العدد 4313 - السبت 28 يونيو 2014م الموافق 29 شعبان 1435هـ

عالم الدين والحاكم السياسي الصفوي في البحرين

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

حين كانت البحرين تحت حكم الدولة الصفوية (1602 حتى 1717 م)، كان لعلماء الدين دور قيادي بارز في المجتمع، كما رحبوا باحتضان هذه الدولة لعلماء مذهب أهل البيت ولكنهم، رغم ذلك، اختلفوا في بعض شئونهم مع الحاكم السياسي في البحرين. فكيف كانت العلاقة بين عالم الدين والحاكم السياسي في البحرين في فترة الدولة الصفوية؟

لا تبدو العلاقة بين الرجلين علاقة انسجام. عند حديثه عن الشيخ علي بن جعفر بن علي بن سليمان البحراني (توفي 1718م/ 1131 هـ)، يذكر الشيخ يوسف العصفور البحراني في كتابه «لؤلؤة البحرين» هذه الحادثة: كان الشيخ علي «زاهداً ورعاً شديد التصلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، غير مداهن للأمراء والكبراء، وقد تولّى الأمور الحسبية في البحرين مدةً، إلا أنه لما هو عليه مما ذكرناه حسده بعض أمراء البلاد فكاتبوا عليه السلطان الأعظم شاه سليمان، ورموه بما هو برئ منه، فأرسل له من أخرجه مقيداً مصفداً إلى أن وصل إلى كازران، فحصل من بلغ حقيقة الأمر إلى السلطان وأخبروه بحقيقة حال الشيخ المزبور فأرسل عاجلاً أن يخلى عنه ويطلق، فجلس في كازران وتوطن بها مدة مديدة وربما رجع إلى البحرين بعض الأوقات بعد مضي مدة مديدة من تلك الواقعة المتقدمة، ثم رجع إلى العجم... وقد توفي الشيخ علي هذا في كازران».

تلقي هذه الحادثة بعض الضوء على طبيعة العلاقة التي كانت قائمةً بين عالم الدين والحاكم في البحرين. فالشيخ لم يكن «مداهناً» للأمراء، ولذلك لفّقوا له تهمة ووشوا به عند الشاه الصفوي وذلك للتخلص منه. تصلّب الشيخ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفهم منه أن الحاكم كان كثير التجاوزات، ما كان يوجب التصدّي له ومواجهة أفعاله. وما يؤكد عدم التجانس بين علماء الدين والحكام السياسيين في فترة الحكم الصفوي هو تكرار وصف العلماء الذين تولوا الرئاسة الدينية (القضاء والأمور الحسبية وغيرها) في البحرين بأنهم كانوا شديدين على الحكام وفي ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يصف الشيخ يوسف البحراني الشيخ علي بن سليمان البحراني القدمي (ت 1653م/ 1064 هـ)، بأنه «قمع أيدي الحكام وذوي الفساد في تلك الأيام وبسط بساط العدل بين الأنام ورفع بدعاً عديدة قد جرت عليها الظلمة». نفس العبارات ترد في وصف السيد هاشم التوبلاني (ت 1695م/ 1107هـ)، حيث يقول الشيخ يوسف «قمع أيدي الظلمة والحكام، ونشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالغ في ذلك وأكثر، ولم تأخذه لومة لائم في الدين، وكان من الأتقياء المتورعين، شديداً على الملوك والسلاطين».

هذه المواجهة بين عالم الدين والحاكم السياسي تذكّر بمواجهة علماء الدين في الدولة الصفوية نفسها لأخطاء الحكام الصفويين. فمثلاً، لم يقبل الشيخ الكركي بأخطاء الشاه إسماعيل الصفوي وقد أدت المواجهة بينهما لإبعاد الكركي إلى النجف الأشرف. كما أن سوء العلاقة ساهمت في هجرة الشيخ حسين بن عبد الصمد بن محمد الحارثي الهمداني العاملي الجبعي (والد الشيخ البهائي) إلى البحرين، كما يرى ذلك البعض، بعد أن كان قد تولى مشيخة الإسلام في الدولة الصفوية. يبدو أن هذه العلاقة غير المنسجمة بين العلماء والحكام كانت هي السمة الغالبة حتى أن العكس كان يعد من المؤاخذات. عند حديثه عن السيد نعمة الله الموسوي الشوشتري، يذكر الشيخ يوسف البحراني أنه «كان كثير الصحبة للأكابر والسلاطين، عزيزاً عندهم، وقد طعن عليه بذلك بعض فضلاء من تأخر عنه».

