العدد 4322 - الإثنين 07 يوليو 2014م الموافق 09 رمضان 1435هـ

لعبة الكراسي والعولمة... ارتداد على صنّاعها... قصة تسردها ماسي

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

لم يعد مزحة التهديد الذي تشكّله العولمة للذين اهتدوا إليها وأرادوها أن تسود العالم. الأداة نفسها التي التمست البحث عن أسواق خارجية وعملاقة للصناعات الأميركية الممعنة في توسعها؛ تشكو اليوم من مزاحمة الصناعات الوافدة التي أغرقت سوقها بالرخيص من السلع وبإتقان لا تفتقده.

الصين تلعب دوراً مهماً اليوم في الارتداد العكسي للعولمة على منشئها. هذه المرة في صناعات حزام الأثاث بفرجينيا.

الصين قادمة بقوة على خريطة الاقتصاد العالمي، وكل المؤشرات توحي بأنها ستتربَّع على عرش الاقتصاد العالمي خلال سنوات قليلة، مطيحة بأكبر اقتصاد في العالم ولسنوات (الولايات المتحدة الأميركية).

بيث ماسي تروي قصة عائلة كانت أعمالها في صناعات الأثاث تعود إلى مطلع القرن الماضي، كيف واجهت الأزمات في ظل المنافسة الصينية في المجال نفسه. ترصد ماسي تفاصيل ومنافسات وشواهد على أوجه العولمة مطلع التسعينيات، وما سبّبه جانب منها في انهيار قطاعات وشركات أميركية متعدّدة النشاط.

براين بوروغ في صحيفة "نيويورك تايمز"، يفرد مساحة للقصة في عدد السبت الماضي (5 يوليو/تموز 2014)، هنا خلاصته:

آه، لو كان لدينا كتّاب أكثر في الأعمال مثل بيث ماسي، وكتب في المجال نفسه أكثر مثل كتابها الذي ظهر للمرة الأولى "رجل مصنع: كيف لصانع أثاث واحد يصطدم مع مؤسسة خارجية، بقي محلياً وساعد على إنقاذ مدينة أميركية".

لا تحتاج إلى أن تهتم مثقال ذرة بالوقوع تحت تأثير كتاب ماسي في تناولها لصناعة الأثاث أو التجارة الحرة أو العولمة. هذا هو سرد قصصي في أفضل حالاته، والغوص عميقاً في الأعمال التجارية والصناعة، والعديد من فروع السلالات التجارية. كل عرض يتم على خلفية بعض القضايا الأكثر أهمية في عصرنا. والكتاب يفعل تماماً ما تفعله أفضل كتب الأعمال: إنها يوصل قصة مسليّة للغاية في بحثها بشكل كبير، لتدرك في النهاية أنك تعلّمت شيئاً.

في "رجل مصنع" - هو ليس لقباً أمنحه لك بشكل ملحّ - تروي ماسي كيف أن جون د باسيت الثالث، من أسرة باسيت الشهيرة بفيرجينيا ونورث كارولينا ومن صنّاع الأثاث، قام بتحدّي ومواجهة الصناعة الصينية والتي أثرت أسعارها المنخفضة على الشركات الأميركية وقيادة العديد من الأعمال. لم يستطع باسيت هزيمة الصينيين، ولكن من خلال الفوز بقضية شهيرة ضدّهم قبل قيام لجنة التجارة الدولية بالولايات المتحدة الأميركية، كان قادراً على الحفاظ على شركته الخاصة "أثاث فوغان باسيت" واقفة على قدميها أمام تلك التحديات وتوفير المئات من فرص العمل.

معظم فترات القرن العشرين، أدارت عائلة باسيت أرخبيلا من الشركات وشركات المدن التي تتعامل مع غابات غير مأهولة، في منطقة عرفت بـ "بحزام الأثاث" في جنوب غرب ولاية فرجينيا المجاورة وأجزاء من ولاية كارولينا الشمالية.

تبدأ القصة مع بطريرك الأسرة جيه دي باسيت، والمعروف باسم جيه دي، وهو صاحب المنشرة الذي أدرك أنه يمكن بناء كل قطعة أثاث بشكل جيد كما تفعل الشركات المصنعة الشمالية التي تشتري الخشب منه، وبدأ في ذلك العام 1902.

ازدهرت شركة باسيت للأثاث، وتصدّرت الأعمال محققة في نهاية المطاف 400 مليون دولار من المبيعات لتصل بالثروة إلى 500 مليون في الثمانينيات.

أنشأ باسيت في مدينته بفرجينيا أول مصنع له، وأبقى جيه دي المدينة منشأة للأعمال الفردية، بحيث يمكن للأسرة السيطرة على ضواحيها بسهولة أكثر، ليأتي الوقت المناسب ليكون كل شيء تحت السيطرة من البنوك وصولاً إلى دار البلدية. لسنوات، دفع السكّان المحليون فعلاً فواتير المرافق الخاصة بهم في مقر شركات باسيت، والمعروفة باسم تاج محل.

هذه هي قصة من الجنوب بعمق. عرف كبار عائلة باسيت بشكل جماعي باسم "السادة". في العام 1930، سلّم جيه دي الأعمال لابنه، "السيد دبليو إم" الذي سلّم بدوره في وقت لاحق الأعمال إلى "السيد دوغ "، الذي سلمها لابن عمه،" السيد إد" الذي أدار جنباً إلى جنب مع صهر دوغ، الشمالي المزاجي ويدعى روبرت سبيلمان، الذي بدوره قاد الشركة بشكل مستقر في التسعينيات.

ترسم ماسي صوراً مفصّلة بحنوّ لكل من السادة وقصورهم الواقعة على قمة تلة وزوجاتهم وآخرين. على مر السنوات، انشق حشْد من أبناء عمومة باسيت والأصهار - فوغنس وهوكرز وستانلي - لينتجوا الأثاث في المصانع القريبة التي يمتلكونها. وببراعة المؤلِفة، فإن العديد من هؤلاء الناس ينطلقون بحماس واستقرار في الحياة.

ولكن ماسي، ابنة عامل في مصنع، ذكرت سابقاً لصحيفة "رونوك تايمز"، بأنها لا تتوقّف عند هذا الحدّ. إنها تعطي اهتماماً متساوياً لجماعة باسيت، عبْر رسْم ذكريات لاذعة لسائقي الأسرة والطيارين والخادمات، المربيات والحلاقين وعمال المصانع. وكانت مصانع باسيت متكاملة قبل وقت طويل من نظرائهم المنافسين الجنوبيين، وتضع ماسي التركيز بشكل خاص على مناطق الأميركيين من أصل إفريقي، وكثير منهم يعيشون في مساكن الشركات المتهالكة في أماكن مثل سنوت هولار وشيجير ريدج.

في العام 1937، ولد ابن السيد دوغ، جون دي باسيت الثالث، والذي سيعرف باسم جيه بي 3 من قبل الجميع، ولكن سيعرف بجون الصغير بالنسبة إلى كثيرين في العائلة. بعد زمن متأخر في الخمسينيات قضاها في الجيش بألمانيا، انضم إلى الشركة وبدأ الزواج الذي كان مرتباً في أحد اجتماعات مجلس الإدارة. أثبت السيد باسيت أنه يتمتع بطاقة تنفيذية عالية، وتعاط طبيعي في العمل المباشر بالمصنع، ولكن في الجناح التنفيذي من حيث الترتيب فهو غير مطابق لصهره السيد سبيلمان الذي نفاه في نهاية المطاف إلى مكتب صغير في قطاع بمجمّع تسوّق سابق. في العام 1983، فعل السيد باسيت ما لا يمكن تصوره، بترك "باسيت للأثاث" تدارمن قبل "فوغان – باسيت"، وهي واحدة من الشركات الصغيرة لابن العم في بلدة جالاكس.

السيد باسيت هو واحد من شخصيات فولكنر، وهو البطريرك الخيّر الذي يقوم بتحديث عالمه بينما يتزلف موظفيه بتشدق معسول الكلام، بأن السيدة ماسي تشبه إلى حدّ ما الدِّيك الكرتوني فوغورن ليغورن. ولكن في حين تزدهر الشركة لبعض الوقت، فإنها لا تستطيع أن تتنافس مع الكلفة المنخفضة للصناعة التايوانية والصينية في صناعة الأثاث التي اقتحمت السوق في التسعينيات. ومن العام 2000 إلى 2002، كانت الواردات الصينية من الأثاث صاروخية في حركتها، وبدأت مصانع أميركية بالإغلاق.

السيد باسيت مذهول، سواء من احتمال فقدان إرثه أو من مصير العاملين لديه. في البداية، تركّز غيظه على قطعة واحدة من الأثاث، خزانة لويس فيليب وتقوم بتصديرها شركة تجزئة صينية مجهولة، بسعر أقل بكثير من نظيراتها أميركية الصنع.

هنالك مشاهد رائعة لابن السيد باسيت، والسيد باسيت نفسه؛ حيث يذهبان إلى البحث عن خزانة لويس فيليب ويجدانها أخيراً تُنتج في مصنع قاتم في زاوية نائية شمال شرق الصين قرب الحدود الكورية الشمالية. يصلان إلى ذروة سعيهما عندما يلتقي السيد باسيت وجهاً لوجه مع المالك، الذي يخطط لإنشاء مجمّع مصنع عملاق سيهدّد بالقضاء على ما تبقى من الصناعة الأميركية. وتم إبلاغ السيد باسيت ببرود بأن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها الإبقاء على مصنع فوغان - باسيت على قيد الحياة هي إغلاق مصانعها وبيع الأثاث الصيني.

خلال وقت مبكّر من مطلع الألفية الثالثة قام عشرات من الشركات الأميركية بذلك تحديداً، بإعادة بيع الواردات حتى أنها حاولت بشكل محموم الحفاظ على بعض المصانع مفتوحة.

يرفض السيد باسيت، في الجزء الأكبر من محاولاته، أن يذهب إلى تبني ذلك الخيار. حتى أن العديد من تجّار التجزئة الأميركيين احتضنوا الواردات الرخيصة - كما يفعل الآلاف من زبائنهم - فيقوم بتحشيد مجموعة من المصانع الصغيرة حاملاً قضيتهم إلى العاصمة (واشنطن) في العام 2003، شاكياً من أنه بموجب المبادئ التوجيهية لمنظمة التجارة العالمية، فإن الصينيين يستغلون الدعم الحكومي لتفريغ منتجاتهم في الولايات المتحدة.

بعد حملة طويلة ومكلفة قسّمت الشركات الأميركية، يحقق نصراً؛ إذ تضطر الشركات الصينية إلى دفع شكل من أشكال التعويض تبقي على فوغان - باسيت وشركات صغيرة أخرى واقفة على قدميها. ولكن بعد فوات الأوان لإنقاذ معظم الصناعة؛ حيث أغلقت بالفعل تقريباً جميع مصانع حزام الأثاث. ولكن "فوغان - باسيت" تتمكن من ترتيب العمل بإشراف السيد باسيت.

تلك قصة أميركية أخّاذة، من النوع الذي لا نقرأ بما فيه الكفاية في كثير من الأحيان، النوع الذي ليس لدى صحافيي المدن الكبرى الوقت لتغطيته بعد الآن.

السيدة ماسي تروي القصة بتبحّر ودقة وبراعة. حصيلة العولمة في حزام الأثاث، التي ترويها مفجعة. الآلاف من العمّال العاطلين عن العمل يعيشون على بطاقات الغذاء. الجريمة آخذة في الارتفاع. وحتى بعد موت "السادة" بزمن طويل، فهم ليسوا في مأمن: عندما زارت ماسي ضريح السيد جيه دي، وجدت أن شخصاً ما قد نزع شاهد القبر وسرق منه الخردوات البرونزية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:34 م

      العبرة

      البعض يقرأها كقصة و اقرؤها كناظر للبعيد القريب. يوم لا يحتاج الغرب و العالم النفط، كيف سيكون وضعنا؟ قي هذا المناخ الحار و الفاقد لعناصر الحياة، كيف يمكننا العيش؟ هل انا مجنون؟ هل هناك مجنون مثلي؟؟؟

اقرأ ايضاً