العدد 4323 - الثلثاء 08 يوليو 2014م الموافق 10 رمضان 1435هـ

«حميد آل نوح»... كتاب يضيء عصامية وإنسانية «أبي سعيد»

بعض السيرة كتبها محبّوه...

السيَر التي تُكتب كثيرة. السيَر التي يعايش الناس تفاصيلها، ويتلمّسون الدقيق من مواقفها قليلة. وأجمل تلك السيَر تلك التي يكتبها الناس في قلوبهم، بما عاينوا واختبروا. تلك سيَر لن يعبث في كتابتها أحد.

مرَّ عامان، إلا قليلاً، على رحيل رائد من روّاد التجارة والأعمال الإنسانية والخيرية في مملكة البحرين، ففي الثالث والعشرين من (سبتمبر/ أيلول 2012)، فقدت البلاد المرحوم صاحب الأعمال البارزة الحاج حميد عبدعلي آل نوح. كان رحيلاً فاجعاً لكثيرين. كان الراحل إنساناً بامتياز، قبل أن يكون بحرينيّاً بامتياز. تمتدّ علاقاته الإنسانية متجاوزة وعابرة للطوائف والنعرات. تشهد له علاقاته ونشاطاته التي يعرفها الناس، وتلك التي جعلها تجارة بينه وبين الله، ولا يعلمها كثيرون.

في شهر رمضان المبارك، الذي نعيش أجواءه، ستفتقد المجالس حضوره الخاص، وابتسامته التي لم تفارقه وعُرف بها. ستفتقده المؤسسات التي كان فاعلاً وناشطاً فيها. ستفتقد حنوّه أُسَرٌ أيضاً كان نِعْمَ الظهير لها.

هو من بين كبار أصحاب الأعمال والبِرّ في مملكة البحرين، ولهم في ذاكرتها حضور لا يَبْلى. هو من الشخصيات التي ولدت في الزمن الصعب. زمن التأسيس، وزمن وضع اللبنات لمشاريع أسهمت وتسهم فيما تحقق من قفزات طالت القطاعات الاقتصادية فامتدّ أثرها ليشمل البحرين عموماً.

«noa interactive»، وكجزء من تثبيت ملامح من سيرة وعطاء «أبي سعيد»، أصدرت كتاباً احتوى محطات ومشواراً امتد لعقود مذ بدأ العمل مع والده مؤسس الشركة المرحوم الحاج عبدعلي آل نوح في العام 1965، وحتى الوداع الأخير في العام 2012.

في سيرة الأب الذي ولد في العام 1919، كواحد من العصاميين الذين بدأوا العمل في وقت ندرت فيه الفرص، وكغيره ممن تركوا مقاعد الدراسة مبكراً، ملتحقاً بعدد من الأعمال أولها الغوص مع إخوته، إلى تعلّم النجارة في منطقة النعيم، والالتحاق بشركة بابكو في مهنة النجارة التي امتاز بها، وتدرّجه في الوظائف إلى أن أصبح مشرفاً على العمل في المصفاة، بعد أن تمكّن من اللغة الانجليزية وقراءة الخرائط، لتأخذه أسباب الرزق إلى المملكة العربية السعودية ملتحقاً بشركة أرامكو، متسلّماً مسئولية الإشراف على النجّارين في الشركة. ويقود طموح الأب إلى البحث عن الفرص هذه المرة إلى العراق والعمل مع الجيش البريطاني، والدخول في تجربة بناء المساكن؛ حيث نال هناك رتبة ملازم. بعد التنقل ذاك يعود الأب في العام 1952 ليطلق مشروعه الأول في تجارة مواد البناء، لتمر السنوات وقد أسّس ووضع لبنات عدد من المؤسسات حتى ما قبل رحيله.

تظاهرات العام 1965 ووداع الدراسة

قبل تأسيس الشركة بسبع سنوات رزق الحاج عبدعلي عيسى آل نوح بابنه الثاني في الترتيب، حميد وذلك في العام 1945. وفي الثانية عشرة من عمره بدأ الحاج حميد تعلّم أصول المهنة من والده فترة العطلة الصيفية بإغلاق المدارس أبوابها، وفي تلك السن المبكّرة كان يقوم مقام والده في المحل حين يكون مسافراً لمتابعة شئون تجارته؛ إلا أن العمل الرسمي بدأ في العام 1965، وكان العام الذي شهد اندلاع التظاهرات والإضراب في أحداث العام نفسه، فاضطر إلى ترك الدراسة والتفرّغ للعمل مع والده في الشركة، ملازماً إياه حتى وفاته في العام 2001.

يتطرّق الكتاب إلى مراحل من حياة المرحوم حميد آل نوح، بدءاً من زواجه في العام 1968، حيث أنجب ولداً وبنتاً (سعيد وفتحية). كان تأثير الوالد عليه كبيراً لا من حيث تعلّمه أصول مهنة التجارة فحسب، بل اكتسابه أخلاق وصفات كان الرعيل الأول من التجّار يعرفون بها، وكانت بمثابة رأس المال الذي يبدؤون به تجارتهم. واستمد من والده وضمن البيئة التي نشأ فيها حبّه والتزامه بالأعمال الخيرية والمساهمة في الأعمال الاجتماعية، ودعمه المشاريع الخاصة بالشباب للبدء بمشروعاتهم الخاصة.

تاجر مواد البناء الكبير، الذي يشار إليه بالبنان، حرص أول ما حرص على بناء إنسان بلده، لمعرفته ويقينه بأن إحكام بناء الإنسان سيقوده إلى إحكام بناء الأوطان. كان يركّز على تنمية ما يثري البشر.

عقود من مشوار النجاح كانت محطات لقاءات جمعته بدوريات وصحف، وكانت «الوسط» أولاها التي سلّطت الأضواء على نشاطه التجاري، ودوره الاجتماعي الفاعل؛ إذ نشرت الصحيفة في العدد (275)، وتحديداً في (8 يونيو/ حزيران 2003)، أول لقاءاتها معه. كان ذلك بعد عام تقريباً من تدشين مشروع الصحيفة، تناول اللقاء محطات من حياته، وإضاءة لمشواره في العمل الاقتصادي طوال تلك العقود. كان لا يمل من تكرار إرجاع نجاحه إلى والده، متذكّرا مرحلة التأسيس الأولى التي كانت محاطة بالصعوبات والسفر إلى بلاد الله سعياً وراء الرزق والبحث عن سعَته.

يستذكر المرحوم حميد آل نوح بداية علاقة والده في التجارة، حين بدأ شراء الخشب من المرحوم عبدالرحمن المؤيد، وكان من كبار التجّار في هذا المجال، ووجد منه والمجموعة التي تعمل معه تشجيعاً كبيراً.

في اللقاء نفسه، لا يمر مرور الكرام على تأكيد أنه تعلم من والده أن العمل الحقيقي يعني الخروج من المكتب والتعامل مع كل متطلبات العمل، كحال العمّال، لفهم طبيعة ما يجري؛ ما ساعده على وضع حلول للمشكلات التي واجهته.

كان آل نوح على ارتباط بمجالس الذكر، وخصوصاً مجالس أهل البيت، مشاركاً ومتفاعلاً وداعماً، وكان عمَدَاً من أعمدتها، وخصوصاً في منطقة النعيم. ومن أبرز المشروعات الخيرية والاجتماعية التي كان أحد مؤسسيها حملة التبرع بالدم، حيث ترأس حملة الإمام الحسين بين العامين 1999 و2004، وهي الأولى بين الحملات على مستوى مملكة البحرين منذ تأسيسها، ورفدت بنك الدم باحتياطات جعلت البحرين الدولة الخليجية الأولى التي لا تحتاج إلى شراء الدم من الخارج.

تأسيس الأعمال ... العضويات

يتطرّق الكتاب إلى المؤسسات والشركات التي قام بتدشينها وإدارتها، فمنها على سبيل المثال: المدير الإداري لشركة آل نوح للمنتوجات الخشبية، المؤسس والمدير الإداري لشركة سوبرفود، المؤسس والمدير الإداري لمصنع آل نوح لقطع وثنيْ الحديد، المؤسس والمدير الإداري لشركة آل نوح للديكورات الداخلية، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة حميد آل نوح للمقاولات، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مخبز الدسمة، أحد مؤسسي والمدير الإداري للشركة الأندلسية للديكور، أحد مؤسسي والمدير الإداري لشركة السفينة للمقاولات، أحد مؤسسي والمدير الإداري لشركة «Concepts Technofun Co»، أحد الأعضاء المؤسسين لدار «الوسط» للنشر والتوزيع، وغيرها من العضويات في عدد من الجمعيات، مع الإشارة إلى أنه شغل منصب عمدة المنطقة الرابعة في العاصمة (المنامة).

وراء كل ذلك يكمن الأب الحنون بشهادة دائرته الضيقة (البيت... أبناؤه... أقرباؤه)، وتلك الكبرى المفتوحة على الأصدقاء والبشر الذين تعامل معهم وتعاملوا معه.

ضم الكتاب صوراً متنوعة غطت جانباً رئيسيّاً من نشاطه سواء في مواقع العمل أو في المواقع الاجتماعية والخيرية.

وفي الثالث والعشرين من (سبتمبر/ أيلول 2012) أسلم أبوسعيد روحه لبارئها، بنفس مطمئنة بذلت ما في وسعها لإسعاد عائلته وتجاوزها إلى الآخرين ممن يعرف ومن لا يعرف.

الكتاب اختُتم بشهادات لأصدقائه الذين عرفوه لسنوات، وآخرين عرفوه لأكثر من ثلاثة عقود، أخاً وأباً لبعضهم. أصدقاء من شرائح مختلفة ومتنوعة الأطياف. بعضها شهادات لمن عرفه عن بعد وبالمخالطة. أكثر من خمسين شخصية من بينها أفراد من العائلة المالكة، علماء دين، مهندسون، صحافيون، أطباء، أصحاب أعمال، وزراء ووزراء سابقون، قادة جمعيات سياسية وغيرهم.

صورة تجمع الراحل مع ابنيْه سعيد وفتحية
صورة تجمع الراحل مع ابنيْه سعيد وفتحية

العدد 4323 - الثلثاء 08 يوليو 2014م الموافق 10 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 10:05 ص

      الجمري

      الله يرحمه ونقول لاباسعيد اسكنك الله فسيح جناته والفاتحه

    • زائر 6 | 6:14 ص

      الى عفوا الله

      الحاج حميد ال نوح رجل قل نطيره في البحرين من لدي الايدي الخفية والبارزة في فعل الخير ومشاركة الناس افراحهم واحزانهم .. كنا نشعر بشعور غيريب عندما نلتقى به لها شخصية فريدة في جميع تصرفاته كلامه اخلاقه ... عن نفسي كانت اعتبره كابي وكنت اقبل راسه

    • زائر 5 | 5:57 ص

      ..

      الله يرحمه

    • زائر 4 | 3:40 ص

      جارنا الطيب

      الله يرحمه اتذكره وانا صغير كنت لمن اروح المدرسة وهو توه واصل الشغل كان يسلم ويبتسم وكنت وايد احبه واحترمه وبصراحة تأثرت لموته الله يرحمه
      فعلا كان انسان جدا متواضع وخلوق

    • زائر 2 | 11:31 م

      ابو احمد

      الله يرحمك يا ابو سعيد

    • زائر 1 | 11:10 م

      رحمه الله

      ارتبطت بالحاج حميد بسبب عملي. استمرت علاقتنا لأربعة قرون. لم اجده غاضبا في اية لحظة حتي في الأوقات العصيبة. كانت البشاشة فيه دائمة . صدمت بوفاته و شعرت بفقدان عمود من حياتي. رحمه الله.

اقرأ ايضاً