العدد 4319 - الجمعة 04 يوليو 2014م الموافق 06 رمضان 1435هـ

منتدى «الوسط» الثقافي يستقرئ تاريخ الصالونات و«سوسيولوجيا التغيير»

دعا المفكر والأكاديمي إبراهيم عبدالله غلوم، إلى ضرورة إعادة التفكير في كل الملتقيات والمجالس التي تقيم ندوات ولقاءات ثقافية، منتقداً ما تقدمه هذه الملتقيات، مشيراً إلى أن الثقافة والفكر والوعي لابدّ أن يكون وعياً نقدياً لا تطاله هذه الملتقيات.

جاء ذلك خلال منتدى «الصالونات الثقافية... التاريخ والمنجز»، الذي نظمته صحيفة «الوسط»، واستضافت خلاله إلى جانب غلوم، الأمين العام لمركز عبدالرحمن كانو الثقافي عيسى هجرس، والكاتبة الصحافية عصمت الموسوي.

وفيما انتقد غياب التشريعات الثقافية وعدم وجود هيكل ثقافي، راح الأمين العام لمركز كانو الثقافي يسرد تجربة المركز وملتقاه، واصفاً إياه بأنه نتاج التقاء الثقافة برأس المال، فيما استعرضت الموسوي تجربتها في إنشاء صالون أدبي خاص تعقده في منزلها، أما عضو مركز كرزكان الثقافي فاستعرض تجربة المركز في المجال الثقافي.

مداخلات الحضور ركّزت على ضمور الدور الاجتماعي للصالونات الثقافية، واصفة إياها بالمخملية، وأرجع متداخلون انحسار دور هذه المراكز إلى تقلص الموازنات، فيما تساءل آخرون عن إمكانية ربط الملتقيات بالمنتديات الإلكترونية.


خلال ندوة «الصالونات الثقافية... التاريخ والمنجز»

منتدى «الوسط» الثقافي يستقرئ تاريخ الصالونات و«سوسيولوجيا التغيير»

الوسط - حبيب حيدر

في المنتدى الثقافي الذي خصصته «الوسط» هذه المرة لمناقشة موضوع «الصالونات الثقافية، التاريخ والمنجز»، شرع المفكر والأكاديمي إبراهيم عبدالله غلوم في تتبع هذه الظاهرة باحثاً كعادته عن الجذور والبواكير الأولى في شيء من التأصيل، مع نبرة ممعنة في النقد الثقافي، ليستقرئ الحالة العربية في تجمعها وقدرتها على التحول والتقدم منذ فكرة المجلس الذي يعقده القضاة والذي خرجت من بين يديه الكثير من المصنفات، إلى فكرة المنتديات والملتقيات والمجالس الأدبية مع بواكير النهضة وقيادتها للتحولات الاجتماعية، فيما استعرض الأمين العام لمركز عبدالرحمن كانو الثقافي عيسى هجرس قصة الملتقى الأهلي الثقافي واستمراره عشرين عاماً من العطاء، أمّا الكاتبة والصحافية عصمت الموسوي فاستعرضت تجربتها الخاصة في الصالون الأدبي الذي تعقده في مجلسها، فيما استعرض عضو نادي كرزكان الثقافي محمد بوحسن تجربة النادي في منتداه الثقافي، وشهدت الندوة مجموعة من المداخلات المختلفة والمؤتلفة مع المنتدين وتجاربهم وقراءتهم لطبيعة الصالونات والمنتديات الثقافية.

ادارت الندوة الصحافية منصورة عبدالأمير التي استهلت الجلسة مُرحِّبة بالحضور في منتدى الوسط الثقافي الثالث مفتتحة ندوة «الصالونات الثقافية... التاريخ والمنجز» مشيرة إلى أن «هذه الندوة تتناول بشيء من التفصيل هذه الصالونات أو المنتديات أو المراكز أو ما شئنا أن نسميها، بداياتها، ونبذة تاريخية عنها، وإسهاماتها والدور الذي قامت به في حركة النقد والأدب والمجتمع، وصولاً إلى واقع حضورها اليوم في حركة المجتمع مع استعراض لبعض النماذج الموجودة حالياً».

مُعرِّفة بضيوف الملتقى وهم كلٌّ من الناقد والكاتب إبراهيم عبدالله غلوم والأمين العام في مركز عبدالرحمن كانو الثقافي عيسى هجرس والكاتبة الصحافية عصمت الموسوي. وبالإضافة لمداخلات من بعض المراكز أو الصالونات الثقافية مثل مركز كرزكان الثقافي والرياضي.

وأضافت «اليوم وفيما كنت أعد هذه الديباجة وصلتني عبارة للروائي والصحافي والسياسي البيروفي وهو حاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 2010 خورخي بيددرو ماريو فارغاس يوسا، اسمحوا لي أن أذكرها، يقول فيها: «إني مقتنع بأن مجتمعاً بلا أدب أو مجتمعاً يرمي بالأدب - كخطيئة خفيَّة - إلى حدود الحياة الشخصية والاجتماعية هو مجتمع همجيّ الروح، بل ويخاطر بحريته. أود أن أطرح تفنيدات لفكرة أن الأدب نشاط للمترفين، وعرضه كنشاط لا يستغنى عنه لتشكيل المواطنين في مجتمع حديث وديمقراطي، مجتمع مواطنين أحرار».

وتابعت: هذه العبارة وجدتُها متناغمة إلى حدٍّ كبير مع موضوع المنتدى اليوم والمتعلق بالصالونات الثقافية وهي بالطبع منابر للأدب بل إن الأدب المقصود في عبارة خورخي هو بالتأكيد ليس الأدب المقصور على القصة والرواية والشعر وما إلى ذلك من أشكال أدبية بل هو الثقافة بوجهها العام.

وأكدت: ان الأدب الذي يتحدث عنه الروائي البيروفي والذي يشكل المواطنين هو ذاته ذاك الذي يطرح في الصالونات الثقافية التي لا أجد لها دوراً أفضل من ترسيخ ثقافة الحوار والتوثيق الثقافي وحفظ التراث وتنظيم علاقات الأدباء والمثقفين بما يوهج حركة الشعر والأدب والمجتمع بشكل عام ويشكل تيارات فكرية متنوعة بالإضافة إلى أدوار أخرى كثيرة نحن بصدد تناولها من خلال متحدثينا الأفاضل.

محدثنا الأول هو إبراهيم عبدالله غلوم أستاذ النقد الحديث بجامعة البحرين، وعضو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. وهو عضو في العديد من الجمعيات الثقافية وله إسهامات أدبية وثقافية كثيرة. سوف يقدم لنا غلوم نبذة تاريخية عن نشأة الصالونات الثقافية، والحضور الذي تتمتع به هذه الصالونات وإسهاماتها في حركة الأدب والنقد والمجتمع في البحرين وربما في النهوض بحركة الإبداع النقدي والأدبي والفكري.

في بداية مداخلته اقترح غلوم الدخول لموضوع الصالونات الثقافية من خلال استقراء ثقافي لمفردات من مثل المجلس والملتقى والمنتدى وأهم المعاني التي انشحنت بها ذاكرة هذه الألفاظ تاريخياً في شيء من التأصيل والنقد ما طاب له ذلك فقال «أعتقد أنه من الممكن أن ننظر إلى ظاهرة هذه التجمعات في شكل مداخلة «سوسيوثقافية» وأقترح في البدء مناقشة ثلاث مفردات تختزل لنا سيرورة نسق هذه التجمعات وهي «المجلس والمنتدى والملتقى»، وهي كلها أسماء أماكن ولكن المتأمل في هذه الألفاظ الثلاث سيجد أنها تنزاح عن بنيتها كألفاظ وكدوال عادية إلى دوال سيميائية، بحيث أنها تنتقل من الدلالة على اسم المكان إلى الدلالة على النسق أو البنية؛ فوراء المجلس بنية ثقافية ووراء المنتدى بنية ثقافية أخرى ووراء الملتقى رؤية ثقافية ثالثة، وحين أقول بنية فأنا أقصد النموذج الذي يمكن أن نرد له سلسلة كبيرة من المعاني التي تنزاح من دال المجلس، فلنتوقف قليلاً مع المجلس أولاً.

المجلس

حالة وظيفية وضرورة ثقافية، لا أعتقد أن أحداً يجهل تجذر هذا الاسم في التراث العربي الذي هو في الحقيقة على امتداد عصوره منذ الجاهلية إلى العصور الحديثة فقد كان يستخدم المجلس للدلالة على معنى ثقافي، تشير سيرورته على أنه يشكل أحد مفاهيم الضرورة أو الهوية بمعنى الضرورة. فالمجلس في المجتمع العربي يشكل حالة وظيفة إذا نزعتها من هذا المجتمع اختلت بنيته، فهو بالتالي ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها والاستغناء عنها يفك مجموعة كبيرة من الحلقات، والسبب واضح في أن المجتمع يعتمد في مسألة التعليم والثقافة المشافهة والرواية وتكوين أشكال التعبير من أخبار ومرويات ومن أحاديث بل كل سيرورات الأشكال الثقافية والتي انحدرت عبرها أكبر المصنفات العربية من مدونات الحديث إلى مدونات التاريخ إلى مدونات العلوم المختلفة كلها في الحقيقة تنحدر من هذه القوالب التي دارت داخل المجالس. فالمجلس له صفة مختلفة تماماً عن أي صيغة ثقافية موجودة في الثقافة العربية التقليدية ونحن نتكلم عن النموذج الثقافي التقليدي التراثي في هذا النسق. وسأشير إلى نموذجين من النماذج المشهورة أحدهما غير معروف لدى معظم المثقفين، ويجهله حتى الكثير من المتخصصين، وهو نموذج قاضي القضاة أبو علي المحسن التنوخي وعنده مصنفان هما «مشوار المحاضرة» و «الفرج بعد الشدة»، فـ «مشوار المحاضرة» يتكون من 11 مجلداً و «الفرج بعد الشدة» يتكون من 6 مجلدات، وهما مصنفان من أفخم مصنفات العربية، هما في حقيقة الأمر عبارة عن أحاديث مجلسه الذي كان يعقده وهو قاضي القضاة. وهذا الرجل في الحقيقة ينتمي إلى أسرة قضاة تنوخية اشتهر منهم عشرات من القضاة، وكان أشهرهم أبو القاسم أو أبو علي التنوخي. ويذكر في مقدمة كتابه أن هذا الكتاب عبارة عن ألفاظ تلقطتها من أفواه الرجال كما تدور في المجالس، وأغلبها من ما لم يتجاوز الحفظ في الضمائر إلى التخليد في الدفاتر».

واعتبر غلوم هذا الكتاب فريداً من نوعه «وهو بالفعل يخرج عن سنن كل ما صُنّف لأنه عبارة عن أحاديث منفتحة مستلقطة من أفواه ما يقارب من 200 شريحة من شرائح المجتمع ذكرها بالنص في مقدمته، لأنه وهو يتحدث عن منهج الكتاب يقول بأنه اعتمد على لقائه بالعلماء والأفاضل والوزراء وغيرهم ممن عرفوا أخبار هذه الشرائح الاجتماعية. ويذكر هذه الشرائح وهي لا تقل عن 200 شريحة حيث لم يترك خلقة من البشر لم يروِ عنها خبراً أو حديثاً، وكان ذلك يحدث في مجلسه. فالمجلس إذن مع نموذج التنوخي، مجلس يشكل ضرورة ثقافية ومجرى أو مسرى في الثقافة العربية لم يشكله أي منتج آخر، وعلى هذا درج كبار العلماء. ومن المهم أن نلاحظ أن أكثر من أصّلوا للمعنى الثقافي للمجلس هم القضاة، بشكل محدد لأنهم يتوارثون هذه المهنة. وثانياً، لأن الناس في أمسّ الحاجة لهم فلابد أن يأتوا إلى القضاة ليعرضوا مشاكلهم ويستفتوا هذا القاضي أو ذاك، فقد عرفت الثقافة العربية مجموعة من القضاة، الذين تخللوا المجتمع بواسطة مجالسهم. وفي هذا السياق عرفت البحرين مجموعة من القضاة سلكوا هذا التقليد بالفعل وأنا أعرف من القضاة أكثر من واحد كان لديهم تقليد اجتماع الناس والناس يزورونهم ويطرحون عليهم الكثير من قضايا العلم والثقافة والحياة والمجتمع، ومشهورة لقاءات الشيخ قاسم بن مهزع والشيخ خلف العصفور، وقضاة كثيرون كانت مجالسهم مفتوحة، بنفس التقليد الذي أشرت إليه عن أبي علي التنوخي. هذا النسق يشكل مفهوم الضرورة، في النسق الثقافي الذي ينتمي إليه المجلس ويظل يمتد في مجالس الأمراء والوزراء، والعلماء والشعراء وغيرهم مما يطول الحديث فيه.

نموذج التجربة المحلية

لكن من المهم أن نتجاوز هذا الأصل التاريخي للمجلس إلى التجربة المحلية وخاصة في البحرين والخليج فإن تجربة الشيخ إبراهيم بن محمد في 1895 تقريباً الذي بدأ مجلسه في المحرق يعتبر التجربة الرائدة على مستوى منطقة الخليج من حيث الفاعلية الثقافية يعتبر مجلس الشيخ إبراهيم مجلساً نموذجياً فاعلاً في إنتاج الوعي بشكل عمودي في الثقافة وفي البحرين وفي الخليج، وذلك لأسباب كثيرة. وهناك مجالس كثيرة معروفة؛ فالكويت عرفت مجالس تجار ومثقفين ومتعلمين في نفس الوقت روّادها تجار ومُلاك ومتعلمون منفتحون على الحياة والمجتمع. هذه الشريحة الأعيانية التجارية الكويتية منها أفراد يمتلكون مجالس تكاد تكون أقرب إلى مراكز العلم ولكن في حقيقة الأمر لم تكن تضاهي مجلس الشيخ إبراهيم في التأثير والفاعلية.

