بموقف أبان بن سعيد، والي البحرين، من نتائج السقيفة. يذكر عز الدين ابن الأثير (ت 1233م/ 630 هـ) في كتابه «أسد الغابة في معرفة الصحابة» «كان أبان أحد من تخلف عن بيعة أبي بكر لينظر ما يصنع بنو هاشم، فلما بايعوه بايع». من المحتمل إذاً أن يكون في البحرين من كان موقفه شبيهاً بموقف أبان، وبالتالي يكون الموقف اعتراضاً على نتائج السقيفة وليس ارتداداً عن الإسلام.

باختصار، يمكن القول أن قبيلة عبد القيس والتي تعتبر القبيلة الأكثر عدداً واتساعاً ونفوذاً في البحرين، بقيت على إسلامها ولم ترتد بعد وفاة النبي (ص). أما قبيلة بكر بن وائل فإن بعض أفرادها، وليس كلهم، ربما ارتدوا عن الإسلام وربما، أيضاً، كان موقفهم كموقف واليهم أبان بن سعيد المتحفظ على نتائج السقيفة. وعلى فرض ارتداد بعض أفراد بكر بن وائل فإن هذا لا يمس بمكانة عبد القيس التي ينتمي إليها معظم أهل البحرين. ومن يزعم ارتداد كل أهل البحرين لارتداد بعض الأفراد فيها، على فرض صحة ذلك، يكون كمن يتهم كل المسلمين بالإرهاب والتطرف والعنف لوجود بعض المتطرفين بينهم.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4327 - السبت 12 يوليو 2014م الموافق 14 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 8:31 ص

      أحسنت سيدنا ..

      مقال تاريخي رائع ويضع النقاط على الحروف .. بارك الله فيك أستاذي العزيز.

    • زائر 20 | 7:40 ص

      كلمة ..

      كل من يخالف الطغاة يكون مرتدا ف قاموسهم , من لم يوافق السقيفة الجائرة يكون مرتدا ..عجبا مالكم كيف تحكمون ... وجود السقيفه باطل لوجود الخليفة الشرعي من السماء امير المؤمنين علي بن ابي طالب الذي نصبه الله ورسوله ف حجة الوداع بغدير خم اولا واخيرا . الشهادة من القران والسنة الشريفة المطهرة , وان كان من يعارض السقيفه مرتدا ورافضيا فانا اولهم . خاتون

    • زائر 18 | 6:33 ص

      الموضوع معروف

      يعرفه الداني والقاصي أن أهل البحرين رفضوا إعطاء الزكاة والخراج وذلك لأنه كان منهم من حضر حجة الوداع وسمعوا النبي صلى الله عليه وآله يبايع الأمام علي عليه السلام خليفة من بعده فكيف يسلموا الأموال لغيره .

    • زائر 16 | 5:09 ص

      شكرا لك

      مجهود رائع

    • زائر 14 | 4:24 ص

      لأن منهم من حضر بيعة الغدير فكما حصل لقبيلة مالك ابن نويره

      بيعة الغدير هي قضية موثّقة بكتب التاريخ وباختصار ان النبي ص اخذ البيعة للامام علي ع لذلك تمنّع بعض المسلمين عن البيعة للخليفة ابي بكر مستنكرين انقلاب الخلافة ممن اخذ له رسول الله البيعة الى شخص آخر لم يعهدوه مستخلفا لرسول الله. ومسألة السقيفة لم تكن تصلح للتشريع لأن من بالسقيفة لم يكونوا الا عدة اشخاص لا يمكن ان يمثّلوا المسلمين مهما تكن المبررات. كيف يمكن لعدة اشخاص لا يتجاوزون العشرين ان يتحكّموا في مصير الامّة وبالذات في خلافة منصب النبوة إن لم يكن للسماء رأي في ذلك ؟

    • زائر 19 زائر 14 | 6:50 ص

      هذا هو التحليل الصحيح

      ولكن الكاتب إلتفّ عن التصريح بذلك خوفا من اتهامه بسب الصحابة.. مع أنه قد ذكر المصادر ولم يذكر السبب الرئيسي لامتناع اهل البحرين عن دفع الزكاة لغير الإمام علي (ع)

    • زائر 13 | 4:18 ص

      هل يعالج الارتداد بالسيف ام بارسال محاورين

      لة كان هناك ارتداد من الدين لعادوا للاوثان و لو كان هناك ارتداد لا تزال آثاره بقتال حتى الخليفة عمر اعترض على قتال من سموا بالمرتدين قائلت لابا بكر اتقاتل من يشهد ان لا اله الا الله فرد بحواب يثبت عدم الارتداد قائلا و الله لو منعوني عقال كانوا يعطونه رسول الله لقاتلتخم فليس من المعقول مطالبة المرتد بالزكاة

    • زائر 11 | 2:18 ص

      تسلم ياشيخ الكتاب

      مقال تاريخي كبير يحتاج اكثر من حلقه تمنياتي لكم بالتوفيق والسداد

    • زائر 10 | 2:02 ص

      ظهر الحق

      احسنت أخي الفاضل ... على هذا البحث الرائع

    • زائر 9 | 1:57 ص

      مراقب ...

      تفسير مغلوط لحقائق التاريخ وتم الاستشهاد بالشبهات من الكتب على أنها حقائق تاريخية على الرغم من أن الإجماع في أحاديث الصحابة الذين عاشوا الفترة وشهادات المؤرخين الكثيرة تدحض وتكذب هذا الإدعاء ولكن الأهم ان المقال أراد أن يروج لفكرة واحدة فقط وهي ( أن رفض خلافة أبي بكر رضي الله عنه من قبل قبائل الجزيرة كما أشار الكاتب طبعا هي التي دفعته ومن معه لأن يصف معارضية بالمرتدين ويحاربهم )
      ......................

    • زائر 15 زائر 9 | 4:28 ص

      وأزيدك من الشعر بيت

      السالفة كان فيها رفض دفع فلوس بعد.على أساس إنها ما تسلم إلا للحاكم الشرعي. آه منكم يا البحارنة طول عمركم روافض سؤال: من أول لقب بالروافض في التاريخ؟ جواب: أهل الكهف

    • زائر 17 زائر 9 | 5:35 ص

      اخ مراقب

      لماذا تتيقن من خطأ التحليل وصحة ما ورد في الكتب وهي ليست قرآن منزل .. رايك صواب يحتمل الخطأ ورأيك غيرك خطأ يحتمل الصواب إلا إذا كنت كما كان الماااضين بعد قرارات السقيغة اعتبروا كل مخالف ومعارض لهم فهو مرتد يعني في مصطلحنا الحالي اغتيال سياسي للمعارضه بتشويه سمعتها وتزييف الحقائق

    • زائر 22 زائر 9 | 7:53 ص

      لاب من الرد على هذا المقال و من الكتب الموثقه !!

      اوافق اخي المراقب في ما قاله(( أنه تفسير مغلوط لحقائق التاريخ وتم الاستشهاد بالشبهات من الكتب على أنها حقائق تاريخية على الرغم من أن الإجماع في أحاديث الصحابة الذين عاشوا الفترة وشهادات المؤرخين الكثيرة تدحض وتكذب هذا الإدعاء ولكن الأهم ان المقال أراد أن يروج لفكرة واحدة فقط وهي ( أن رفض خلافة أبي بكر رضي الله عنه من قبل قبائل الجزيرة كما أشار الكاتب طبعا هي التي دفعته ومن معه لأن يصف معارضية بالمرتدين ويحاربهم ) )) و هذا تعدي على مقام الصديق رضي الله عنه !

    • زائر 7 | 1:23 ص

      بارك الله فيك

      من يريد ان يشوه الحقيقة من اجل مشاريع اذا اريته الشمس في رابعة النهار يقول انها القمر كل هذه الحزازيات لانهم انتموا لمذهب اهل البيت لا شي غير ذللك.

    • زائر 6 | 1:13 ص

      اخي الكاتب الفاضل

      مقالاتك رائعة ومهمة ولكنها طويلة نوعا ما ودائما اقول في نفسي احتاج لمزيدا من الفراغ لاقراءها كلها بشكل متسلسل ومتواصل .. دمت موفقا

    • زائر 5 | 1:11 ص

      نعم اعتراضا وليس ا تدادا

      وهذا امر طبيعي حيث كان في المدينة المنورة نفسها من رفض بقرارات السقيفة وكان مصيره القتل او التشهير بارتداده وما شابه

    • زائر 4 | 12:45 ص

      أحسنت

      أحسنت

    • زائر 3 | 9:55 م

      حفظ الله خليجنا

      الحمد لله رب العالمين .. الله يحفظ بحريننا وخليجنا من كل سوء .. البحرين معروفه بجودها وكرمها حتى في ايام النبوة .. واذا نظرنا الى البحرين الكبرى نجد ان منها مناطق لا تزال لهجاتها متقاربة كالاحساء والبحرين الحالية وقطر وشيء من لهجة الكويت مسالة اخرى احب ان انوه بها حافظو على تاريخ علماء البحرين من تدليس المدلسين .. هناك طائفة بغيضة تعيش في البحرين تريد ان تدلس وتشوه تاريخ علماء البحرين .. كلكم تعرفون هالطائفة

    • زائر 8 زائر 3 | 1:25 ص

      اي لهجات اي خرابييط عمي

      الكاتب يقول لك شعب البحرين ما ارتدوا بل كانوا معترضين على قرارات السقيفه وفي حالة صدمة !!!

    • زائر 12 زائر 3 | 3:03 ص

      أكيد عرفناها

      اي عرفناها

اقرأ ايضاً