قال وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق إن نجاح الدولة الإسلامية في العراق وسوريا عزز تفكير المتشددين بلبنان وأكد أن هذه الجماعة السنية المتشددة ظهرت في بيروت لأول مرة في الأسابيع الأخيرة لكن الأجهزة الأمنية أحبطت أي تصور لتكرار ما حدث في العراق في لبنان.
ولم يستبعد المشنوق حصول تفجيرات انتحارية جديدة في البلاد. وأشار في مقابلة مع وكالة رويترز في مكتبه ببيروت إلى أنه لن تكون هناك نهاية سريعة لحالة عدم الاستقرار السياسي التي تعصف بالبلاد متوقعا أن يبقى لبنان بلا رئيس ما لا يقل عن ستة أشهر.
وأوضح المشنوق أن مسألة انتخاب الرئيس ليست مسألة لبنانية بحتة مما يدل على عدم اتفاق وشيك بين الدول المتنافسة مثل إيران والمملكة العربية السعودية اللتين تتمتعان بتأثير حاسم في بيروت.
ومنذ فترة طويلة تفاقمت الانقسامات السياسية بين الجماعات اللبنانية المتناحرة بسبب الحرب الأهلية في سوريا التي غذت التشنجات والنزاع المسلح في الشمال وأدت إلى تعطيل الحكومة نحو عام وإلى هجمات لمتطرفين إسلاميين.
وفي حين لا يزال السياسيون اللبنانيون منقسمون حول العديد من القضايا فإن التهديد الذي يشكله المتشددون السنة ولد تعاونا غير مسبوق بين الأجهزة الأمنية مما يؤكد القلق المشترك إزاء خطر الانتحاريين.
ورأى المشنوق أن هذا التنسيق لم تشهده البلاد منذ عام 90 مشيرا إلى أن العمليات الاستباقية للأجهزة الأمنية "أثبتت نجاحا جديا. حيث استطاعت تعطيل ثلاث عمليات قبل حصولها بهدفها بالذات."
وقال "لا بد من الاعتراف بأن ما حدث في العراق تسبب بنشوة كبيرة عند هذه المجموعات واعتقدوا أنهم يستطيعون الاستفادة من التجربة العراقية الناجحة من وجهة نظرهم في لبنان... ولكن حتى الآن خلال الشهرين الأخيرين من الواضح أن اليقظة الأمنية استطاعت تعطيل هذا التصور وهذا التفكير."
وأضاف "هذا الخطر دائما موجود ولكن البيئة الحاضنة غير موجودة. والغالبية العظمى حتى لا اقول مئة بالمئة من السنة في لبنان الذين هم البيئة المذهبية لداعش ولكل هذه التنظيمات هي بيئة مصرة على اعتدالها وتوازنها ومدنيتها."
وقال إن الأجهزة الأمنية فككت شبكة تابعة للدولة الاسلامية في العراق والشام والتي سيطرت على أجزاء كبيرة في سوريا والعراق كانت تحضر لعمليات انتحارية وتم اعتقال أفراد منها ومنهم سعوديون وفرنسيون في ثلاثة أماكن مختلفة في البلاد.
وقال "أعتقد أنه أول ظهور رسمي وموثق" لكنه أضاف أن وجود هذه المجموعة في البلاد كأفراد فقط.
وكان لبنان قد وجه الاتهام في وقت سابق من هذا الاسبوع إلى 28 شخصا بالتخطيط لتنفيذ هجمات انتحارية والانتماء إلى جماعة الدولة الإسلامية المتشددة.
وجاء هذا الإجراء بعد ثلاثة تفجيرات وقعت في لبنان في أواخر الشهر الماضي وحملة أمنية شملت العاصمة ومناطق أخرى في البلاد بما في ذلك السعودي الذي فجر نفسه عندما حاولت القوى الامنية اقتحام فندق ببيروت.
وأشار إلى أن ما تنشره وسائل الإعلام المحلية اللبنانية من أن القوى الأمنية تبحث عن سيارات مفخخة وانتحاريين "ممكن أن تكون صحيحة جزئيا وقد تكون صحيحة كلها لا يمكن أن نؤكد قبل الوصول إلى المصدر إما لموقع السيارات أو للاشخاص المعنيين بهذا الوضع."
أضاف "هذاالكلام موجود من عدة مصادر استخبارية عربية وأجنبية ونتيجة أيضا للتحقيقات الجدية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية...هذا الخبر يبقى احتمالا جديا وليس بالضرورة أن يكون واقعيا مئة بالمئة."
وقال إن الانتحاريين "عمليا لا يعرفون بعد إلى أين هم ذاهبون بالضبط لأن معظم العمليات تتم بإبلاغ لاحق للعناصر عن الأهداف التي سيذهبون إليها. أولا يأتون ويقيمون ويستطلعون وبعد ذلك تأتيهم التعليمات بنوعية الهدف."
وقد أعلنت الدولة الاسلامية في العراق والشام الخلافة الاسلامية في محاولة لإعادة رسم حدود الشرق الاوسط.
ونفذ اسلاميون متشددون العديد من الهجمات على لبنان منذ العام الماضي وغالبا ما استهدفت هذه الهجمات مناطق يسيطر عليها حزب الله الشيعي الذي يدعم قوات الرئيس بشار الاسد في الحرب في سوريا.
وقال المشنوق "طبعا أولوية التفجير التقليدية هي منطقة الضاحية الجنوبية هذا تقليدي وليس بالضرورة أن يكون صحيحا مئة بالمئة ولكن بعقلهم دائما يضعون في بالهم أنهم متوجهين إلى مواقع يفترضون أنه متواجد فيها حزب الله كجمهور أو كقيادات أو حتى كنفوذ سياسي."
أضاف "النظرية التي تقول إن العمليات العسكرية لحزب الله في سوريا تستطيع ان توقف العمليات الانتحارية هي نظرية غير صحيحة وغير دقيقة لان الانتحاريين أو التكفريين أو التنظيمات التي تمارس هذه العمليات إذا خسرت موقعا تبحث عن موقع آخر وإذا خسرت الموقع الاخر تبحث عن موقع ثالث مما يعني أن عملياتهم ليست مرتبطة بموقع جغرافي موجودين فيه."
ومضى يقول "أعتقد أن خطورة التفجيرات لا تزال قائمة وهي مستمرة طالما هذا العقل موجود. الحل الوحيد هو ما نقوم به حاليا من تجفيف للمصادر بمعنى متابعة المواقع التي من الممكن ان يتحركون فيها والتدقيق بالجنسيات أو بالأشخاص الوافدين عبر المطار أو عبر الحدود البرية. هذا عمل دائم ومستمر لا يتوقف. لا يمكن الاعتماد بأن هذه العملية هي آخر عملية."
وأشار إلى تبادل معلومات مع جهات غربية وعربية حيث يشارك محققون سعوديون بالاستماع إلى التحقيق مع السعوديين الموجودين بلبنان. كما أن الفرنسيين اطلعوا على نتائج التحقيق مع الموقوف الفرنسي من أصل جزر القمر.
والمشنوق هو من مواليد بيروت عام 1955 وهو سياسي مسلم سني وعضو في تيار المستقبل برئاسة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الملياردير الأكثر نفوذا بين طائفته والذي يحظى بدعم من المملكة العربية السعودية.
وفور توليه منصبه في فبراير شباط الماضي برز اسمه بعدما نفذ خطة أمنية أوقفت الاشتباكات المسلحة في مدينة طرابلس الساحلية التي استمرت على مدى سنوات الازمة السورية وأدت إلى مقتل المئات.
وجاء تشكيل الحكومة بعد اتفاق المملكة العربية السعودية وايران -الراعي الرئيس لحزب الله- على ضرورة تجنيب لبنان المزيد من الاضطرابات السياسية.
لكن هذا الوضع لم ينسحب على موضوع الاتفاق على رئيس للبلاد وهو منصب مسيحي ماروني وفقا لنظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان. وكان هذا المنصب قد أصبح شاغرا منذ مغادرة قائد الجيش السابق ميشال سليمان القصر الرئاسي في مايو أيار الماضي بعد انتهاء مدة ولايته.
وقال وزير الداخلية "انتخابات رئاسة الجمهورية هي قرار إقليمي ودور غير متوفر حتى الآن ولن يكون متوفرا في المدى القريب. هي ليست مسألة محلية على الاطلاق."
وأضاف "مرتبط بكل التطورات التي تجري في المنطقة وضع العراق بالمفاوضات الأمريكية الإيرانية باحتمال المفاوضات السعودية الإيرانية بالكثير من الأشياء.
"هذه المسألة بحاجة إلى قرار دولي عناصره غير متوفرة الآن."
ورغم أن المشنوق أوضح أنه لا يتوقع أن تطول مدة الفراغ إلى سنة فقد قال إنها ستمتد "ليس أقل من ستة أشهر."
وتبرز الحاجة إلى اتفاق سياسي في ظل سيطرة الفصائل اللبنانية المتنافسة على مقاعد البرلمان مما يجعل مسألة تأمين النصاب القانوني للتصويت أمرا مستحيلا.
وقال "لا شك أن الفراغ في رئاسة الجمهورية عمليا يعطل عمل الحكومة ومجلس النواب بنسبة كبيرة ولكن الرد من وجهة نظري هو المزيد من التأكيد على ضرورة عمل مجلس الوزراء ومجلس النواب لكي لا نفقد الجمهورية. عدم العمل لا يعجل بانتخاب الرئيس بالعكس تماما يعجل بفراغ المؤسسات ولا يأتينا برئيس. فالأفضل أن تشتغل أكثر وأكثر حتى هذا الفراغ الذي في رئاسة الجمهورية لا يمتد إلى المؤسسات الأخرى."
وقد ينسحب موضوع عرقلة الانتخابات الرئاسية إلى عدم القدرة على إجراء الانتخابات البرلمانية التي تم تأخيرها الصيف الماضي إلى نوفمبر تشرين الثاني المقبل بسبب غياب الحكومة آنذاك وعدم الاتفاق على قانون للانتخابات.
ويتساءل المراقبون السياسيون كيف يمكن لبلد إجراء انتخابات برلمانية في ظل الغاء معظم الإفطارات الرمضانية خشية وقوع انفجارات.
وقال المشنوق "أعتقد أنه تقنيا من الممكن إجراء الانتخابات. سياسيا صعب. لكن هي ليست مسألة تقنية فقط هي مسألة سياسية وتقنية أيضا."