مجلس الشيخ إبراهيم

كيف كانت طبيعة هذا المجلس؟ شخصية الشيخ إبراهيم شخصية مجمّعة ليست شخصية عادية فأولاً هو ابن الحاكم الذي عزل وهذا الظرف في حد ذاته كان يسجل سيكلوجيا خاصة به، وهو شاعر مرهف سافر ورحل واتصل واحتكّ بعلماء في الحجاز ومكة وحفظ الشعر وانفتحت سليقته على الناس وعلى الكثير ممن كانوا يجلسون حوله فوجههم وحمل في داخله هاجس أن يكون هذا المجلس بمثابة مكوّن ثقافي فماذا فعل؟ أولاً اتفق مع كبار التجار وهذا أول مرة يحدث في الخليج ومنهم مقبل ابن عبدالرحمن الذكير على أن يستقدموا الصحف العربية كـ «المقتطف» و «الهلال» و «العروة الوثقى» وغيرها، فأول ما عرفت دول الخليج الصحف عرفتها عن طريق هذا المجلس وعن طريق الاتفاق الذي حدث بين الشيخ إبراهيم ومقبل بن عبدالرحمن الذكير، فبدأ هؤلاء المثقفون يستكشفون ما يكتبه مثقفو البلاد العربية، ولأول مرة يعرفون من هو رشيد رضا، من هو محمد عبده، ومن هو الكواكبي، ما هي «العروة الوثقى» حيث رأوا المجلة أمامهم وبدأوا يتفاعلون معها ويرسلون أسئلتهم واستفساراتهم عن بعض الأمور والمشاكل الفكرية في تلك الفترة. هذه واحدة من أولى فعاليات هذا المجلس وكانت الصحف والكتب موجودة في المجلس نفسه وكان يتجمع حولها هؤلاء الشباب ومنهم عبدالله الزايد، محمد الشيخ، صالح خنجي، عبدالرحمن المعاودة، عبدالوهاب الزياني، مجموعة في الحقيقة لا أذكر أسماءها، الآن هذا الصف يشكل الرعيل الأول للنهضة في البحرين والخليج، هؤلاء خرجوا من حلقة هذا المجلس.

التململات الأولى للنهضة

والمجموعة التي كانت تحضر هذا المجلس شكلت التململات الأولى للمثقفين، فما هي الأفكار التي لُقحت في أذهانهم؟ لقد لقحت في أذهانهم فكرة النهضة مثلاً، الإصلاح، التعليم، التجمعات الثقافية والمؤسسات من أندية وما إلى ذلك. كل هذه الأفكار في الحقيقة كان هذا المجلس ينضدها في منصة الحديث والحوار والأخبار ومن ثم ستلاحظون بأن أولى الكتابات تخرج من هذه الأسماء وأولى حركات الإصلاح تخرج من هذه الأسماء وأولى المطالبات بالمجلس التشريعي تخرج من هذه الأسماء حتى المبادرات بتأسيس الصحافة خرجت من هنا، بل حتى المثقفون مثل عبدالعزيز الرشيد في الحقيقة كان يصدر مجلته «الكويت» وكان ينقل بعض ما يدور في هذا المجلس. ليس هذا فحسب بل إنه عندما تأسس نادي إقبال أوال 1913 تأسس من مجموعة هي في داخل هذا المجلس لكنهم كانوا يشكلون تياراً إسلامياً، من مجموعة الطلبة الذين درسوا في عليكرة، والأزهر، فكان هناك تيار إسلامي صاعد خرج من رحم هذا المجلس. ليس هذا فحسب بل النادي الأدبي الذي تأسس في 1920، تأسس مع نهاية توقف مجلس الشيخ إبراهيم بن محمد وورث معظم صحفه النادي الجديدح لأن الشيخ إبراهيم في هذه الفترة بدأ يعود إلى نفسه وجوانيته وصرفته مشاعر من الحزن والإحساس بعناء حياة المصلحين، والنهضويين فخرج من المحرق وذهب لليابور، وأصبح بعيداً ولكن مجموعة مثقفي المجلس صاروا يزورونه ويتواصلون معه.

من نسق المجلس إلى المنتدى

هنا في هذه الفترة بالذات تأسس النادي الأدبي، ومن هنا يبدأ الانتقال من نسق المجلس إلى نسق المنتدى فمن حيث توقف المجلس بدأت فكرة النادي، وصحيح أن المجلس هو الاسم الذي شاع في ثقافتنا العربية، وتراثنا العربي، ولكن تدخل في حقله الكثير من التسميات «الحلقة، الزاوية، المركز، الركن، وفي ثقافتنا الشعبية البراحة العاير، الزاوية التي يجتمع فيها، كلها تنزلق وتنزاح إلى مصطلح المجلس فهي في داخل النسق الثقافي للمجلس. أمّا المنتدى اسم المكان فهو مكوّن سيميائي من النسق النهضوي وهو نسق ضرورة نسق اليقظة الذي اقترن بفكرة النهضة العربية واليقظة الإسلامية، وهنا المنتدى يعني المجموعة والجماعة التي اتفقت على شيء ووضعت نصب عينها أفكاراً تلقحها وتشعلها في سبيل الإصلاح لديها أفكار ونسق تفكر عبره وعندها هدف ووسائل والمنتدى خلق هذا النسق من التفكير النهضوي الذي ينحدر من الثقافة العربية ومن مشروع النهضة العربية الإسلامية الذي بدأ مع الأفغاني وعبدو ورشيد رضا والكواكبي وجيل النهضة العربية. وهؤلاء الذين سيبدؤون من فكرة المنتدى كلهم على علاقة بالمشروع النهضوي، القومي بشقيه العربي والإسلامي. والشيء الطريف أن البحرين تثاقفت مع الجناحين فالنادي الأدبي هو مشروع قومي يقظوي والمنتدى الإسلامي الذي تأسس في 1928 يشكل الجناح النهضوي الإسلامي الذي وضع سبيكة تيار الحركة الإسلامية المعروفة اليوم. فالمنتدى الآن تغيرت من خلاله صيغة المفهوم الثقافي وستنحدر من ذلك مسميات كثيرة مثل: الرابطة، النادي، الجماعة، حتى مفردة جمعية استخدمت في البداية بهذا المعنى بينما استخدمت في الستينات بمعنى مختلف. وفي بداية العشرينات كانت الجمعية تستخدم بمعنى الجماعة أكثر منها مؤسسة مثل جمعية «مصر الفتاة» لكنها في الحقيقة كانت تصوغ فكرة انسجام مجموعة من المثقفين المتعلمين حول فكرة محددة. وبالتالي لو نظرنا إليها بمعيار، ثقافي منفتح ففيها نقص وقصور لأنها انحيازية وليست حيادية لأنها أيدلوجية وقطعية من الناحية الفلسفية، وفي نفس الوقت تجزيئية وليست تجميعية على غرار الشيخ إبراهيم بن محمد الذي لم يكن يميز أحداً على أحد، لدرجة أنه كان يتنزه ويتعفف عن الإعلام لدرجة أنه يطلب منه أن يكتب شيئاً عن هذا المجلس في الصحافة العربية فلا يقبل ذلك. كان يتعفف كثيراً وينزه نفسه عن أن يكون تلك الذات المهيمنة المتسلطة فكان يفسح الطريق إلى الآخر أكثر من أن يعظم نفسه أو يجلها. وهذه من الشخصيات النادرة في التاريخ الثقافي في الجزيرة العربية، ولهذا السبب حدث له في العشرينات هذا الانتقال إلى العزلة والابتعاد. إن المنتدى في صيغته ونسقه الثقافي الذي تصبّ فيه سيمياء هذه المفردة (المنتدى) يذهب في هذا الاتجاه وسيكوِّن لنا على مدى ثلاثة عقود ما تأسس في ثقافة البحرين وفي الخليج من النادي الأدبي ثم المنتدى الإسلامي، ولا بد أن أشير إلى أن الفضل الأول في معرفة ملابسات هذا المنتدى يرجع لمبارك الخاطر رحمه الله الذي وضع كتاباً توثيقياً عن المنتدى الإسلامي التأسيسي ووثق فيه حتى ديباجته التأسيسية، وذكر كثيراً من الشهادات والحوارات مع المؤسسين لهذا المنتدى. لكن اللافت أن مبارك الخاطر، بحكم وعيه الإسلامي أسقط نسق المنتدى على كل تجربة حتى النادي الأدبي اعتبره منتدى، ومجلس الشيخ إبراهيم، ونادي إقبال أوال. كانت تسمية منتدى تشكل في رأسه فكراً محدداً مرتبطاً بوعيه الإصلاحي وكان يسقط ذلك على كل التجارب لدرجة أن مجلس الشيخ إبراهيم اعتبره المنتدى الإسلامي الأول وهذا ليس بصحيح. وفي الحقيقة أن مجلس الشيخ إبراهيم لم يكن بهذه الصيغة، بل كان في صيغة تنتمي إلى صيغة الضرورة المنتجة للوعي والتنوير، بمعنى أن المجلس هنا لابد أن ينعقد، ولو لم ينعقد مجلس الشيخ إبراهيم في تاريخ الثقافة البحرينية لما كانت هناك سلسلة من المفاهيم الفكرية الجديدة ولذا فإني من الناحية الوظيفية الثقافية اعتبره يشكل مفهوم الضرورة.

الأندية الأهلية

إذن سينتهي سطوع هذه السيرورة في 1945 بعد الحرب العالمية الثانية وسننتقل إلى تأسيس الأندية الوطنية الذي سيحتوي نسق المنتدى، والذي سيحدث أنه نظراً للتغير الثقافي الكبير ابتداء من الخمسينات فسينطبع في هذه الأندية مفهوم آخر ونسق آخر هو النسق الحداثي الذي وعى بأن هناك مؤسسة ونظاماً وأن هناك دولة وكيانية للمؤسسة الثقافية وهناك مؤسسة ثقافية يصبح النادي جزءاً منها.

في كتابي عن عبدالله الزايد بيبلوغرافيا تشير إلى أنه في سنة 1943 طرح أحد المثقفين مشكلة النادي الأدبي وأن هناك مجموعة عقدت اجتماعاً باسم النادي الأدبي وقدمت أشعاراً وتناقشوا حول قضايا كثيرة، وبعد عددين من المجلة رد أحدهم عليه، ودار سجال تقريباً بعد أربعة أعداد عن شيء اسمه النادي الأدبي، ولكن لا أحد يعلم حتى الآن ما هو هذا النادي الأدبي.

النموذج التقليدي إلى النهضوي

من النموذج التقليدي إلى النموذج النهضوي اليقظوي إلى النموذج الحداثي وإلى حد ما بعض مؤشرات ما بعد الحداثة، وستلاحظون أن الصيغة النموذجية لفكرة النادي ظلت هي الحاكمة على مدى يمتد من العام 47 إلى 70 وفي الخمسينات كان هناك قانون نفع عام تأسست من خلاله أسرة هواة الفن وأسرة فناني البحرين والجمعية التشكيلية ثم المسارح والفرق المسرحية ثم أسرة الأدباء والكتاب وإلى نهاية السبعينات إذ ظهر قانون الجمعيات الذي ضرب العمل الأهلي في الصميم وحوله إلى صيغة مختلفة، إذ حوّل المؤسسات الثقافية إلى جمعيات تعمل تحت سقف الوزارات الاجتماعية تحت وزارة التنمية الاجتماعية والثقافية تحت وزارة الثقافة والإعلام والشبابية تحت المؤسسة العامة للشباب والرياضة. ثم عندما جاءت التجربة الديمقراطية وصارت الجمعيات السياسية أصبحت تندرج تحت وزارة العدل، فإذن دخلت فكرة المؤسسة الثقافية وضعاً جديداً لا يخرج عن النموذج الحداثي، وظل ذلك حتى التسعينات فبدأت تظهر تسمية ملتقى. وأذكر أني شاركت في ثلاث تجارب تخص الملتقى: هي تأسيس الملتقى الخليجي في الشارقة وفشل بعد ثلاث سنوات، وأسسنا ملتقى داخل النادي الأهلي وقدمنا خلاله فعالية ملتقى عبدالله الزايد، وبعده بدأت مسيرة الملتقى الثقافي الأهلي. لكن قبل ذلك بسنتين كان الشاعر علي عبدالله خليفة يجمع الشعراء والمثقفين عنده، وكانت نواة المشروع أول استجابة لفكرة الملتقى، وأسسناه كذلك في أسرة الأدباء والكتاب باسم ملتقى محمد الماجد والذي استمر لفترة بسيطة ونظمناه ملتقى كبيراً على مستوى عربي.

الملتقى هذه التسمية أحدثت انزياحاً مختلفاً فنحن أشبه ما نكون في حالة تردد بين الجمعية وبين النادي وبين المؤسسة وبين الذاتية المحض. الملتقى في الحقيقة مفردة عكست الحال الذي بدأ يتكون منذ نهاية الثمانينات وهي حال تداخلت مع بعض التشظيات ومع ما دخل في حياتنا الثقافية من مفاهيم جديدة أكثر حرية مما كنا عليه في الستينات لكنها أكثر انقسامية حيث أن معظمنا تأسس داخل بوتقة فلسفية قطعية دوغمائية. ونحن أبناء الستينات والسبعينات كنا حبيسي فكر منغلق حتى نهاية السبعينات فأثرت الماركسية بقوة (التي هي فلسفة نقدية) في تاريخنا الثقافي محلياً وعربياً وعالمياً ولكنها بلاشك وضعتنا في مصفوفة صعبة من حيث التكيف مع المتغيرات وبالتالي كانت كشبح هاملت على حد تعبير جاك دريدا في كتابه «أطياف ماركس». ولكن ابتداء من الثمانينات ومع حدوث تغيرات كثيرة في المجتمع العربي ومع بدء تيارات فلسفية جديدة من بنيوية وسيميائية إلخ، تغيرت أوضاع كثيرة. والحركات السياسية العربية أيضاً انفتحت على متغيرات مختلفة وهنا في البحرين وفي الخليج بالذات شهدنا متغيرات كثيرة من أهمها على الإطلاق الحدث الديمقراطي الذي تواكب مع دخولنا الألفية الثالثة حيث ازددنا فردية وذاتية وازددنا تشظياً، وهنا تدخل بعض مؤشرات ما بعد الحداثة في نسق جديد. ولهذا فإن تجربة الملتقيات والصالونات واللقاءات المجلسية الحميمة ما عادت بمفهوم الضرورة بل بالمفهوم الحداثي الطارئ الآن، فالمجلس الذي نعقده في بيوتنا أو الذي يعقده المسئولون الكبار من وزراء أو مثقفون كبار لو ترفع عنه المجتمع لا يؤثر ولا يفقد المجتمع شيئاً، لأن هناك بدائل كثيرة في المجتمع أهم وأكثر فعالية ثقافياً وفكرياً من المجلس. لكن المجلس في القرن التاسع عشر كان مختلفاً تماماً، وعلى هذا الأساس المجالس والصالونات والملتقيات والمراكز تسميات واحدة لمفهوم الانقسام، والملتقيات الكثيرة الآن من الشباب والمثقفين كلها تدور في هذا الإطار من الفردية.

ومن هنا يأتي السؤال الذي نطرحه في خاتمة هذه المداخلة: ما هي الفاعلية؟ نحن نسأل عن الفاعلية وليس عن الذات المتفرقة، نبحث عن التجميع عن الكيفية الذاتية التجميعية وما دلالة الملتقى الآن؟ أولاً أعتقد أنه من أبلغ الدلالات أن المجتمع الآن في البحرين فيه خلل كبير من الناحية الهيكلية الثقافية، هناك خلل هيكلي أساسي في المسألة الثقافية في البحرين وفي المنطقة العربية. هذه الصيغ وهذا النموذج الأخير يعكس هذه الحالة. الحالة المترددة بين الذات والجماعة المصغرة ولا أقصد بالتردد الحيرة بل أعني المراوحة بالمعنى الثقافي. فهذه الملتقيات لا هي مؤسسة بالمعنى المؤسساتي لأن المؤسسي يعني أن أي أحد لا يستطيع أن يجترح على أحد فهذه المؤسسة الاجتماعية تحميه هي نطاقه وانتماؤه، هي هويته هي حياته هي رزقه، هي/ هو بكل ما في «هي/ هو» من اختزال، هي/ هو هذه المؤسساتية هل تعكس هذه الصالونات هذه الملتقيات هذه المنتديات هل تعكس هي/ هو. مستحيل بالعكس هي تعكس بدقة فكرة الذات والذات المتشابهة لا أكثر ولا أقل من ذلك، فنحن اليوم ثقافياً مجموعات مصغرة جداً بينها حواجز مثل الموزاييك منفصلة وإن كانت تشكل في البنية العامة بنية أساسية أو موسوعة فإذن هذه الحالة مختلفة وتعبر عن بنية مختلفة عن بنية المنتدى وبنية المجلس وهي تشكل واحداً من أكبر مظاهر الخلل في الثقافة الحديثة في البحرين.

مركز عبدالرحمن كانو الثقافي

منصورة عبد الأمير: محدثنا الثاني هو الأمين العام في مركز عبدالرحمن كانو الثقافي عيسى هجرس الذي سيتحدث عن تجربة الملتقى الأهلي بمركز كانو الثقافي.

عيسى هجرس: إذا تحدثنا عن مركز عبدالرحمن كانوا، فإنني أرى أن المركز كان فكرة وتأسس كملتقى في يوم من الأيام، ثم وصلت إلى ذروة الانفتاح، وانطلق هذا المنتدى من الإحساس بأهمية المجالس والمنتديات والتي امتدت من القديم إلى أن وصلت إلى مرحلة السبعينات حيث الأندية التي كانت في مناطق البحرين والتي كانت فيها تكتلات ثقافية. فلم يكن النادي للرياضة وإنما كان هناك جناح ثقافي نشط جداً، وكان أحياناً يتفوق على النشاط الرياضي، والذي شجع هذا الاحتضان أنها أندية صغيرة تحتضنها القرى والأحياء وكل واحد من أعضاء النادي لديه مفتاح، لا يغلق النادي موظف بل أحد الأعضاء. وكان انتماء الناس للنادي كانتمائهم للبيت فالأندية كانت مفتوحة للصباح، وتمارس نشاطاً ثقافياً، والنشاط الثقافي ينتهي في المساء وتستمر الأنشطة الثقافية حتى الصباح بكل أنواع الثقافة من مسرح وقراءة وشعر وتجمعات مختلفة. وجاءت الضربة الكبيرة التي قصمت ظهر هذا النشاط تماماً وهو دمج الأندية، وأن هذه الأندية الصغيرة لم تعد تفي بتطلعات الشباب الثقافية والرياضية وهذه ضربة للثقافة، فتم عمل أندية نموذجية وانتقل الشباب للأندية النموذجية، واختفى النشاط الثقافي الذي كان نشطاً في هذه الأندية الصغيرة وصارت الأندية خالية مقارنة بما كانت عليه سابقاً كخلية نحل. النادي الأهلي كان أحد الأندية الأهلية النموذجية الرياضية والتي هي خاوية ثقافياً حتى مرحلة معينة، ولم يكن هناك نشاط ثقافي لامع ولكن تجربة الملتقى الثقافي الأهلي تجربة رائدة بمعنى الكلمة، وذلك حينما يلتقي رأس المال الجبان الذي عادة لا يشتغل بالثقافة ويأتي الجناح الثقافي الذي يمثله نخبة من الشباب كجناحين يلتقيان في جسد واحد. وعبدالرحمن كانو حالة رائدة، تتجلى في أن يُسخّر أحد المادة لأجل الثقافة، ليس لأنه احتضن مجموعة من المثقفين، بل بنى مركزاً ثقافياً كاملاً، في قلب النادي الأهلي، إذ استأجر قطعة أرض في النادي الأهلي وبنى عليها مركز عبد الرحمن كانوا الثقافي. وظل النادي خاوياً حتى بدون ألعاب، وتتلاقى الصدف في الجمع بين رأس المال بالثقافة، علي عبدالله خليفة بعبد الرحمن كانو فيتم الاستفادة من ديوانية بوراشد كجزء من مركز عبدالرحمن كانو في قلب النادي الأهلي وتكون فيها الملتقى الثقافي الأهلي وتم فيها عقد مجموعة من الاجتماعات. وتأسست فكرة الملتقى الثقافي الأهلي، ليس كملتقى نخبوي بل اختزل المشهد في كل الأطياف وهذا ما جعله يستمر لمدة 20 سنة من النشاط والنجاح لأنه بنى أساسه على منبر مفتوح لكل الطوائف لكل المشارب الثقافية، لكل شاعر ولكل نوع من الفن في برنامج أسبوعي استمر حتى الآن وحافظنا على أن يرتاده الأعضاء المسجلون وغير المسجلين، ولا يعنينا سوى ممارسة الثقافة، وأعطينا الجميع حقهم من ممارسة الثقافة بغض النظر عن المستوى، وهذا المنبر الحر كسر الحاجز بين أطياف المجتمع تماماً، والملتقى لم يغلق أبوابه حتى في شدة الأزمة حتى نؤكد على قوة اللحمة بيننا، وحين نجلس في الملتقى نضع كل شيء وراءنا، والملتقى كان صاحب الريادة في نشر المشروع الإصلاحي، وقد أقمنا ندوة كان الناس ينتظرونها من ربع قرن، والتي على أساسها كانت هناك تبعات كثيرة، وأشهرنا الملتقى رسمياً. بعد خروجنا من موقع النادي الأهلي، ظل الملتقى محافظاً على النشاط الفكري والسياسي إلى أن تبلور المشروع الإصلاحي، ثم انعزلنا قليلاً عن السياسة وتركناه للجمعيات السياسية، وكان الملتقى هو الوحيد الذي لم يكن يحتاج لترخيص في أي فعالية، وهذه ثقة عالية كان يتمتع بها الملتقى المتمثل في شخص عبدالرحمن كانو وعلي عبدالله خليفة، ندوات مفتوحة للجميع وكل يسمع صوته ولا تحتاج إلى أي ترخيص. الملتقى عبر هذه السنوات تصدى لكل قضية تهم الناس لأي إنسان قدم منجزاً، لأي أناس أحبوا أن يكونوا طيفاً شبابياً، بل قد تعاملنا مع كل الجاليات بكل تفاصيلها في البحرين، وجذبناها إلى الملتقى وأصبحت من جماهيرنا، بالتواصل وإلغاء الحواجز بين الناس؛ ما جعل الملتقى إلى اليوم يحافظ على المشوار بعكس بعض الملتقيات التي لازالت نخبوية والحديث فيها لشرائح معينة.

صالون عصمت الموسوي الأدبي

منصورة عبدالأمير: ننتقل الآن للكاتبة والصحافية عصمت الموسوي والتي لها تجربة خاصة فهي أنشأت صالوناً ثقافياً خاصاً في منزلها منذ سنوات.

عصمت الموسوي: أنا قادمة من بيت في أي لحظة يصنع مجلساً ثقافياً، فرب بيت شعر يتحول إلى نقاش أو جملة بليغة تجتمع عليه العائلة، فأنا أتيت من هذه الأسرة التي أثرت فيّ، وكنت إحدى المشاركات في مجلس الشيخة مي حينما أسسته في التسعينات، ومجلس أحمد المناعي الذي امتد على مدى سنوات ولا يزال المجلس حاضراً، والذي أول ما ابتدأ بدأ بمناقشة كتاب، بعدها تطور إلى نقاشات مختلفة يحضرها الأكاديميون والشعراء وهو محدود ولكنه كان مجلساً ثقافياً. ومن هذه المجالس الثقافية استقيت فكرة تشبه هذه المجالس وهي أن نلتقي حول كتاب، فقد كنت أجد أن هناك الكثير من الكتب المهمة التي تطرح في الساحة قديمة أو حديثة ذات قيمة هذه الكتب التي حين تصدر لا تجد من يناقشها. ورواد هذا المجلس هم مجموعة متعددة ومتنوعة ومعنية بالثقافة والصحافة، فأحدهم يقرأ كتاباً والبقية تلتف حول هذا الكتاب بالتعقيب، إذ يتاح لهذه المجموعة من سقف الحرية الشيء الكثير. وهذه المجالس تتيح للكثير من الناس الذين ربما يخجلون من التعامل مع الإعلام المشاركة بحرية، ويجدون في هذا المكان فرصة للحديث بعيداً عن الكاميرات وبعيداً عن الحالة الرسمية. هذه الفعالية مما لاشك فيه جاءت في فضاء الانفتاح السياسي منذ 2002م التي كانت تمثل انفجاراً لحرية الرأي غير المعهودة، وأنا نتاج هذه الأجواء. وخرج هذا النادي من يدي ليتحول إلى ناد إلى جميع مرتاديه، وحين تلفّت وجدت أن الكثيرين مثلي عندهم مثل هذه التجربة التي يحرص عليها الجميع. وكانت هذه التجربة تخدمني ككاتبة صحافية في عمودي اليومي ولازالت، ولدي مكتبة ومجلس كبير ومن الخسارة أن يظل مغلقاً فنجتمع فيه على مائدة كتاب، ولا نبتغي غير سعادتنا الثقافية. بشكل عام هذا المنتدى يصب في المسار الذي سارت عليه البحرين، ونحن بنات البحرين وأبناءها قادمون من هذا المسار.

مركز كرزكان الثقافي

منصورة عبدالأمير: الآن لدينا مداخلة من صالون ثقافي مختلف قليلاً، هو صالون مركز كرزكان الثقافي الذي يحدثنا عنه نائب رئيس المركز ورئيس اللجنة الثقافية محمد بوحسن.

محمد بوحسن: مركز كرزكان الثقافي تأسس 1968 كان مدرسة في الأساس ومن خلال تكوين إداري رياضي وثقافي وعليه فقد تكونت لجنة تهتم بالشؤون الثقافية ونشأت المكتبة كرافد ثقافي للأعضاء المهتمين بالثقافة، وبدأ يتطور النشاط الثقافي وبدأت الحلقة الثقافية تنشط عبر أمسيات ثقافية واسكتشات مسرحية ومن ثم انطلقت هذه إلى مدى أوسع للمشاركة في المهرجانات المسرحية على مستوى الدولة بالإضافة إلى المسابقات الثقافية مع الأندية. ومن خلال هذه المشاركات بدأت الحركة تتوسع، فكانت هناك لجنة ثقافية مختصة ونشطة تنظم أمسيات ثقافية سردية وشعرية ونقدية وتساهم في المهرجانات الثقافية المختلفة.

بعدها بدأت فترة المداخلات، بمداخلة من الباحث والأكاديمي محمد حميد السلمان أشار فيها إلى أن البحرين هي الوحيدة التي تدمج الثقافة بالرياضة لأن الثقافة ضرورة مجتمعية.

وأضاف: من واقع زياراتي ومشاركاتي في الصالونات والأندية الثقافية سواء في المملكة العربية السعودية أو الكويت فإن البحرين رائدة وكانت المجالس فيها تقوم على أيدي العلماء والشعراء أساساً، مثل أبو جعفر الخطي الذي كانت له مداخلات عدة، وغيره، ولكن للأسف أن تلك المجالس كانت لها صبغة دينية فقط على شاكلة مسائل فقهية وفتاوى ولم تدخل في الإطار الثقافي الذي نتعارف عليه وظلت محصورة ومؤطرة في الإطار الديني، والتي كانت موجودة في القرن السادس عشر والسابع عشر، ثم جاء مجلس الشيخ إبراهيم بالمفهوم الحديث. والمجالس التي سبقت كان لها خصوصيتها الدينية، ولا نجد دوراً فاعلاً لحفظ المجتمع من التشظي الاجتماعي. أما صالونات الثقافة فمنفصلة عن المجتمع وليست بنيتها بنية اجتماعية، إذ ظلت أشبه بالصالونات المخملية لا يتغلغل تأثيرها في المجتمع، وما ينقصها التوثيق ربما لضعف التمويل أو غيره مما أثر على ضعفها داخل المجتمع، فكل ما يدور لا يسجل ولا يحفظ عدا جهود الشيخة مي في مركز الشيخ إبراهيم.

هل علينا أن نقرأ الملتقيات الثقافية ونعيد هيكليتها من خلال أصحابها وإداريها أم على أيدي النخب الثقافية المتخصصة أم نترك للنخب الثقافية أن تتغلغل داخل هذه الصالونات وتعيد هيكلتها ووضعها على الخريطة الثقافية الاجتماعية.

الصالونات الإلكترونية

وفي مداخلة حبيب حيدر قال: حاول إبراهيم غلوم التأسيس لفكرة الصالون الأدبي من خلال فكرة مجالس القضاة، واستقراء الشأن العام «المجال العام» مما كان يدور فيها عبر قراءة المصنفات التي خرجت من هذه المجالس.

وهذه الصيغة من المجالس كانت موجودة وشائعة في البحرين ومنها الصيغة الحوزوية ومجالس علمائها والتي كانت تسمى مدارس بحسب تتبع الشيخ المكباس؛ فمدرسة في جدحفص، وأخرى في الحجر، وثالثة في الدراز، التي كانت مجالسها سجالات ومسائل مختلفة كثيرة، ومحط أخذ ورد. وكانت أمهات المسائل الثقافية الشائعة في تلك الأيام تعالج في هذه المدارس، وكان العالم هو نموذج المثقف القديم وتلك هي قضاياه وانشغالاته، أما نموذج المثقف الحديث فاختلفت رؤاها وقضاياه.

إذا كان نموذج المثقف في الشرق قديماً هو عالم الدين، فإن نموذج المثقف في الغرب هو الفيلسوف الذي يغير المجتمع، وطبيعة السياقات والبنى الاجتماعية عادة مختلفة، من مكان لآخر ومن ثقافة لأخرى.

ما ذكره غلوم حول صيغة المجالس والصالونات الحديثة إنما تعكس تاريخانيتها وارتباطها بالثقافة الشائعة في فترة تأسيسها وهي فترة النهضة العربية، والتي تعكس آمال هذه المجموعة المثقفة التي تطمح للتغيير الاجتماعي، وأصبحت مفردة المجلس يمكن أن تقرأ ثقافياً، من خلال انشغالات الناس، وحبهم للتغيير وتوقهم لذلك، لكن تسوير نصوص القانون وما يسمى بتغول الدولة على مثل هذه المؤسسات من منتديات ومجالس وملتقيات هو ما حرمها من القدرة على تمثيل آراء الناس وصياغة رؤاهم، وانحسرت الحالة المدنية بحرمان هذه المؤسسات من القدرة على التغيير.

وفي هذه الفترة توجد مثل هذه المجالس والمنتديات والملتقيات ولكنها صارت تساير المسموح وتخاف أن تتجاوزه، من هنا ظهرت المنتديات والتجمعات الإلكترونية مع فترة ما بعد الحداثة في القدرة على جمع الناس والآراء المختلقة والمؤتلفة متجاوزين المكان والزمان بل والايدلوجيا وصار هذا العالم الافتراضي الوهمي قادراً على التأثير في العالم الواقعي فكيف يكمن قراءة هذا الواقع الافتراضي وقدرته على التغيير سوسيولوجياً في مقابل تمنُّع الواقع واستعصاؤه على التحول والتغيير بالأدوات القديمة.

انحسار الدور الثقافي

عضو مسرح الريف الفنان علي باقر تحدث عن أسباب انحسار الدور الثقافي مُرجعاً ذلك إلى توجه النوادي إلى الرياضة كأولوية، وصرف الميزانيات على الرياضة فقط، وكان سعي إدارة الشباب والرياضة إلى بناء جسم الإنسان لا عقله، وبالتالي صب هذه الميزانيات جعل عدداً كبيراً من الأعضاء يهتمون بالجانب الرياضي وينحسر الجانب الثقافي شيئاً فشيئاً حتى يكاد يندثر ويتنفس ببطء جداً، بالإضافة إلى عدم تسليط الاهتمام بالدور الإعلامي، عدم التنوع في البرامج للملتقيات الثقافية.

التغيير لا يأتي من قمة الهرم

أما الكاتب عبد الرسول درويش، فأشار إلى أن التغيير لا يأتي دائماً من قمة الهرم بل من القاعدة، فمن أهم أسباب الثورة الفرنسية 1789 كانت الصالونات والمجالس التي تعقد في كل مكان حتى في الحانات ويحضرها فلاسفة من مثل جوتة، وفولتير، وكانت تصنع التغيير وبقدر التغيير في القاعدة يتغير الهرم وقد أدت هذه الصالونات إلى تغييرات هائلة جداً، وحالياً تعقد المجالس بصورة مختلفة، بصورة إلكترونية، ولي أن أتساءل هل تم التوافق وربط هذه المنتديات على الأرض بالمنتديات الإلكترونية؟

غياب الفعل النقدي

في رده على مداخلات الحضور، قال إبراهيم عبدالله غلوم: هكذا يفتتح ملف وما إن يتم تلمس المشكلة يتم سريعاً الخروج منها، وبالتالي تفقد فاعليتها، أقدر أن الملتقى الأهلي الثقافي من التجارب الرائدة المثمرة والمؤثرة، ولكن المشكلة أن كل القضايا التي تطرح في المنتدى أفقية، لا يوجد فيها أي شيء عمودي، أي كتاب تناقشه لا أحد يناقشه بفعل نقدي، لا يتمّ تحويل هذا الرأي إلى فاعل، لا يمتد الكلام على هذا الكتاب من هذه الساعة من هذه اللحظة إلى ما بعدها، وهكذا كل الفعاليات والصالونات، والمجالس التي تكلمنا عنها عبارة عن هويات مصغرة أفقية في ذاتها بما هي هي، وعندها وَهمٌ أنها تحاور الآخر، ولكنها تحاور نفسها.

وحين أستعرض هذا النموذج الأخير والثالث الذي يتراوح ما بين الحداثي وما بعد الحداثي أرى أن ما قاله الأخ حبيب يصب في الموضوع نفسه وهو من أبعد ما في إشكالياتنا من مؤشرات لها صفة التقويض للحياة الثقافية وهي تمتص أدنى الفعالية في حياتنا الثقافية، لا تظنوا أن هذه الحريات التي نمتلكها في مواقعنا الإلكترونية والملتقيات الافتراضية في بيوتنا أو صالوناتنا لا تظنوا أن هذه لها فاعلية ثقافية على الإطلاق.

الفاعلية الثقافية تعني أنه لابد أن يكون هناك وعي نقدي منتج ومستمر، النقد هنا بالمعنى الفكري والفلسفي، وليس بمعنى الانتقاد السطحي. أنا أعتقد وفي السياق الذي عرضته أن تجربة مجلس الشيخ إبراهيم، وتجربة أسرة الأدباء والكتاب في العشر سنوات الأولى فقط هي التجارب الفاعلة ثقافياً وما بعد ذلك هو في الحقيقة ترجيع وترديد ومراوحات، والآن ما نرثه في حياتنا الثقافية من مشاكل تم استعراضها مثل تراجع الثقافة في أندية الريف تراجع المسارح وتراجع جمعيات الفنون التشكيلية، كل هذا لأن الجمعيات التي بدأت تتأسس من بداية السبعينات انفرط عقدها وانسجامها الثقافي الفكري كان مؤقتاً ووهمياً، لم يتجاوز بضع سنوات ثم انتهت وصارت مجرد ندوات والثقافة ليست ندوات أقرأ فيها شعراً أو قصصاً، أو أتكلم فيها عن مسرحية بالطريقة التي تحدث الآن أو أتكلم فيها عن شخصية من الشخصيات. نحن الآن في البحرين نفتقد إلى هيكل ثقافي، نفتقد لقانون يشرع للثقافة لا يوجد لثقافتنا في هذا البلد تشريعات. لا أقصد بالتشريع للثقافة وضع قيود أنا أعني المأسسة. أذكر عند ما شاركت في الرباط عاصمة للثقافة العربية كان موضوعي الذي طرحته في ندوة العاصمة «الفاعلية الثقافية في المغرب»، فاعلية زوايا المتصوفين، والاتجاهات الصوفية والحركة الوطنية، ألا تلاحظون أن المغرب تشكل بؤرة في حركة الفكر العربي، البلد العربي الوحيد الذي تعبره على الأقل 3 مدارس فكرية فلسفية ولها ملامح ولها خصوصية وأجيال متعاقبة كل جيل يستلم آخر.

انطفاء شرارات الوعي

وواصل غلوم: في فترة مهمة من الزمن بالتحديد في العشرينات والثلاثينات والأربعينات والخمسينات هذه فترة زهو عربي فكري نادر لأنه منذ كتاب علي عبدالرازق «الإسلام ونظام الحكم» عام 1925 و«الشعر الجاهلي» لطه حسين وشبلي شميل، ومجموعة أخرى من الكتابات هذه التي غرست أفكاراً نقدية تأسيسية في المجتمع. إذاً دعونا نتكلم عن بنى أساسية فكرية، ولا نتكلم عن نادٍ أو مجلة في الحائط. هذه أشياء طبيعية تقوم بها الأندية والمدرسة والروضة هذه أشياء تدخل فيما يسمى بالتنشئة والتعليم. هذا متطلب بدهي من المتطلبات الطبيعية التي توفرها الدولة في الأندية المدارس والجامعات إنها من أبده البداهة. نتكلم عن ما هو أكثر فعالية عن وضع البنى الفكرية في المجتمع التي تؤسس لماذا سيكون عليه المجتمع كيف سيكون النظام والحكم كيف ستكون الديمقراطية كيف سيكون التعليم ألا تلاحظون الآن أن التعليم الرسمي هو الهامش والتعليم الهامشي صار هو التعليم الرسمي. لا توجد مفارقة ساخرة أبلغ من ذلك هذه من أخطر الأمور التي تضرب صميم وعي المجتمع. لماذا تنطفئ شرارات الوعي الأولى بعد مرور خمس أو ست سنوات، فقد انتهت شعلة التسعينات تماماً ببعدها السياسي والفكري والتعليمي. طرحت في كتاب «المسافة وإنتاج الوعي النقدي» هذه المشكلة لا يوجد أديب أو مفكر أو صحافي ناقش سطراً واحداً من هذا الكتاب مع أن فيه نقداً لاذعاً جداً لنتاج ثلاثة عقود من الزمن ولكن لا جواب لا حياة لمن تنادي، كل يغني على ليلاه.

هناك شيء لابد أن نعيد التفكير فيه كل هذه الملتقيات والمجالس تقيم ندوات ولقاءات كثيرة ولا أحد يقول إن هذا هو الفكر وأن هذا هو الوعي النقدي. لأنها لا تطال بلوغ ذلك.

الثقافة والفكر والوعي لابد أن يكون وعياً نقدياً لابد أن تخترقها الفلسفة النقدية من رأسها إلى قدمها، الفلسفة والمنظومة المعرفية هذه التي تولّدت شرارات لها في مجتمعنا البحريني في السبعينات والنصف الثاني من الستينات وهجها لم يزد عن ست أو سبع سنوات ثم انتهى كل شيء الآن. لماذا لا تناقش هذه الإشكالية؟

كتاب مثل «طرفة بن الوردة» لقاسم حداد اشتغل عليه أربعين سنة ولم يُكتب عنه سطر واحد في الصحافة وهو كتاب يزخر بالشعرية والفلسفة بالفكر بإعادة كتابة نص بمفهوم النص الجديد، هناك كتابة واحدة فقط قدمتها عن مفهوم الامتداد والنص الجديد، واقترحت أن يتم العمل على هذا المشروع مشروع دراسة طرفة بن الوردة، لكن نحن في ثقافة محلية فقدت وعيها بمثل هذه الأسئلة والمشروعات.

العدد 4319 - الجمعة 04 يوليو 2014م الموافق 06 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً