في إطار دراسة له حول المديونية العامّة في البحرين، حذر النائب السابق الاقتصادي جاسم حسين من خطورة خروج المديونية عن السيطرة؛ الأمر الذي من شأنه التأثير بشكل سلبي على الخيارات الاقتصادية المتاحة أمام المملكة في المستقبل المنظور.
وشدد على أنه يعتقد بوجود خشية لدى صندوق النقد الدولي من تدهور للمديونية العامة في ظل استمرار العجز في الموازنة وضخامة كلفة مشروع دعم السلع فضلاً عن التحويلات المالية من خلال الصرف على أمور مثل علاوة المتقاعدين.
ورأى الاقتصادي أن المشكلة الفعلية هي في تنامي وليس بالضرورة في حجم المديونية العامة في الوقت الحاضر. فالسؤال أين كنا وأين نحن الآن وإلى أين تتجه الأمور فيما يخص المديونية؟! بالعودة للوراء، شكلت المديونية العامة 10 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2008 لكن تغيرت الأمور بصورة سريعة وسلبية في غضون عدة سنوات وفي ظروف اقتصادية تخدم الحد وليس ارتفاع الدين العام.
فقد بلغ حجم المديونية العامة قرابة 4.2 مليارات دينار (11.2 مليار دولار) مع نهاية 2012 أي 40 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما تبين بأن حجم المديونية العامة ارتفع إلى 5 مليارات دينار (أو 13.2 مليار دولار) مع نهاية 2013 مشكلاً 44 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. وربما يرتفع حجم الدين العام إلى 5.9 مليارات دينار مع نهاية 2014 أي تقريباً نصف الناتج المحلي الإجمالي.
والأهم من ذلك، يخشى صندوق النقد الدولي من ارتفاع قيمة المديونية إلى أكثر 7.5 مليارات دينار أو 20 مليار دولار بنهاية 2019 وربما قبل ذلك في 2018 مشكلاً 61 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يعني تجاوز الدين العام حاجز 60 في المئة للناتج المحلي الإجمالي؛ الأمر الذي يتناقض مع أحد شروط مشروع الاتحاد النقدي الخليجي. من جملة الأمور، يلزم مشروع الاتحاد النقدي ضمان عدم تخطي الدين العام مستوى 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وشدد جاسم حسين على أنه كان يجب أن يحدث العكس في ظل ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة لعدة سنوات متتالية مع الأخذ بعين الاعتبار الأهمية النسبية للقطاع النفطي بالنسبة لإيرادات الخزانة العامة والصادرات. بكل تأكيد الإشارة هنا إلى بقاء أسعار النفط قوية منذ العام 2008 وفي حدود 100 دولار للبرميل وبالتالي فرضية اكتساب أموال ضخمة لصالح الموازنة العامة. في السعودية على سبيل المثال، تمت الاستفادة من ظاهرة الأسعار المرتفعة في شبه القضاء على حالة المديونية العامة عبر توظيف العوائد النفطية لكن حدث العكس تماماً عندنا ربما بسبب ضعف الرقابة البرلمانية والمجتمعية على حد سواء مقابل الرغبة العامة لدى السلطة للصرف.
ولا غرابة، تتحمل الموازنة العامة عبء خدمة الدين، حيث بلغت قيمة فوائد الدين العام في العام 2013 نحو 192 مليون دينار، مرتفعاً عن 150 مليون دينار للعام 2012. وهذا يعني أن الفوائد شكلت نحو 6 في المئة من نفقات السنة المالية 2013 وهي من النسب المرتفعة عالمياً.
كما هناك تداعيات سلبية أخرى لظاهرة المديونية المرتفعة تشمل تقييد المستوى الائتماني الممنوح للبحرين. حقيقة القول، تعتبر البحرين الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي والتي لديها مستوى ائتماني خارج تصنيف (أي) حيث لديها درجات ضمن خانة (بي) سواء لمؤسسة ستاندرد أند بور أو موديز. كما تعتبر النظرة المستقبلية للاقتصاد البحريني سلبية عند وكالة موديز وهي الحالة الوحيدة بين اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي وتعود لأسباب تشمل بقاء الأزمة السياسية والتي اندلعت في فبراير/ شباط 2011 دون حل، طبعاً كل ذلك على حساب الفوائد المترتبة للاقتراض.
ولغرض الحصول على التمويل الضروري لمعالجة أمور مثل تسجيل عجز قدره 410 ملايين في موازنة 2013 تضطر الحكومة للاقتراض من الأسواق المحلية والدولية على حد سواء. تشكل القروض المحلية نحو 55 في المئة من الأموال المقترضة من خلال أذون الخزانة والتي تخدم مسألة امتصاص السيولة الموجودة عند البنوك. مهما يكن من أمر، يشكل التواجد الرسمي في أسواق المال المحلية نوعاً من مزاحمة للمؤسسات العاملة في البلاد فيما يخص الحصول على التسهيلات المصرفية.
واختتم حسين حديثه بالقول إنه توجد خشية فعلية من مواصلة ارتفاع المديونية العامة وما لذلك من تأثيرات على الخيارات الاقتصادية للمملكة في السنوات القليلة المقبلة وربما يفضي الأمر إلى الحد من النفقات الرأسمالية مثل تنفيذ مشاريع البنية التحتية. ولتحاشي خروج المديونية عن نطاق السيطرة، قد يتطلب الأمر إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة تشمل الحد من النفقات العامة وخصوصاً المصروفات الجارية للأجهزة الحكومية والتفكير بشكل جدي في إعادة هندسة الدعم الحكومي المقدم لبعض السلع الإستراتيجية بحيث تقتصر لغير المقتدرين فضلاً عن وضع حد للتحويلات المالية من دون إجراء دراسات مستفيضة.
وتعتبر ظاهرة المديونية العامة المرتفعة دليلاً مادياً للعيش فوق الطاقة والقدرة، بدليل العديد من التجارب وآخرها تجربة اليونان.
العدد 4321 - الأحد 06 يوليو 2014م الموافق 08 رمضان 1435هـ