على الرغم من العلاقة غير المنسجمة مع الحاكم السياسي، مثلت الدولة الصفوية بالنسبة لعلماء البحرين الملاذ بما كانت تضمه من علماء ومدارس دينية. يتضح ذلك من خلال موقفين للشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني يذكرهما الشيخ يوسف البحراني. درس الشيخ القدمي في البحرين على يد الشيخ محمد بن حسن بن رجب ثم سافر إلى إيران وحضر هناك درس الشيخ البهائي (العالم اللبناني المشهور وشيخ الإسلام في الدولة الصفوية)، وأخذ منه علم الحديث وجاء ونشره في البحرين. حينها جاء أستاذه السابق الشيخ بن رجب وصار يحضر دروسه في علم الحديث، وحينما سئل عن ذلك أجاب «إنه قد فاق علي وعلى غيري بما اكتسبه من علم الحديث». هنا يتضح دور الدولة الصفوية كمصدر معرفي لعلماء البحرين ويصبح التعامل معها مصدراً من مصادر التفوق والتطور في مجال العلم الديني.

وفرت الدولة الصفوية للشيخ القدمي المعرفة الدينية التي سمحت له ليكون أستاذاً لمدرسه السابق الشيخ بن رجب ما يعكس المستوى المعرفي الديني الذي وصلت إليه المدارس الدينية في الدولة الصفوية وأهلها لتكون المرجعية الدينية لمناطق أخرى كالبحرين. يذكر الشيخ يوسف العصفور البحراني موقفاً آخر أيضاً حصل للشيخ علي بن سليمان القدمي مع الشيخ أحمد بن الشيخ محمد الأصبعي ويبرز مرجعية الدولة الصفوية بالنسبة لعلماء البحرين. اختلف العالمان القدمي والأصبعي في مسألة شرعية ما، وللتعرف على الرأي الصائب «كتبا بذلك إلى علماء شيراز وأصفهان فوافقوا الشيخ أحمد وخطّأوا الشيخ علي». الرجوع لعلماء شيراز وأصفهان يبرهن على مرجعية الدولة الصفوية في تلك الفترة. فالشيخان القدمي والأصبعي من العلماء الفقهاء المعروفين في البحرين ومع ذلك يرجعون للعلماء في الدولة الصفوية لحل الاختلاف بينهما، ما يوضح المستوى الذي وصل له العلم الديني في الدولة الصفوية ومدى ارتباط علماء البحرين بهذه الدولة من الناحية الدينية.

بالإضافة إلى المرجعية الدينية، مثلت الدولة الصفوية في فترة استيلائها على البحرين، الدولة الإقليمية الحامية للبحرين من الاعتداءات الخارجية، الأمر الذي سمح بعلاقة ما مع علماء الدين في البحرين لمركزية دورهم ونفوذهم في المجتمع. يذكر الشيخ يوسف حين حديثه عن الشيخ عبدالله بن الحاج صالح بن جمعة السماهيجي (ت 1723م/ 1135هـ) أنه وبسبب الاعتداءات العمانية على البحرين للاستيلاء عليها، سافر الشيخ السماهيجي إلى أصفهان في مقدمة وفد من البحرين لملاقاة الشاه حسين الصفوي وذلك طلباً للمساعدة في صد الهجوم العماني. هذا الموقف يبرز دور عالم الدين كقائد مجتمعي يسعى لخلاص بلاده من جهة، كما يبرز، من جهة أخرى، ارتباط البحرين بالدولة الصفوية من الناحية السياسية وما كانت تمثله تلك الدولة كقوة حامية للبحرين.

خلاصة القول، رغم ما يبدو من استياء في علاقة عالم الدين في البحرين مع الحاكم السياسي التابع للحكم الصفوي، إلا أن ارتباط عالم الدين بالدولة الصفوية كان ينطلق مما توفره الدولة الصفوية للبحرين من مرجعية دينية وحماية من الاعتداءات الخارجية. هذه العلاقة تشبه إلى حد كبير علاقة العلماء الكبار الذين عملوا في المؤسسة الدينية الخاصة بالدولة الصفوية مع الشاه، إذ رغم الخلافات التي كانت بين العالم والشاه، إلا أن الدولة الصفوية، رغم كل سلبياتها، كانت توفر المرجعية الدينية والحماية السياسية للتابعين لمذهب اهل البيت.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4313 - السبت 28 يونيو 2014م الموافق 29 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً