العدد 4326 - الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 13 رمضان 1435هـ

«أيام أول»: جولة الدمستاني في ذاكرة القرية

في المعرض الذي أقامه الفنان موسى الدمستاني بعنوان «أيام أول» في مجمع السيف مساء يوم الأربعاء الماضي (9 يوليو/ تموز 2014)، والذي قص شريط افتتاحه والد الفنان نفسه، تأخذك مجموعة الأعمال الفنية التي اصطفت في ردهة السوق إلى عمق الذاكرة الشعبية في داخل القرية، بين نخيلها وأسواقها وأنهارها وعيونها، ألعاب أطفالها، وحِرَفِ أهلها، وكأنك أمام شريط من الذكريات التي تتمنى أن لا تنتهي.

هذا هو المعرض الخامس عشر لعضو جميعة الفنون التشكيلية الفنان موسى الدمستاني، والذي تمتلئ لوحاته ولعاً بالذاكرة الشعبية للقرية وما بها من أشياء تكاد تنسى وتتلاشى حتى من الذاكرة، ولهذا تمعن ريشة الفنان في حفظ هذه الذاكرة الجماعية ما أمكن بلوحات تجسد تلك الأجواء والطقوس الجميلة في نبرة من الحنين ومحاولة الإمساك بالزمن.

ما يلفت نظرك في معرض «أيام أول» هو هذا الشغف المستمر والولع بالذاكرة، فلا تجد فناناً من الرسامين إلا وكانت مثل هذه المناظر مجسدة لديه بشكل أو آخر، بما يحيلك إلى أن ثمة ولعاً بالذاكرة يشف عن محاولة الإمساك بهذه الصور الجميلة التي كنا في يوم من الأيام بين أفيائها وفي غمارها، وقد غادرتنا الآن بفعل المدنية وتداعي مباني الأسمنت على الطبيعة وعلى إنسانها، ولذلك لم يبقَ من فسحة للذات سوى العودة إلى تلك الأماكن المخبوءة في الذاكرة واستدعائها والعيش بين أفيائها ولو للحظات عابرة.

أطياف عابرة

ولعل هذا ما جسده الدمستاني في معرض «أيام أول» حيث بات بريشته متنقلاً بين مجموعة من هذه المناظر التي لم يبقَ منها سوى أطياف عابرة، وملامح متلاشية أشبه بنبضات سريعة جداً، كتلك الضربات السريعة التي يرميها الفنان على اللوحة فتترك هذا الأثر السريع، وهو ما تجده في اللوحات التي تجسد الأحياء والأزقة الضيقة يمر من بينها الناس في تنقلهم داخل القرية من بيت لآخر، أو ما تجده في اللوحات التي تجسد السوق وحركتها السريعة وقد بدا ذلك في الضربات اللونية السريعة والجريئة في نفس الوقت بما يجسد حركة العبور السريع بين المحال التجارية وما تخلفه الألوان من أثر كأطياف عابرة لم يتبقَ منها سوى هذه الذكريات السريعة.

التمازج بالطبيعة

في مجموعة لوحات المعرض ما يحيلك على حالة من الأنسنة حيث التمازج بين الإنسان والطبيعة، ولعل هذا جزء آخر من الإجابة عن سر هذا الولع بالقديم «أيام أول» حيث كان الإنسان يصنع أشياءه بنفسه ومن هنا يراها تنتمي إليه وينتمي إليها، فتكون بصمته جلية واضحة بين عينيه، فترى الذات أنها تنتمي لهذه الأماكن أكثر من غيرها وتراها مولعة حد تجسيدها في أعمال فنية مختلفة من فنان لآخر.

رجال ونساء

تأخذك اللوحات إلى عالمين تصنعهما المخيلة الفنية عن ذلك الزمن القروي الجميل، عالم الرجال وعالم النساء. هذان العالمان يشكلان حراك الإنسان في تلك الأيام البسيطة في أدواتها وعلاقاتها، فتجد لوحات تجسّد المرأة في أنشطتها اليومية المختلفة. فثمة مجموعة من النسوة وهن يغسلن الثياب بشكل جماعي أشبه بطقس يومي حيث يذهبن للنهر بين خضرة النخيل والزروع المكتثفة للقيام بهذه المهمة، وتجد لوحة أخرى تجسد المرأة هي تحلب البقرة، أو تطهو الطعام بين القدور وبجانبها ابنتها الصغير. وفي مقابل ذلك تجد مجتمع الرجال الذي جسده الفنان في لوحات أخرى بما يعكس أجواء العمل في السفينة حيث تماهت ألوان الرجال بلون السفينة البني الخشبي، أو العمل في الحقل بما يعكس صورة الفلاح في مناشط مختلفة مرة وهو يغسل الثمار في النهر، أو يحملها على رأسه، أو يحملها على الحمار، متجولاً بين الأحياء وأزقة القرية، أو يحمل غليونه ويستنشق نفساً عميقاً نافضاً عنه غبار التعب.

مرح طفولي

وفي لوحات أخرى يجسد الفنان الدمستاني تلك اللحظات الجميلة للأطفال وهم يمرحون ويلعبون فيما بينهم، وذلك بالألوان المائية الشفافة التي تنقلنا إلى شفافية وتلقائية مرح الأطفال في «السكك» والأحياء فمرة تراه وقد التقط لحظة عابرة لمجموعة من الفتيات الصغيرات وهن يلعبن الألعاب الخاصة بهن بملابسهن التراثية الجميلة، في مقابل مجموعة أخرى من الفتيان وهن يلعبن مع بعضهن ويمرحن، ولا ينسى كذلك أن يجسد هذا الفرح الطفولي بالمناسبات التراثية التي تمتلئ بها العادات والتقاليد في الخليج مثل «الناصفة أو ليلة القرقاعون» حيث رسم مجموعة من الأطفال متجمعين بأكياسهم الممتلئة وأيديهم الصغيرة على باب بيت تطل منه مرأة تحمل بين يدها الفول السوداني والحلويات لتوزعه عليهم.

العدد 4326 - الجمعة 11 يوليو 2014م الموافق 13 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً