العدد 4326 - الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 13 رمضان 1435هـ

تطوير سياسة المناخ في بلدان الخليج

البيئة والتنمية - ماري لومي 

11 يوليو 2014

أكد التقرير الأخير للهيئة الحكومية لتغير المناخ (IPCC) أن ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة مستمر على رغم الجهود العالمية لكبحها، وأن حرق الوقود الأحفوري هو المحرك الرئيسي لهذا الارتفاع. وخلص التقرير إلى أن البقاء دون درجتين مئويتين يتطلب تغييرات جوهرية في التكنولوجيا والمؤسسات وأنماط الاستثمار، وكلما تأخر العمل أصبحت هذه التغييرات أصعب وأكثر كلفة.

المقلق أنه إذا كان على الدول أن تفي بتعهداتها الحالية المتعلقة بتخفيض الانبعاثات، فسوف نواجه احتراراً عالمياً يزيد على ثلاث درجات مئوية. ويتفاءل البعض بالتوصل في مؤتمر باريس أواخر سنة 2015 إلى اتفاقية مناخية جديدة تتضمن التزامات إضافية من الدول المتقدمة والنامية.

المفاوضات الدولية، بموجب الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، تؤدي دوراً أساسياً في لفت الانتباه الى الطبيعة الجماعية للمشكلة، ما يساعد في بناء الثقة بين الدول ويبقي التركيز على الهدف العالمي. وللأسف، فإن غالبية الدول، بما فيها دول كثيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تجادل في هذه المنتديات فيما يجب أن يفعله الآخرون بدلاً من أن تبحث فيما يمكنها هي أن تفعل.

لكن، في الوقت ذاته، حصل تحول ملحوظ في نمط التفكير في مجلس التعاون الخليجي. فغالبية دول المنطقة تستكشف الآن، بفعالية، الفرص والفوائد التي توفرها الطاقة المنخفضة الكربون وكفاءة الطاقة ومرونة التكيف مع تغير المناخ لدعم أهدافها التنموية الأوسع.

إمكانات تخفيض الانبعاثات

وفق بعض التقديرات، فإن موازنة الكربون العالمية المتبقية تعادل أقل من نصف احتياطات الوقود الأحفوري المثبتة القابلة للاستخلاص اقتصادياً، ويمكن أن تخدم بالمعدلات الحالية فترة لا تتعدى ثلاثة عقود.

وفي حين أن البقاء ضمن موازنة الكربون يقتضي تغييرات بنيوية جوهرية في جميع بلدان العالم تقريباً، فإن هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر بالنسبة الى دول مجلس التعاون الخليجي. فنظراً لاعتمادها الكبير على عائدات صادرات النفط، فإن المستقبل القريب لهذه الدول مرهون بقدرة حكوماتها على سن سياسات واتخاذ إجراءات صارمة تضمن المرونة الاقتصادية والازدهار وسط هذا التحول البنيوي العالمي الكبير.

على رغم الاختلافات الواضحة، كما في الدخل الفردي أو ثروة الغاز الطبيعي، تتشابه دول مجلس التعاون الخليجي في كثير من الظروف الوطنية وأوجه القوة والضعف فيما يتعلق بالتخفيف من آثار تغير المناخ. وفي هذا السياق، فإن التنوع الاقتصادي والحفاظ على الرفاه هما الأولويتان التنمويتان الرئيسيتان للجميع. وبالنظر الى تشابه مستويات انبعاثات غازات الدفيئة في الدول الست الأعضاء في المجلس، وهي السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعُمان، فإن المجالات والإجراءات التي تتيح تحقيق إجراء تخفيضي سريع هي متشابهة أيضاً.

يبقى نطاق كبير لتخفيض «الانبعاثات الهاربة» في معظم الدول، ومن شأن التحول الى الغاز الطبيعي في قطاع الكهرباء أن يحقق تخفيضات مهمة، حيث مازال النفط يحرق لهذا الغرض. كما أن التحسينات في الكفاءة وإدارة الطلب يمكن أن تؤدي دوراً مهماً، غالباً بكلفة «سلبية». وفي حين تسفر إصلاحات تسعير الكهرباء والمياه عن تخفيضات كبرى، يجب أن تترافق مع رفع مستوى الوعي. وتحمل تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه إمكانية تمديد خدمة الوقود الأحفوري بعد حل المسائل المتعلقة بالكلفة.

كانت الإمارات وقطر والسعودية من الدول الأكثر استباقية في المنطقة. ويظهر تحليل لنشاطاتها أنه، على رغم غياب إجراءات تخفيض الانبعاثات على المستوى الاقتصادي الشامل، فهناك مجموعة متنوعة ومتنامية من نشاطات المشاريع القطاعية والخطط المتوسطة المدى التي تسعى إما الى التصدي للانبعاثات بشكل مباشر وإما إلى تخفيض الانبعاثات كفائدة مشتركة. وانطلاقاً من هيمنة إمدادات الكهرباء على محفظة الانبعاثات في دول مجلس التعاون، يتم اتخاذ إجراءات متعددة في هذا القطاع، بما في ذلك برامج كفاءة الطاقة ومبادرات الطاقة الشمسية. وفي الوقت ذاته، بدأ الاهتمام يتجه إلى الأبنية وقطاعات الاستعمال النهائي الأخرى، متجسداً في قوانين البناء الأخضر وتوسيع شبكات النقل العام وتنفيذ خطط مستدامة لتنظيم المدن.

ويعتبر بروز وتوسع السياسات والإجراءات في الدول الخليجية الثلاث تطوراً مرحباً به، لكن انعدام التنسيق بين المشاريع التي تنفذها جهات ومنظمات مختلفة مازال أحياناً كثيرة يعوق تعزيز الجهود. ومازالت الأنظمة المحلية لتسعير الطاقة تميل بقوة لصالح المسارات الكثيفة الاستهلاك للطاقة والمعتمدة على الوقود الأحفوري. ومازال التعاون الإقليمي ضعيفاً.

الأمر السار هو أن الأهداف الرئيسية لسياسة المناخ، أي تخفيض الانبعاثات والتكيف مع الآثار المترتبة على تغير المناخ، تتماشى في الواقع مع المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية، والرؤى والاستراتيجيات التنموية، والكثير من الأهداف التنموية الأخرى في دول مجلس التعاون، بما في ذلك التنوع الاقتصادي، واستدامة الموارد الطبيعية، وبناء الاقتصاد القائم على المعرفة، والسعي إلى نمو أخضر.

لكن لكي تكون سياسات التخفيض فعالة وواسعة التأثير، لا يكفي أن تكون منسجمة فقط مع المحركات الاقتصادية الاجتماعية الرئيسية والأولويات التنموية، بل يجب إدخالها في جميع الخطط التنموية وتنفيذها من خلال أهداف وسياسات وأنظمة وبرامج ومشاريع. إن استراتيجية تنموية منخفضة الانبعاثات ومرنة في التكيف مناخياً هي أداة ممكنة للتعبير بوضوح عن «الرؤى» الوطنية للتخفيض. ويستلزم إتقانها عملية متعددة الخطوات، تشتمل على تخطيط تتولاه جهات معنية متعددة، وتقييم للأوضاع، وتحليل للخيارات الاستراتيجية، وتحديد أولويات العمل، وأخيراً إعداد خريطة طريق لتنفيذ الاستراتيجية ومراقبة مسارها.

أين خطط دول «مجلس التعاون»؟

تحضيراً لاتفاقية دولية جديدة بشأن المناخ، طُلب من جميع الدول أن تقدم مساهماتها الوطنية بحلول مارس/ آذار 2015. وإضافة إلى ذلك، يتوقع المجتمع الدولي من دول مجلس التعاون الخليجي، كما من جميع الدول الأخرى، روحاً تفاوضية بناءة توفق بين المواقف المتباعدة وتركز على مصلحة الجميع بدلاً من توجيه اللوم إلى الآخرين. وبالنسبة الى المساهمات الوطنية في تخفيض الانبعاثات، سبق لدول المجلس أن أشارت الى رغبتها في رسم خططها وإجراءاتها بما يتماشى مع التنوع الاقتصادي. لكن حتى الآن لم تصدر أي بلاغات من هذا النوع، ولم يُعرف بعد ما إذا كانت هذه الدول راغبة في المساهمة بإجراءات تخفيضية جديدة وطموحة في اتفاقية مناخية لما بعد سنة 2020.

ونظراً إلى الكمية القليلة نسبياً لانبعاثات غازات الدفيئة الإجمالية في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن العبء الرئيسي لتخفيضات الانبعاثات المطلقة لن يقع على أكتافها. ومع ذلك، فإن المصلحة الوطنية، والحاجة الى البقاء والازدهار في عالم يتخلى عن الكربون، سبب قوي آخر لاتخاذ إجراء تخفيضي وتكيفي عاجل. والمشاركة في هذه الاجراءات والخطط على المستوى الدولي سوف توفر إشارات مهمة للاستثمارات الأجنبية والوطنية، ويمكن أن تسهل الحصول على التمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات دعماً للتنفيذ.

الدافع الاقتصادي الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي نحو انتهاج مسار اقتصادي منخفض الانبعاثات هو واضح جداً. فنظراً لإلزامية بقاء الارتفاع في معدل الحرارة العالمية ضمن حدود درجتين مئويتين، فإن العالم يتغير، وعلى مصدري النفط أن يتغيروا معه، وسيكون التنفيذ الكامل للخطط والمشاريع الوطنية القائمة لتخفيض الانبعاثات بداية جيدة. وهناك إشارة واعدة، هي المشاركة الفعالة بشكل متزايد للدول الثلاث ـ السعودية والإمارات وقطر ـ في الآليات الدولية ومبادرات التعاون وبناء القدرات، والاستثمارات الأجنبية في مشاريع الطاقة النظيفة، والاستثمار في أبحاث وتطوير تكنولوجيات الطاقة المستدامة.

والأمل أن تكون الخطط والمشاريع الحالية نقطة انطلاق لإجراءات وتعهدات أكثر طموحاً في المستقبل.

العدد 4326 - الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 13 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً