العدد 4324 - الأربعاء 09 يوليو 2014م الموافق 11 رمضان 1435هـ

بروتوكولات «الانحناء».. السجود لغير الله مذلّة

السفير تقي البحارنة يروي سيرته في سلسلة «حينما كنت سفيراً»...

تقديم أوراق الاعتماد لنائب رئيس الجمهورية حسين الشافعي
تقديم أوراق الاعتماد لنائب رئيس الجمهورية حسين الشافعي

توقفنا في الحلقة السابقة إلى وصول الأديب تقي البحارنة إلى القاهرة في شهر رمضان المبارك سفيرًا... وللتذكير بما جاء في الحلقة السابقة نقرأ منها هذه الفقرة على لسان البحارنة: «في يوم من أيام الشهر الفضيل، وأنا في الفندق... جاءني هاتف ومن ورائه السيدة حرم المرحوم أحمد آل صفر وهي والدة الدكتورة سهيلة آل صفر تدرس طب الأسنان... حيتني تلك الأم العطوفة وباركت لي بشهر الصيام قائلةً: «أنا صديقة لوالدتك وعلمت أنك تفطر في الفندق وأحب أن أدعوك لتناول وجبة الإفطار معنا»، ورافقتني الدكتورة سهيلة إلى منزل والدتها وخلت أنني في منزل عائلتي في البحرين.

وتذكرت، بهذه المناسبة، ضرورة الإعداد للاحتفال بالعيد الوطني الأول للبحرين على أجمل وجه، وذكرت للدكتورة سهيلة حاجتي لتطوع طالبات البحرين للمشاركة بالأزياء البحرينية التقليدية وما يتبعها من حليّ..، فوعدتني بذلك، كما وعدتني أيضا الدكتورة أمل الزياني (وهي أول دبلوماسية بحرينية تخصصًا وممارسةً وتأليفًا على ما أعتقد) وكل منهما وفى بوعده على أكمل وجه.

السفير الذي أفـرح وأبكى

السفير سـامي الـدروبـي أديب وناقد ومترجم ودبلوماسي، قـرأت له بعض ترجماته لكتب مشاهير الأدباء الروس مثل دستوفيسكي وتولسـتوي وغيرهما، جاء إلى مصر سفيرا للجمهورية العربية السورية بعد انفصال الوحدة بينهما، وحضر لتقديم أوراق اعتماده إلى الرئيس جمال عبد الناصر في العام 1967، وتضمـّن خطابه البلـيغ أمام الرئيس عبارات عاطفية في رثاء الوحدة بين القطرين والتأسف للانفصال الذي حدث... ثم بكى طويلا ودموعه تخالط حبر الكلمات... فتأثر الرئيس جمال عبدالناصر وشاركه البكاء... وبكى من كان حاضرا مع الرئيس، مثل علي صبري، ومحمود رياض، وصلاح الشاهد والفريق سعد الدين الشاذلي. وقيل آنئذٍ إنه لم يسبق في تاريخ الدبلوماسية أن يبكي رئيس للجمهورية ويبكي من معه وهو يتقبل أوراق اعتماد أحد السفراء.

والعجيب أنني قرأت أن زوجة السفير سامي الدروبي ذكرت في مذكراتها أنها أيضاً أبكت بابا الفاتيكان حين جاءت مع زوجها إلى أيطاليا - بعد مغادرة مصر - لتقديم أوراق اعتماد زوجها إلى بابا الفاتيكان ... فقد طلبت من قداسة البابا أن يصلي من أجل أهل فلسطين المشردين وانهمرت دموعها بغزارة حتى بكى قداسة البابا لمصابهم.

هذا السفير الفاضل المحترم جاء لمقابلتي في غرفتي في فندق الشيراتون على انفراد . فأفـرحني بقدر ما أبكى الآخرين... قـال انه يعرفني من قبل، ولعله كان يشير إلى حضوري في مؤتمر الكتاب الإفريقي الآسيوي في بيروت في شهر (يناير/ كانون الثاني 1970)، وأنه سمع عن قدومي لإنشاء سفارة للبحرين... وعنده هدية لي وللسفارة.

وذكر أنه سوف يغادر القاهرة خلال أيام قليلة لانتهاء مهمته، وسيقدم اوراق اعتماده في مدريد، وهناك موظفان في السفارة السورية لم يحظيا بالرعاية الكافية، على رغم أنهما في ذروة النشاط، ويمتلكان قدرة وتجربة ممتازة، وقد قررا الاستقالة من السفارة، ثم أضاف، فرأيت أن تستفيد منهما سفارة البحرين؛ لأنني أحبك وأحب البحرين «فشكرته شكراً جزيلاً وودعته وداعاً جميلاً.

وهكذا أصبح كل من السيد يوسف الشيخ علي وهو من أصل فلسطيني، والسيدة «عندليب» وهي من صميم حي الحسين في القاهرة، ركنين أساسيين في بناء الهيكل الاداري والمالي لسفارة البحرين. فقد تسلم يوسف الشيخ بجدارة مهمة التشريفات والعلاقات العامة والتوظيف المحلي وشئون المراسم والصرف المالي واستقبال الزائرين والقادمين في قاعات كبار الزوار في المطار وتسلم الحقيبة الدبلوماسية وإرسالها... إلى غير ذلك، وتسلمت السيدة عندليب طباعة الرسائل والترجمة بمساعدة سكرتيرة السفير زينب موسى... لكل دوائر وأقسام السفارة... وكنت أعجب لقدرتها على إنجاز مهماتها بسرعة وإتقان.

تقديم أوراق الاعتماد

تـعين موعـد مقابلة نائب الرئيس المصري حسين الشافعي لتقديم أوراق اعتمادي سفيراً للبحرين في يوم (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1971)، وكان الرئيس أنور السادات قد قرر البقاء في قصر القبة في الأسكندرية وكلف نائبه حسين الشافعي استقبال السفراء الجدد... لكنه عاد إلى مقره في القاهرة بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973... وسمعت من يقول إنه كان ينتظر تحرير سيناء والضفة الشرقية من قناة السويس لكي يعود... ثم زارني في فندق الشيراتون عاصم كاشف من ديوان رئاسة الجمهورية قبل يوم من الموعد ليخبرني أنه سيكون مرافقي إلى قصر عابدين، لتقديم أوراق الأعتماد، وأنه جاء ليشرح لي بعض قواعد المراسم (البروتوكول)، فهو سيرافقـني في سيارة ديوان الرئاسة التي ستحمل علم دولة البحرين وعلم جمهورية مصر العربية. وسيارة اخرى لأعضاء السفارة، كل من إبراهيم علي إبراهيم ومصطفى كمال... مع كوكبة من راكبي الدراجات النارية. و سيتم استعراض حرس الشرف، وعزف السلامين البحريني والمصري، وتبادل التحية مع رئيس الحرس الجمهوري، والاستراحة في قاعة الانتظار. ثم الدخول إلى قاعة الاستقبال وتكون التحية لنائب الرئيس من بعيد بانحناءة من الرأس بلا مصافحة، ثم القاء الخطاب أمام النائب من مسافة لا تقل عن عشرين قدماً، ثم مصافحة النائب وتسليم خطاب الاعتماد اليه، وسيقوم بتقديم من يحضر معه، ثم تقوم بتقديم من يحضر معك... وسيرافقك نائب الرئيس إلى غرفة الاستقبال الخاصة لوحدك لتقديم الشاي وتبادل الحديث لمدة لا تزيد على ربع ساعة تستأذن بعدها للانصراف... شكرت حضرة المرافق على أن يكون الموعد صباح يوم الغد.

لم تستوقفني كثيراً تلك التفاصيل التي ذكرها الا موضوع الانحناءة عند إلقاء السلام ومقدارها... وحمدت الله أنه لم يذكر لها مقداراً... فقد سمعت عن (بروتوكولات) عند بعض الملوك التي تتطلب انحناءة كاملة لغاية الركوع وأحيانا لغاية السجود... وسمعت عن شاهنشاه إيران مثل ذلك. والسجود لغير الله مـذلة... كما ورد في المأثورات.

النائب حسين الشافعي... وأطراف الأحاديث

دخلت على النائب حسين الشافعي مع زملائي وسلَّمت من بعيد مع انحناءة بسيطة ووقفت أمامه عند المسافة المطلوبة، وألقيت كلمة مناسبة كنت أعددتُّها لهذا الموقف، أبلغته فيها تحيات صاحب السمو الأمير، وتحيات شعب البحرين، وعن دور مصر في ترسيخ دعائم الوحدة العربية ونصرة الشعب الفلسطيني، وأن البحرين أميراً وحكومة وشعباً تقف بجانب شقيقتها الكبرى مصر في سعيها إلى محو آثار العدوان الإسرائيلي وتحرير الأرض العربية المغتصبة... إلى آخر ما تقتضيه تلك المناسبة من كلمات الأخوة وتوطيد العلاقات.

ثم تقدمت لمصافحته وإلقاء السلام وسلمت اليه خطاب صاحب السمو أمير البحرين... ثم قدم لي مرافقيه كلاًّ من كبير الياوران صلاح الشاهد، ونائب كبير الياوران اللواء سعد الدين شريف، كما قدمت إليه زملائي كلاًّ من ابراهيم علي ابراهيم ( سكرتير أول ) ومصطفى كمال (السكرتير الثاني)، بعد ذلك سار معي النائب حسين الشافعي إلى غرفة الجلوس الخاصة وأجلسني إلى يمينه، وبدأنا بتبادل التحايا، وسأل عن أحوالي، وعن توافر راحتنا في القاهرة. وأبلغته بدوري تحيات سمو أمير البحرين الخالصة لرئيس الجمهورية وشعب مصر الشقيق... ثم فتح الخطاب وقرأه وأبدى تقديره البالغ لخطاب سمو الأمير وترحيب الشعب المصري بأمير البحرين وشعبها، متمنياً للسفارة النجاح في تقوية أواصر المحبة وتوثيق عرى التعاون بين البلدين الشقيقين... ثم انتقل للسؤال عني شخصيّاً، وعن عائلتي فشكرته على الاهتمام. بعد ذلك بدأ يسألني عما أعرفه عن الأثار الإسلامية في مصر... عن الأزهر الشريف، ومتاحف التراث الإسلامي، والجوامع الإسلامية التاريخية، وعن تراث القاهرة الإسلامي بشكل عام.

البعثات الدينية من البحرين

وجدت سيادة النائب حسين الشافعي ممن تبدو على وجهه سيماء المؤمنين، وكنت على علم سابق بالتوجه الإسلامي لديـه. وقد زرت القاهرة مرارا من قبل، وتجولت في الاسكندرية وانحاء مصر، وزرت معظم المعالم الاسلامية والتاريخية التي ذكرها، كما قرأت عن تاريخها الكثير منذ فجر التاريخ إلى العصر الفاطمي والعصر الحاضر، بل اضفت إلى ذلك بعض المعلومات عن البعثات الدينية من البحرين إلى الأزهر الشريف منذ اوائل القرن العشرين... وتأثر البحرين بالدعوات الإسلامية في مصر ولاسيما من قبل الأفغاني ومحمد عبده ... وانتشار الصحف الدينية كـ «المنار» وتأثيرها على الشباب الناهض في البحرين منذ مطلع القرن العشرين... بالأضافة إلى توافر الصحف والمجلات والكتب المصرية على امتداد القرن.

وذكرت له عن البعثات المصرية التعليمية منذ ثلاثينات القرن الماضي وبعثات طلاب البحرين إلى مصر منذ اوائل الأربعـينات، وأن اول خبير زراعي جاء البحرين كان من مصر بالإضافة إلى القضاة والخبراء والمستشارين القانونيين,.. إلى آخر ما وسعتني الذاكرة... وهو يصغي باهتمام وقد انفتح قلبه لسماع كل ذلك... بينما شعرت أنا بمرور الوقت فاستأذنت بالانصراف لكنه اشار الي بالجلوس لمواصلة الحديث، وأن لديه استفسارا خاصا يريد أن يسألني عنه الجواب.

السـؤال والجواب

ذكر لي أنه شارك شخصيا في حضور احتفالات شاه ايران في العام 1970 بمرور ألفي عام على الامبراطورية الفارسية منذ تأسيس مدينة (برسيبوليس) في أنحاء شيراز... وحضر معـه أيضاً حشد من ملوك ورؤساء الدول... وكان يوم جمعة ولم يدعَ إلى أقامة صلاة الجمعة... وإيران بلد مسلم... فما هو السبب يا ترى؟

قلت له يبدو لي إن هذا الموضوع يجيب عليه العلماء في إيران وأنا لست عالماً ولا فقيهاً... لكني سأدلي بدلوي على قدر معرفـتي المحدودة. وأعتقد أن في القاهرة ممثلاً للمرجعية الشيعية من النجف الأشرف يمكن التأكد منه فيما أقول:

أن علماء المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري، من الفئة الأصولية (وربما بـعض الأخبارية ايضاً) يشترطون لإقامة صلاة الجماعة عموما وصلاة الجمعة خصوصاً، أن تكون الصلاة خلف امام جماعة تتوافر فيه صفات العدالة الشرعية.

وإن خطبة صلاة الجمعة بمثابة عـوض عن ركعتين من الصلاة... لا يجوز فيها الدعاء لسلاطين الجور والظلم... كما يجب في الخطبة ما يجب عند الوقوف بين يدي الله تعإلى من نصح المسلمين، وإرشادهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دون مراعاة لسلطة أو سلطان. وكل تلك الشروط لم تكن متوافرة في عهد الشاه الذي يعتبره القسم الأعظم من المتدينين المعارضين في ايران سلطاناً جائراً، ومع ذلك فاعتقادي شخصيا أن صلاة الجمعة كانت تقام في عهد الشاه وخصوصا في الحوزات العلمية والمدن المقدسة التي لا تجرؤ السلطات على التعرض لها، أما عن شاه ايران فلو كان مهتما باقامة الصلاة ذلك اليوم، لأمر بإقامتها اذ لا شيء يمنعه من ذلك، وأئمة الجوامع المقربون من الحكم موجودون في ايران وغيرها من دول العالم الأسلامي... أنصت سيادة نائب الرئيس لقولي باهتمام ولم يعلق عليه... ثم شكرني قائلا سأطلب من الديوان تزويدكم ببعض المؤلفات عن معالم مصر الإسلامية... وشكرته بدوري وأذن لي بالانصراف.

ثم رافقني عاصم الكاشف إلى الفندق وقال لي: لقد التزمت بكل أصول البروتوكول ما عدا انك أطلت الجلوس مع النائب لما يقارب ساعة واحدة...وذلك امر نادر الحدوث... فلما أخبرته عن السبب زال عنده العتب .

العدد 4324 - الأربعاء 09 يوليو 2014م الموافق 11 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:53 ص

      ارض البحرين ولادة

      هذه الأسرة الهاشمية تجمعت فيها خصال عديدة ومنها التواضع الأخلاق والعلم فهي من الاسر البحرينية المخلصة لهذه الارض الطيبة فقد أسهمت هذه الاسرة في نهضة البحرين على مدى عقود الحمدلله ارض البحرين ولادة

    • زائر 1 | 10:51 ص

      ارض البحرين ولادة

      هذه الأسرة الهاشمية تجمعت فيها خصال عديدة ومنها التواضع الأخلاق والعلم فهي من الاسر البحرينية المخلصة لهذه الارض الطيبة فقد أسهمت هذه الاسرة في نهضة البحرين على مدى عقود الحمدلله ارض البحرين ولادة

اقرأ ايضاً