الأحداث كثيرة في شهر رمضان على مدى الأزمان، لكننا هنا أمام وثيقتين لهما علاقة بشهر رمضان في البحرين لسنوات مختلفة. الأولي دونت بتاريخ 10 شعبان للعام 1343 هـ، والأخرى في 13 فبراير/ شباط للعام 1963م. وللوثيقتين قراءة وتعليق.
الوثيقة الأولى عبارة عن إمساكية لشهر رمضان للعام 1343 والذي صادف ذلك العام دخوله يوم 26 مارس/ آذار للعام 1925، ولكنها مدونة بتاريخ 10 شعبان من العام الهجري نفسه، وكتب بها التالي من الأعلى إلى الأسفل:
«سنة 1343 هـ إمساكية شهر رمضان المعظم سنة 1925م
لجزيرة البحرين حيث 26 ج 73 ق شمال خط الاستواء والطول 1 ع 20 ق شرق نصف نهار الهرم الأعظم ويولد هلاله 11 ع 14 ق ليلة الأربعاء 30 من شهر شعبان المكرم ويمكث هلاله فوق الأفق 51 ق بعد غروب شمس يوم الأربعاء ليلة الخميس ويري نيراً جنياً جنوب غروب الشمس بقدر ذراع واحد بمنزلة الفرع المؤخر مستوياً هكذا ونوره ثلثاي وربع إصبع باعتبار قطره 12 إصبعاً... والله أعلم».
ثم يظهر في الوثيقة توزيع أيام الشهر الهجري في الإمساكية بتفصيل أيامها وحوادثها الفلكية كما نفعل اليوم. لكن الملاحظ أن تقويم وإمساكية شهر رمضان هذه يوجد بها خانات منفصلة لصلوات الفجر والظهر والعصر، إلا أن خانة صلاة المغرب الإفطار كُتب أمامها (عشاء) فقط، مع أن الإمساكية طُبعت في مطبعة الهداية الخليفية، وسيتضح الأمر إذا راجعنا الوثيقة بكاملها. بالإضافة إلى أن فترة السحور جدُ قصيرة، (59.07 - 59.09)، ولربما يقصد بها شرب الماء قبل الإمساك لأنها حوالي دقيقتين فقط، وهناك تعيين لمنازل القمر طوال شهر رمضان.
كما أن التقويم توقع أن يكون عيد رمضان للعام 1343 هـ هو يوم الجمعة 24 أبريل/ نيسان للعام 1925، ولكنه وضع ملاحظة مهمة في آخر التقويم تقول: «سيرى هلال رمضان ظاهراً نيراً لكثرة ارتفاعه ومكثه كما ذكرنا بخلاف هلال شوال فإن رؤيته وإن كانت ممكنه إلا أن فيها صعوبة جداً لكونه لا يمكث بعد الغروب أكثر من 18 قلقلة ارتفاعه فليتأمل».
كما كتبت في يسار الوثيقة هذه العبارة: «من (حساب أحمد بن علي بن موسي) طبعت بمطبعة الهداية الخليفية في 10 شعبان سنة 1343 هجرية». واتضح بعد البحث أن هذه الإمساكية هي لمدير دائرة المعارف سابقاً أحمد العمران. وللعلم فإن ذلك العام تكرر في التقويم وصف كوكب عطارد بالاحتراق، وللمصادفة كان ذلك هو عام الكارثة البحرية الكبرى في الخليج خلال موسم الغوص وخصوصاً على البحرين. فلم يعلم من صام ذاك العام وهو في الديرة أنه بعد دخوله الغوص ربما يعود أو لا يعود لأهله، فقد كان ذاك العام هو سنة «الطبعة» الكبرى، وما أدراك ما الطبعة ووقعها على أهل البحرين جميعاً.
أما الوثيقة الثانية التي صدرت في شهر رمضان وتحديداً في 19 رمضان للعام 1382 هـ، الموافق لتاريخ 13 فبراير العام 1963م. فهي عبارة عن برقية باجرة كاملة أرسلت عن طريق وزارة البريد والبرق والهاتف- قسم الحركة، بدولة الكويت، من المواطن محمد صالح الدلال بواسطة عبدالله أحمد العصفور وشركائه، وموقعة باسم محمد صالح، وموجهة إلى بغداد الثورة في ذالك العام. تقول البرقية:
«أخي الزعيم مدحت الحاج سرى الموقر
بواسطة المجلس الوطني لقيادة الثورة / بغداد
باسم أرواح شهدائنا الأبرار
نرفع إليكم تهانينا بنجاح ثورة شعبنا العظيم الذي سحق
الشعوبي الأوحد وطغمته... إن عودتكم إلى
خدمة الشعب تحت راية جيشنا الثائر
من أجل الوجدة والحرية والاشتراكية
قد أثلج صدورنا وفقكم الله وسدد خطاكم
محمد صالح الدلال بواسطة توريد
13/2/1963»
ويبدو أن محمد صالح، وهو يهنئ بقيام البعث وبعض القوميين بحركة 1963 في العراق في شهر رمضان، كان من عشاق القومية العربية في تلك الفترة باعتبارها هي التي خلصت الوطن العربي من قيد الاستعمار الغربي وخصوصاً بعد قيام ثورة 23 يوليو، ولذا يصف الدلال شعوره حين قيامها بما يلي: «في صباح يوم 23 يوليو/ تموز العام 1952 كنت عائداً من السوق في يدي بعض المواد التموينية، وكنت قريباً من البيت وإذا بالمذياع يذيع أخبار الثورة على النظام الملكي في القطر المصري. ولدى سماعي الخبر أصبت باضطراب شديد أفقدني توازني فكنت أضحك وأبكي وأصرخ لا شعورياً من شدة الفرح، إذ إن ركناً من أركان البغي والظلم والفساد في الوطن العربي قد انهار وسقط إلى الأبد».
ولكن لم يكن الدلال، ولا الشعب البحريني بالطبع، يتوقع أن تنقلب القومية في يد البعث العراقي إلى شعار للتحكم بالشعب وتصفية كل من يقول لا للحزب فيما بعد. وللعلم فإن مدحت الحاج سري كان من أبرز المتهمين بمحاولة اغتيال عبدالكريم قاسم في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1959، وقبل وصول حزب البعث لحكم العراق. وكان على رأس فرقة الاغتيال والمعد للعملية فؤاد الركابي ومن أهم أعضائها صدام حسين، الذي أصيب بطلق في يده من مسدس عبدالكريم قاسم نفسه حيث كان بلا حرس في تلك الواقعة. ويذكر التاريخ أن الرئيس قد عفا عن القتلة وأطلق سراحهم. ولكن عندما جاء صدام إلى الحكم لم يترك أحداً من هؤلاء الذين كانوا معه إلا عذبه وقتله. وكان أولهم رفيق دربه مدحت الحاج سري في محاولة اغتيال قاسم، فقد قام صدام باعتقاله وتصفيته بأن عذبه حتى مات في السجن، واعتقل فؤاد الركابي وقتله كذلك.
العدد 4326 - الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 13 رمضان 1435هـ
رحمك الله
رحمك الله يامحمد صالح الدلال واسكنك فسيح جناته
رحمك الله
رحمك الله يامحند صالح الدلال واسكنك فسيح جناته