استحدث «مهرجان ربيع الشهادة العالمي الثقافي» في نسخته العاشرة، مسابقة جديدة خاصة بالأفلام الوثائقية، ذات الارتباط بالمدينة التاريخية وتراثها وثورتها الخالدة.
شارك في المسابقة 57 فيلماً، من العراق ولبنان والسعودية وباكستان وإيران والأرجنتين وتركيا. وتم عرضها على لجنة تحكيم خاصة مكوّنة من بعض المخرجين والفنانين من مصر والعراق وإيران، واختير منها 20 فيلماً للعرض على الجمهور على ثلاث جلسات منفصلة.
في الجلسة الأولى تم عرض ستة أفلام، الأوّل قدمته جمعية أصدقاء القطيف بعنوان: «ذوي الاحتياجات الخاصة»، عن تعلّق هذه الفئة بممارسة الشعائر الدينية الحسينية. الفيلم الثاني «الحاج حسن» يروي قصةً رجلٍ حوّل ثلاثة أرباع معمله الخاص بصناعة الحلويات إلى «تكية» حسينية؛ والثالث بعنوان: «العطش الأخضر». الفيلم الرابع «أرض الفردوس»، عن تاريخ مدينة كربلاء وأبرز معالمها، والفيلم الخامس «بخشو» عن منشدٍ حسينيّ إيراني أمضى حياته في هذه الخدمة، والفيلم السادس «زوّاره»، وهي مدينة إيرانية نائية يحرص أهلها على إقامة شعائر العزاء.
شهدت جلسة الختام عرض سبعة أفلام، إضافةً إلى عرض شَرَفيّ لفيلم عن مرقد السيدة زينب (ع) وما تعرض له من تخريب مؤخراً. الأول «ألق المآذن» عن مشروع تذهيب مئذنتي مشهد العباس، والثاني «بعيد لكنّه قريب»، عن سيرة عائلة لبنانية مهاجرة قبل مئة عام للأرجنتين، وتمسكها بجذورها، بما فيها الزوجة الأرجنتينية الكاثوليكية التي أسلمت وارتبطت بمدرسة أهل البيت. والرابع «أقدام العاشقين»، تناول المسيرة المليونية لزوّار كربلاء في الأربعين.
أما درّة الأفلام فهو فيلم «أنا والحسين» الذي قدمته قناة «المنار»، ويروي حياة الكاتب التركي أحمد تورغورت، مؤلف مسلسل «وادي الذئاب»، الذي طلبت لجنة التحكيم حضوره المهرجان، وتم الاتصال به مساء الأربعاء ليحضر صباح الخميس (5/6/2014) من تركيا، ويشارك في الجلسة الأخيرة عصر اليوم نفسه.
وتعبيراً عن الإعجاب بالفيلم طُلب من تورغوت إلقاء كلمة، فتحدّث باختصار عن تعلّقه بقضية الحسين (ع)، وكيف تعلّم حبّه من آبائه. وتطرّق إلى روايته الشهيرة «شهيد العشق» التي تتناول شهادة الإمام الحسين، وعبّر عن سعادته الكبيرة لحضوره إلى كربلاء المقدسة.
نتائج الأفلام
كلمة لجنة التحكيم لمسابقة الفيلم الوثائقي الحسيني ألقاها الفنان المصري المعروف أحمد ماهر حيث قال: «جئناكم من أرض مصر ومن بلد يحبّ الرسول وأهل بيته (ع)، ومن مدينة القاهرة ومن حيّ الحسين (ع) إلى المدينة التي قُتل فيها أهلُ بيت الإمام الحسين وأصحابه، وفيها مُنع عنهم الماء وقُطعت فيها كفّا العباس (ع)».
ماهر الذي حظي بحفاوةٍ بالغةٍ من عدسات الفضائيات ومن الجمهور أينما ذهب، في الحرم أو الشارع أو الفندق، تحدّث بعشق عن «كربلاء مدينة الاستثناء، ففيها سبيت بنات النبوة، وامرأة أذلّت عروش الطغاة والظالمين ببلاغتها». ونادى بصوته الجهوري: «كربلاء يا مدينة العشق والبكاء، التي يتردّد في جنباتها صوت الذبيح يشقّ عنان السماء صارخاً بكبرياء، اذكروا ثأري العظيم ولتأخذوه من الطغاة، وبذلك تنتصر الحياة، فإذا رضيتم وسكتُّم على ذلّ سأظلّ أُقْتَل، وكلّما سَكَت الغيور وأغفى الصبور ورُغمت أنوف في المذلّة يظلّ يلعنكم -وإن طال المدى- جرح الشهيد لأنّكم لم تدركوا ثأر الشهيد».
وقد طالب ماهر بالمشاركة في عمل فنيّ مسرحيّ مشترك مع فنانين عراقيين يجسّد واقعة الطفّ الخالدة ويُقدّم في ساحة ما بين الحرمين الشريفين.
ثم أُعلن عن الأفلام الفائزة بالمسابقة، وتكريم لجنة التحكيم، حيث فاز فيلم «فرش ثار الله» بالمرتبة الأولى، لعلي رضا سجافي؛ وفيلم «گِل گيران» بالمرتبة الثانية لمحمود غفاري؛ وفيلم «نقل نخل» بالثالثة، لعلي محمد ناصر. وحصل فيلم «طريقة العشق» جائزة أفضل بحث توثيقي، وفيلم «أنا والحسين» جائزة أفضل فكرة، وفيلم «أقدام العاشقين» جائزة أفضل تصوير، وفيلم «بعيد ولكنّه قريب» من الأرجنتين لأفضل إنتاج، وحصد فيلم «ألق المآذن» جائزة أفضل مونتاج.
على هامش المهرجان
*كان واضحاً سيطرة الأفلام الإيرانية على المسابقة، كمّاً وكيفاً، حيث حصدت الكثير من الجوائز. وقدّم أكثرها رؤية حول التراث الشعبي الإيراني وارتباطه العميق بقضية كربلاء، مثل صناعة الطبول والصنجات والسلاسل.
كمشاهدٍ من أهل الدار، لم يكن ذلك هو الطموح المطلوب، بأن يقدّم فيلمٌ مثلاً، عن ما يجري من ممارسات لا تمثل الوجه المشرق لأعرق مذهب إسلامي، من قبيل تلطيخ الوجوه بالطين في احتفالات عاشوراء، بدءًا بجمع الطين من الصحراء وعجنه بالماء انتهاءً بتلطيخ وجوه وأجسام المعزين. العملية كلها بعيدة عن روح كربلاء أو الدعوات الإصلاحية التي قادها كبار علماء الدين المصلحين في العصر الحديث. أما لجنة التحكيم فكان لص ها معاييرها الفنية الخاصة، فمنحت الجوائز لعدد من هذه الأفلام الغارقة في توثيق التراث.
الفيلم العراقي، صاحب البيت، توزّع بين أفلام وثائقية عن المدينة المقدسة، وعن بعض شخصياتها كالرادود (المنشد) الراحل محمد حمزة، ونشير لما يحظى به الرادود في مجتمعه (الشيعي) من شعبية تشبه إلى حد كبير، مكانة كبار الفنانين، فضلاً عمّا يؤديه بعضهم من دور نضالي، كرمز شعبي يطرح قصائد الشعراء وما تتضمنه من مبادئ أو مواقف سياسية أو تحدٍ للظلم أو معارضة للأنظمة القمعية.
بحرينياً، كان هناك غياب عن هذه المهرجان لعدم توجيه الدعوة للفنانين البحرينيين، ربما لعدم معرفةٍ بالإنتاج في هذا المجال. وكان بالإمكان أن يكون للبحرين مشاركة لافتة في المهرجان، لوجود عدد كبير من الطاقات الشبابية العاملة بهذا الفن عموماً، وبالإنتاج الفني عن كربلاء على وجه الخصوص. حتى لو لم يفز الفيلم البحريني الحسيني، فيكفيه شرف المشاركة واكتساب الخبرة.
العدد 4326 - الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 13 رمضان 1435هـ