العدد 4320 - السبت 05 يوليو 2014م الموافق 07 رمضان 1435هـ

فيلم «نوبة» لا يقدّم حلاً لمرضى السكلر سوى الأمل

مشهد من فيلم «نوبة» من إنتاج جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر
مشهد من فيلم «نوبة» من إنتاج جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر

التمسك بالأمل وبوعي وإدراك وحركة يثبت نجاعته في كثير من الأحيان. من دونه يصبح هذا العالم سجناً على رغم اتساعه، والحياة نفسها تصبح ضرباً من الوهم والغياب.

أمراض كثيرة تؤرّق الحياة. حيوات كثيرين. أمراض تفتك كجزء من سنة الحياة في جانب منها. وكجزء من سنن الإهمال وفلسفته، إن كان للإهمال فلسفة!

مرض السكلر واحد من تلكم الأمراض التي تفتك بنضارة الحياة وريعان الشباب. يتساقط الشباب وهم في نضج الحياة - إلا قليلاً في كثير من الأحيان - تماماً كأوراق الخريف. في خريف العمر هم بذلك الداء الذي منه يغلي الدم في مرجل العروق.

«نوبة» فيلم قصير أنتجته جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر، تأليف وسيناريو وحوار: حوراء علي، معالجة السيناريو والحوار: محمد إبراهيم وعادل المالكي، تمثيل: عادل المالكي، علي سلمان، فاطمة القطان، محمد الحداد، جعفر أحمد، رباب علي، وجعفر عبدالنبي، تصوير ومونتاج: حسن عبدعلي، إضاءة: أحمد عيسى، مهندس صوت: أسامة مرهون، منتج منفذ: مون جروب، مخرج منفذ: جعفر عبدالنبي، ومن إخراج حسن عبدعلي.

الفيلم وعلى امتداد 6 دقائق و40 ثانية، يضغط المشاهد والحوار فيه. يقدّم حالة مريض سكلر؛ حيث تبدأ الكاميرا في فضاء مفتوح وكابينة خشبية رفقة موسيقى ذاهبة في حلمها وأملها أيضاً، على رغم كمّ الحزن الذي لا يمكن له أن يغيب عن أذن تعي حال هذه المجموعة من الناس. لتنتقل الكاميرا إلى الشخصية الرئيسة في الفيلم وهو يتأوه على سريره. سرير البيت في غالب الأحيان كما سيبدو في كثير من مشاهد الفيلم. تنتقل الكاميرا إلى مقر عمله حيث حوار صامت مع مديره في العمل تتضح تفاصيله بعد خروجه من المكتب. يتضح توبيخاً ولا يخلو من جرح مشاعر ومَنّ: «تداوم ليومين وتغيب... إنتْ مفصول».

في مشهد مباشر يحضر الأب، والحديث عن الحياة الصعبة، للأب كلمات يوجهها لابنه الذي يصارع غليان الدم في العروق... يصارع موته الذي لا يجيء ولكنه حتماً سيأتي. وفي الحديث عن غليان الدم يكتفي الأب بالقول: لا تنسَ أن الأمل في دمنا! في تحايل على الصورة الذاهبة في النقيض. في الاحتياج إلى استبدال الدم، نحن بحاجة إلى أن نثبّت الأمل داخلنا كي نتحايل على هذا المرض الكريه الذي يقصف أعمارنا.

تعود الكاميرا إلى الكابينة المغروسة في الفضاء، عدد من الشباب في لهوهم، بين تدخين الشيشة والتحلق أمام التلفاز... هو بينهم يأخذ نصيبه انتماء إلى ذلك الفضاء النائي... يدخن الشيشة لتنقلنا الكاميرا بعدها إلى المستشفى. هناك لاشيء غير المسكنات والمغذي (السيلان)، الطبيب تلك هي إجراءاته: إذا لم تستقر حالته فسيتم إدخاله إلى المستشفى.

ترافق الشخصية الرئيسة في الفيلم المغذي أينما حل، ساحباً إياه ولوقعه نذير في كل لقطة، صوت صرير العجلات بين الحديد، ذلك الحامل للمغذي.

في البيت هذه المرة، يقوم بجر السيلان. يتداخل المكان الذي يبدو افتراضياً (الكابينة الخشبية) حيث يلتقي هو والمدير الذي فصله من العمل والطبيب وفتاة لا تقول لنا بداية الفيلم من هي، لكنها في قلب كل مخلوق في صحته أو سقمه: الفتاة. في الكابينة يدور حوار غير متماسك، لكن كاتبة السيناريو والمخرج يقنعان المشاهد بتماسكه وترابطه بجمع كل أولئك في المكان. يتوجه بالكلام إلى والده: تعبت... مقطّعة عروقي والناس كسْرتني. أنت أكثر من يحس بمعاناتي وتعرف آلامي. وللمدير الذي فصله: كنتُ قبل ذلك الموظف المثالي لديك، وتطردني! وللطبيب: أنا مريض سكلر، ذلك لا يعني أنني مدمن وسيّئ! تلك النظرة شبه النمطية التي باتت شبه قارّة أيضاً لدى كثير من الأطباء في تعاملهم مع مرضى السكلر الذين لا حل مؤقتاً لمعاناتهم سوى المسكنات. بعد الحوار يده تشخب دماً العروق النافرة، الإبرة، الشاش، وأنبوب المغذي... قصاصات صحف ملطخة بالدم، في تعبير أيضاً عن المساحة التي يحتلها أولئك في الإعلام، وبمقاييس ونظرات متباينة هي الأخرى. استرجاع لصوَرِه مع فتاة. الفتاة التي لم نعرف من هي بالنسبة إليه، قصاصات الصحف. تبرز الفتاة هذه المرة بعيداً عن الصور. هي بشحمها ولحمها يرددان معاً: مكتوب أكون فْـ هالسما واعيش مثل الطيرْ مكسوره جنحانه... والسما صاحت من...

عقب سيجارة في يده... تسحبه الفتاة من بين أصابعه، ينهض من مكانه... يفتح باب (في المكان الافتراضي ايضاً)، الكابينة الخشبية وهو يجر المغذي، يتلفّت، ضوء غامر يصل المكان مع فتح الباب، يخرج منه، تاركاً صوت سحب حامل المغذي. صوت كأنه الحشرجة أو قريب منها!

لا يجترح الفيلم معجزة، ولا يقدم حلولاً، وليست تلك وظيفته. لا يقوم الفيلم بإدانة جهة. الأطباء بما يبذلون من الوقاحة تجريحهم أو إلقاء اللوم عليهم. اللوم على غياب الرؤية. غياب منظومة عمل تضع خططاً لاحتواء هذا الموت الذي يفتك بالناس ويفتك بالأُسر. الفيلم ينحاز إلى الأمل. أمل أن يتم الالتفات إلى هؤلاء البشر ووضع حد لعربدة موت جزء كبير منهم. يأتي الموت مبكّراً بسبب الإهمال، من دون أن يسمي الفيلم أيضاً جهة الإهمال! فقط هو الأمل السيد في هذا العصف من الموت!

الفيلم في مجمله محاولة ملفتة وعميقة. قليل من الكلام. الموسيقى أخذت مساحة كبيرة من النص. الموسيقى نص غير مكتوب ولكنها كانت جزءاً منه بشكل أخّاذ!

العدد 4320 - السبت 05 يوليو 2014م الموافق 07 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:00 ص

      رحمه بيد رحيم

      امانة الله السكلر وسيرى الله سبحانه ان تضع امانته

اقرأ ايضاً