عندما بدأت الأمم المتحدة التفاوض على إقتراح وضع مدونة سلوك للشركات عبر الوطنية في السبعينات، لم ينجح هذا الاقتراح في الإقلاع عن الأرض بسبب المعارضة المتعنتة من قبل كل من قطاع المال والأعمال صاحب النفوذ القوي وحلفائه الغربيين.
لكن خطوة جديدة لإحياء هذا الاقتراح - من خلال إبرام معاهدة دولية جديدة ملزمة قانونيا لمساءلة الشركات عبر الوطنية للمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان- قد تكتسب زخما جديدا في الدورة الحالية لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف هذا الأسبوع.
ومع ذلك، يبدو أن الإقتراح يقف أمام تكرار نفس المشهد السياسي الذي ساد في السبعينات: معارضة قوية من قبل المصالح التجارية والدول الغربية، هذه المرة على وجه التحديد من جانب الـ 28 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
عن هذا، صرح ينس مارتنز -مدير المنتدي السياسي العالمي أوروبا- لوكالة إنتر بريس سيرفس، أن هناك نقاشا ساخنا يدور الآن في مجلس حقوق الإنسان حول إنشاء فريق عامل حكومي دولي للتفاوض على وضع صك ملزم قانونا بشأن الشركات عبر الوطنية.
وأضاف: "لذا، فإن المناقشة الحالية ليست حول مضمون مدونة أو معاهدة قواعد السلوك، ولكن على مسارها... هناك حاليا مشروعي قرار قدما في دورة مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
واحد منه مقدم برعاية الإكوادور وجنوب أفريقيا ويطلب من مجلس حقوق الإنسان إنشاء فريق العمل الحكومي الدولي المشار إليه، وهو الإقتراح الذي تدعمه الدول النامية في مجموعة 77 (G77) وتحالف يضم أكثر من 500 منظمة غير الحكومية،
ويطالب مشروع القرار الثاني، برعاية النرويج وروسيا والأرجنتين وغانا ودعم مجموعة العمل القائمة المعنية بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، بتمديد ولايته ثلاث سنوات أخرى، وهو ما تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن أطراف أخري.
فقال مارتنز -الذي شارك في إعداد الدراسة الأخيرة "تأثير الشركات على الأعمال وجدول أعمال حقوق الإنسان اللأمم المتحدة"- "لقد كانت الشركات الفاعلة ناجحة للغاية في تنفيذ استراتيجيات العلاقات العامة التي ساعدت على تصوير مؤسسات الأعمال علي أن شركات لمواطنين صالحين".
وشرح لوكالة إنتر بريس سيرفس أن الشركات قدمت أيضا الانطباع بأنها "تسعى للحوار مع الحكومات والأمم المتحدة والأطراف المعنية، وقادرة على تنفيذ المعايير البيئية والاجتماعية ومعايير حقوق الإنسان من خلال مبادرات المسؤولية الإجتماعية الطوعية للشركات".
وأفاد مارتنز أن المباديء التوجيهية التي صاغتها الأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، والتي أعلن عنها بتهليل صاخب، أصبحت تعتبر نهجا يزعم البراغماتية وقائم على التوافق والحوار والشراكة مع قطاع الشركات، وذلك على النقيض من النهج التنظيمي لمساءلة الشركات.
ومن جانبه، صرح البرتو فياريال -الناشط في حملة أصدقاء الأرض أوروغواي- لوكالة إنتر بريس سيرفس أن الإقرار بالنشاط البيئي في جميع تعبيراته كدفاع شرعي عن حقوق الإنسان " يمكن أن يسهم في نضال المدافعين عن الحقوق البيئية والحفاظ على سلامتها".
وفي غضون ذلك، وضعت منظمة Global Exchange الدولية لحقوق الإنسان ومقرها لندن، قائمة بـ "أكبر 10 شركات مجرمة " متهمة إياها بالتواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان والبيئة. وتشمل القائمة شركات: Shell/Royal Dutch Petroleum, Nike, Blackwater International, Syngenta, Barrick Gold و Nestle.
كما تشمل التهم الموجهة للشركات، أحوال العمل غير الصالحة للعيش لعمال المصانع، والافتقار إلى حقوق العمال، والتلوث، وعمالة الأطفال، والممارسات غير العادلة، والتمييز، وتدمير أراضي السكان الأصليين للتنقيب عن النفط وعمليات التعدين.
هذا وقد صرحت آن فان شيك، الناشطة في مجال المساءلة بمنظمة أصدقاء الأرض أوروبا- أن العديد من الدول تدعم قرار وضع معاهدة ملزمة، لكن الاتحاد الأوروبي حذر أنه إذا تم إعتماد مثل هذا القرار فسوف يرفض مناقشته.
وأضافت لوكالة إنتر بريس سيرفس:"هذا يعني أن الاتحاد الأوروبي يقاطع بالفعل مجلس حقوق الإنسان، ويدافع عن مصالح الشركات لا عن حقوق الإنسان".
وردا على سؤال عن ما إذا من المتوقع أن يتخذ مجلس حقوق الإنسان قرارا في هذا الشأن في دورته الحالية، أجابت "لسنا متأكدين ما اذا كان سيتم حل هذه المسألة بحلول يوم الجمعة"، أي موعد إختتام دورة المجلس الحالية.
وشرحت الناشطة بمنظمة أصدقاء الأرض أوروبا أن "نهج الانسداد الشديد" هذا الذي يتبعه الاتحاد الأوروبي يعني أنه لن يشارك في المسار الحكومي الدولي لوضع معاهدة إذا ما أتخذ قرارا في هذا الإتجاه، "مما يقوض بالفعل عملية صنع القرار الديمقراطي في الأمم المتحدة".
وقالت آن فان شيك لوكالة إنتر بريس سيرفس، أن مشروع القرار النرويجي ينص علي ضرورة فتح باب النقاش بشأن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان المتصلة بالأعمال التجارية على جدول أعمال منتدى قطاع الأعمال وحقوق الإنسان، وهذا يعني أنه في دورة هذا الأسبوع ستكون هناك مناقشة، ولكن بدون عواقب أو خطط لمتابعة لما يحدث بعد ذلك.
وفي الوقت نفسه، حثت منظمة "مراسلون بلا حدود" ومقرها باريس، مجلس حقوق الإنسان علي دعم اعتماد قواعد واضحة وملزمة بشأن المراقبة على الانترنت والرقابة التي تمارس عليها.
وشددت علي أن "الشركات تبيع التكنولوجيات للأنظمة الاستبدادية التي تتيح لها مراقبة المواطنين من خلال الانترنت.
وفي بيان لها، أفادت المنظمة بأن هذه التكنولوجيات لا تزال تستخدم في ليبيا ومصر والمغرب وإثيوبيا لممارسة عمليات الاعتقال والسجن والتعذيب، ان الشركات التي توفر هذه التكنولوجيات لا يمكنها أن تدعي أنها تجهل ذلك.