العدد 4326 - الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 13 رمضان 1435هـ

البرهامة «شجرة إبراهيم الخليل»: بين الجغرافيا والمثيولوجيا

تناولنا في الحلقة السابقة جزءاً من قرى الساحل الشمالي الشرقي لجزيرة البحرين، ولاحظنا كيف تغيرت بعض المناطق ودمجت حدودها، إلا أنه في العقود الثلاثة الأخيرة شهدت المنطقة ذاتها تغيرات سريعة وجذرية، في المسميات وكذلك الحدود الجغرافية أيضاً، حيث تم ردم منطقة شاسعة من البحر الذي يقع في قبال تلك المنطقة، وأدى ذلك لظهور ضاحية جديدة عرفت باسم ضاحية السيف، بالإضافة إلى زيادة مساحات القرى التي كانت موجودة. أيضاً، حدث تغير على مستوى الأسماء، فغابت أسماء قرى وظهرت أخرى. حيث ظهر مسمى قرية الديه، ولا نعلم بالتحديد متى ظهر هذا الاسم حيث إنه لم يذكره لوريمر في دليله، وربما كانت التسمية موجودة سابقاً لكن بمساحة أقل، ومع الترسيم الجديد لحدود القرى ظهر الاسم بصورة رسمية.

ومن المسميات التي اختفت أيضاً اسم الجبلة والبجوية، وظهرت مكانها مسميات أخرى هي السويفية والبرهامة، وذلك في سلسة غريبة من الأحداث المتتالية والتي ترسم لنا نموذجاً واضحاً للتغير في أسماء المناطق ونقل الأسماء من مناطق لمناطق أخرى، وهو نموذج جدير أن يدرس بالتفصيل هنا.

الجبلة هي الأصل

لقد سبق الحديث عن هذه القرية في الحلقة السابقة، وذكرنا أن لوريمر ذكرها في دليله. وقرية الجبلة كمنطقة جغرافية تغير اسمها أكثر من مرة، فقد كانت تسمى الجبلة، ثم أتبعت بقرية مني، فأصبحت تعرف باسم «جبلة مني»، وبسبب شجرة قديمة فيها أستبدل الاسم فسميت «جبل البرهامة» ثم اختصر الاسم فقيل «البرهامة»، ثم جاء إعادة ترسيم الحدود للقرى بسبب رصف الشوارع، فانتقل مسمى البرهامة لمنطقة جغرافية أخرى، وأصبحت منطقة الجبلة الآن موزعة بين منطقتين هما البرهامة الجديدة ومنطقة أخرى تسمى «السويفية». هذا التغير في الأسماء للمناطق الجغرافية يخلق لغطاً في أسباب التسمية، فالبرهامة جاء اسمها من شجرة كانت فيها، والآن موقع الشجرة الأصلي في منطقة هي «السويفية»، والبرهامة في موقع آخر. فكيف حدث هذا اللغط؟.

من الجبلة إلى البرهامة

قرية الجبلة وتسمى أيضاً «جبلة مني» وقد كانت ضمن الحدود القديمة لقرية مني التي أدخلت ضمن حدود السنابس الشرقية. إلا أن جزءاً من «جبلة مني» بقي خارج حدود السنابس الجديدة، بل إن الجهات الرسمية المسئولة أبدلت اسم القرية من جبلة مني إلى اسم جبلة البرهامة. وأول ظهور رسمي لاسم «جبلة البرهامة» ظهر على خارطة البحرين الرسمية في العام 1968 (Al-Nabi 2012, p. 29).

ومع رصف الشوارع الجديدة وتقسيم المجمعات السكنية داخل القرى، حدث ترسيم جديد لحدود القرى، وظهرت مسميات جديدة واختفت مسميات أخرى كانت موجودة. فيما يخص منطقة جبلة البرهامة التي زادت مسحتها بسبب ردم البحر، فقد أدخلت ضمن حدود قرية أخرى بالقرب منها هي «البجوية»، وعمم على المنطقتين اسم «البرهامة». بهذه الصورة فقد اسما البجوية وجبلة مني وحل محلهما اسم «البرهامة». والأمر لم يستقر على ذلك، بل تم استقطاع مساحة كبيرة من الجزء الشمالي للبرهامة الجديدة وتسميته باسم آخر وهو «السويفية». يذكر أن السويفية كانت قرية صغيرة تقع ما بين الجبلة والنعيم.

وبذلك أصبحت قرية الجبلة القديمة التي بها شجرة البرهامة مقسمة بين منطقتي السويفية والبرهامة الجديدة. بينما مسمى البرهامة أصبح يشمل الجزء الجنوبي من قرية الجبلة القديمة، وقرية البجوية القديمة.

النتيجة أن اسم الجبلة اختفى وحل محله اسم السويفية، واسم البجوية اختفى وحل محله اسم البرهامة. ومسمى السويفية انتقل من منطقة لمنطقة أخرى. أما شجرة البرهامة، والتي موقعها الآن لا يعرف والمرجح أنها أصبحت ضمن حدود السويفية (وليس البرهامة)، فهي شجرة قديمة ومسماها قديم ومرتبطة بمعتقد قديم، والمرجح أن اسمها اشتق من اسم نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام.

البرهامة شجرة إبراهيم الخليل

لا نعلم منذ متى بدأ الإنسان يقدس النباتات ربما منذ اللحظة الأولى التي تعرف فيها الإنسان على النباتات؛ حيث إننا لا نكاد نجد ثقافة لا تقدس شجرة معينة. لقد توغلت ثقافة تقديس الأشجار في عدد كبير من الثقافات التي تمثل عدداً كبيراً من الديانات كاليهودية والمسيحية والإسلام بالإضافة للديانات غير السماوية أيضاً، وذلك التقديس ليس حصرياً على نوع معين من الأشجار بل أنواع مختلفة منها؛ وبذلك نستنتج أن أعداداً أو أنواعاً غير قليلة من الأشجار قد اقتحمت الحياة الاجتماعية للإنسان وفرضت لنفسها الكثير من الطقوس الدينية والمعتقدات إلى حد التقديس أحياناً (Dafni 2006).

وقد يتم ربط شجرة ما باسم ولي أو نبي، على سبيل المثال في مدينة الخليل توجد شجرة بلوط ضخمة نسبت لنبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، وتسمى «بلوطة إبراهيم» وهي تعتبر مباركة ويأتي لها الناس والسياح ويتباركون بها. وشبيه بذلك ما يوجد في جنوب العراق، وبالتحديد في منطقة القرنة، حيث توجد شجرة نبق (سدرة) ضخمة وقديمة جداً ربطت أيضاً بالنبي إبراهيم عليه السلام، هذه الشجرة تقع حالياً وسط متنزه شيد في العام 2006 ليكون مرفقاً سياحياً بارزاً، وقد كتب أسفل هذه الشجرة: «بعد ما صلّى النبي إبراهيم عليه السلام في هذه البقعة العام 2000 قبل الميلاد، قال ستنبت في هذه البقعة شجرة كشجرة آدم في جنة عدن».

ويسمي السكان المحليون من أهل القرنة هذه الشجرة بعدة أسماء منها «شجرة البرهام» و «شجرة إبراهيم الخليل» (حيدر الجزائري 2014 – موقع المربد). وينذر الناس لهذه الشجرة أيضاً «فتراهم يشدون الخرق حولها، ويطلون بالحناء البناية المحيطة بها أملاً في أن تقضى حاجاتهم، قد أصبحت مزاراً لبعض السواح الأجانب الذين يهيلهم وقع الأسطورة وهيئة الشجرة المهيب فيتبركون بها، زاعمين أنها شجرة معرفة الخير والشر في أساطير الرافدين القديمة، فإذا مر أحدهم بها وقف إلى جانها هنيهة وشرب ما تيسر من المرطبات وانصرف (مجلة ميزوبوتاميا العدد الخامس).

إن النموذج الموجود في جنوب العراق مطابق تماماً للمشهد الموجود في الجبلة قديماً وبالمسمى نفسه أيضاً؛ حيث كانت توجد في قرية الجبلة، شجرة نبق (سدرة) قديمة وكبيرة جداً تسمى «شجرة البرهامة»، هذه الشجرة ذكرها الناصري في كتابة «موسوعة الأمثال في الخليج العربي» حيث جاء فيه: «شجرة البرهامة في قرية جبلة مني». وذكر الناصري أيضاً أن الناس ينذرون لهذه الشجرة (الناصري، بدون تاريخ، ص 162)؛ حيث كان الأهالي من القرية وخارجها يعتقدون بقدسيتها حيث يأتون إليها من مختلف مناطق البحرين شيعة وسنة لأداء النذور حيث يعتقدون بقدسيتها وأن النذور عند هذه الشجرة ستحقق لهم أمانيهم، وأنها مباركة، وقد قطعت هذه الشجرة من قبل أعيان القرية اعتقاداً منهم ببطلان قدسيتها (سيف 2004، ص 70).

ليس من قبيل الصدفة أن تتشابه مسميات الشجرة ونوعها أيضاً بين البحرين وجنوب العراق، ما يرجح أن النموذج ذاته الموجود في جنوب العراق وبالمسمى نفسه أي «شجرة البرهام» انتقل إلى البحرين بمسمى «شجرة البرهامة» إلا أننا نجهل متى وكيف. ومازالت هناك العديد من خفايا القرى نحاول أن نكشف عنها في فصول لاحقة.

العدد 4326 - الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 13 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:33 ص

      تصحيح موقع شجرة البرهامة

      شجرة البرهامة الان في منطقة البرهامة وهي مكانها عند ماتم البرهامة للرجال وقتلعت في التسعينيات او نهاية الثمانينات من القرن الماضي وبني مكانها شقق للمأتم

اقرأ ايضاً