يعيش الشباب العربي حلم التغيير منذ مطلع العام 2011، إلا أن الكثير من المطبات والقلاقل أفرغت هذا الحلم من محتواه مما أصاب الجميع حيرة من الأمر، والسبب هو استمرار مقاومة كل من سيسمح لتغيير أن يغير من شيء في شكل الدولة والمجتمع.
ولعل موضوع التقسيم والفرقة في المجتمعات العربية، خاصة في الدول التي شهدت ثورات واحتجاجات الربيع قد تغلغلت داخل أوساط الشباب بعد محاولات لإسقاط حلم التغيير ومبادئ الربيع العربي التي خرج منها الشباب لأجلها في مقارنة واضحة بأوضاعهم مع الشباب في المجتمعات المتقدمة. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات تقريباً اصطدم المواطن العربي بواقع جعل من مجتمعات بلدان المنطقة العربية ضحية لهذه التقسيمات التي إما تكون طائفية أو عنصرية، التي استخدمت كأداة قوية وبأساليب متطورة من قبل الأنظمة الحالية في المنطقة لتفتيت المجتمعات لصالح استمرار ركائز الدولة الفاسدة والمنتهكة لحقوق الإنسان.
فما حدث من متغيرات سياسية مثلاً في دول أوروبا الشرقية وتحديداً في حقبة التسعينات من القرن الماضي هو نتيجة متوقعة لتلك السياسات القاهرة ضد الناس المتلهفة للخروج من قبضة الظلم إلى متنفس يطلق عنان الحرية. وهو نفس الأمر الذي حصل مع الربيع العربي لينطلق فيما بعد إلى مرحلة صحوة عربيّة، والآن إلى مرحلة انقسام مجتمعي بسبب الصراع بين التغيير ومقاومته وبين الديمقراطيّة والديكتاتوريّة وبين الإسلام والعلمانيّة وبين العرق والطائفة في ممارسات واضحة لإجهاض ما نادت به ثورات واحتجاجات مرحلة الربيع العربي.
وهناك الكثير من المؤلفات التي كتبت حول هذا الموضوع، منها «الديكتاتور يتعلم كيف ينحني في المعركة العالمية من أجل الديمقراطية» من تأليف رئيس تحرير مجلة «فورن أفيرز» الأميركية وليام دوبسون، فقد قطع دوبسون مسافة 93 ألف ميل في رحلات حول العالم قابل خلالها عشرات الأشخاص من أنصار النظم الحاكمة ومن المعارضة لكي يخرج بدراسة ميدانيّة على الطبيعة حول الوضع في الوقت الراهن بين الحكّام الديكتاتوريين وبين الشعوب المكافحة من أجل الديمقراطية.
ويقول المؤلف في كتابه الذي استعرضه موقع الأهرام الرقمي: «إننا نشهد لحظة فارقة في حرب بين الحكّام الديكتاتوريين وبين الديمقراطية التي تتمثل في موجات من الاحتجاجات وسقوط بعض الديكتاتوريين في المنطقة. وهناك من يتوقعون أن تكون انتفاضات الربيع العربي جزءاً من الموجة الرابعة للديمقراطية في العالم، وكانت الموجة الأولى لانتشار الديمقراطية قد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية في العام 1945 في دول العالم، والثانية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991 وسقوط الأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية، أمّا الموجة الثالثة فقد بدأت بزيادة عدد الدول، خاصّة في آسيا، التي طبّقت الديمقراطية بعد النجاح الاقتصادي الذي حققته».
وأضاف المؤلف «خلال الموجة الرابعة ومع زيادة الحركات الاحتجاجيّة تزايدت وتيرة تبادل المعلومات والتقنيات بين الحركات وبدأت تتعلم من بعضها كيفيّة استخدام الأساليب المختلفة للتغلب على أنظمة الحكم الديكتاتورية، وفي الوقت نفسه فإن الأنظمة الديكتاتورية الباقية في الحكم أخذت هي الأخرى تُطوّر من أساليب تعاملها مع شعوبها بطريقة مخادعة لكي تبقى في الحكم».
ويُعطي المؤلف أمثلة على ذلك بما حدث من وجهة نظره في روسيا وفنزويلا والصين، إذ دأب حكّام هذه الأنظمة على مغازلة شعوبهم باستخدام شعارات خادعة مثل الحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحكم القانون، في حين أنهم كانوا يحرصون على إجراء الانتخابات بطريقة يستخدمون فيها سلطات الحكم لضمان فوزهم في الانتخابات بدلاً من التزوير، وهو الأسلوب الذي عرفته كثير من دول أميركا اللاتينية وإفريقيا. ولو تمت مقارنة مع ما هو موجود في المنطقة العربية فإن الموجة الرابعة التي تحدث عنها دوبسون لمقاومة التغيير العربي وإخماده من قبل حركات الشارع قد يؤخرها وقد يؤسس التقسيمات لكن بصورة مؤقتة لن تلغي ما خرج إليه الناس في العام 2011، وقد تكون رومانيا خير مثال ذلك على ما حدث في عهد نيكولاي تشاوشيسكو.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4327 - السبت 12 يوليو 2014م الموافق 14 رمضان 1435هـ