العدد 4311 - الخميس 26 يونيو 2014م الموافق 28 شعبان 1435هـ

نقش أسماء قتلى الحرب الأولى على قطع الدومينو كشواهد قبور

الوسط - فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

كثير من الأعمال المسرحية؛ أو الأعمال الإبداعية تبدأ من فكرة مجنونة. مجنونة ولكن يمكن عقلنتها بمرور الوقت والدخول في تفاصيل العمل. لا تتوقف المخيلة عن عقلنة الجنون. يصبح الجنون مع مرور الوقت عادياً. يتجاوز العادي حين يستطيع أن يتجاوز مستوياته التي كان عليها، بما هو أكثر إدهاشاً وخروجاً على المألوف. المخيلة القلقة على موعد مع ذلك. المخيلة المطمئنة بما أمسكت ستظل دون العادية، تماماً مثل آلة الزمن التي لا تستطيع الخروج على محيطها ودائرتها والعقارب التي تتحكم في دورانها وحركتها.
هنا بتصرُّف ما كتبه المخرج المسرحي جيمس ياركر، يوم الثلثاء (24 يونيو/حزيران 2014) في صحيفة "الغارديان" البريطانية:
يتوصل مقهى ستان، وهو تجمّع للفنانين ممن تتنوع اختصاصاتهم، على رغم أنهم من ممارسي المسرح في المقام الأول، ويعملون تحت إشراف فني من المخرج جيمس ياركر. يتكون المقهى (الشركة) من مجموعة أساسية من المتعاونين على المدى الطويل، ومجموعة من الفنانين المرتبطين بالشركة. وتحدث للمجموعة تغييرات في التشكيلة وفقاً للمشروع الذي يجري العمل عليه، يتوصل إلى طريقة بارعة تزاوج بين الشكل بالمضمون. ويشرح المخرج المسرحي جيمس ياركر، كيف أن شركته العاملة في المسرح تعمل على صنع شواهد مصغرة لقبور أولئك الذين لقوا حتفهم في نهر سوم (نهر في شمال فرنسا. ينبع من شرق سان كوينتين، ويتدفق على امتداد 153 ميلاً، 245 كيلومتراً، عبْر أميان إلى القناة الإنجليزية شمال شرق ميناء دييب. وكانت المنطقة المحيطة به مسرحاً لقتال عنيف في الحرب العالمية الأولى).
تستكشف ستان كافيه "الموت والدومينو ... زناد رصاصة البندقية" في مركز باترسي للفنون بلندن، مدى تأثير قطع دومينو الحرب العالمية الأولى.
في العام الماضي (2013)، دخل الكاتب المسرحي والسياسي الصربي نيناد بروكيك في مواجهة مع الفيلسوف كارل بوبر، في الوقت الذي اعترف بأن إصبعاً صربية قد ضغطت على الزناد الذي منه بدأت الحرب العالمية الأولى، وسأل: "من الذي وضع الرصاصة في المسدس؟".
عندما قدَّم لنا مهرجان لندن الدولي للمسرح "بعد حرب" فرصة لقاء بروكيك للرد على سؤال بوبر، أصبح دورنا العثور على صيغة مجاز من شأنها أن تدعم بشكل أفضل نصه. هذا السعي لمواءمة النموذج مع المحتوى أمر أساسي لنهجنا. في "السعر العادل للزهور"، حيث الوقوف في طابور للحصول على قروض الرهْن العقاري من أجل المساعدة في فهم الأزمة المالية العالمية. و "في كل الشعب في كل العالم"، حبات الرز التي تمثّل الناس، ساعدتنا على التواصل مع الإحصاءات السكانية. وكان بإمكان العملية أن تعمل في كلا الاتجاهين - شكل ما يمكن أن يشير إلى المحتوى. ولكن في هذه الحالة لدينا محتوى، يحتاج إلى اقتناص الطريقة الأكثر أناقة في تقديمه.
في سراييفو إصبع تسحب الزناد ورصاصة من بندقية تُرْدي رجلاً؛ ذلك السقوط تبدأ منه سلسلة من ردود الفعل لدى الآخرين انتشاراً في جميع أنحاء أوروبا. إنها بوضوح صرخات عن تداعٍ كبير للدومينو.
التحدي الأول بالنسبة إلينا هو لوجستي. كيف نتمكن من الإمساك بآلاف من قطع الدومينو وهي في طريقها مندفعة إلى التهاوي؟ سألنا أكاديمية واشوود هيث، وهي واحدة من المدارس الشريكة لنا، ولديها قسم عظيم للتكنولوجيا. وافقت على تخفيض نسبة الألياف متوسطة الكثافة المكوّنة للدومينو كجزء من يوم يكرس لموضوع التعلم عن الحرب العالمية الأولى. يقوم الطلاب بنقش أسماء الجنود الذين قتلوا على نهر السوم على قطع الدومينو ويحولونها إلى شواهد قبور مصغرة قبل أن يتم عرضها في قاعة الرياضة. خمسة عشر ألفاً من قطع الدومينو منتصبة ومعظمها انهار.
نتعلم الكثير عن الزوايا والعُقَد، وفواصل السلامة، وسرعة البناء ومدى صعوبة أن يبقى كل ذلك مُتقناً ومُحْكماً عندما ينال منا التعب.
انهيار الوقت سيكون مفتاحاً؛ كتب بروكيك نصاً يمكن أن يُقرأ من خلال الانهيار نفسه للدومينو. وأظن أنه ستكون هنالك حاجة إلى اختزال النص، ولكن إلى الآن ليست لديّ أدنى فكرة إلى أي مدى سيكون ذلك.
بعد أن تم تناول الآليات الأساسية في النص، تُستأنف الجماليات باعتبارها مصدراً للقلق. كيف يمكن للممثلين والدومينو المشاركة معاً في المسرح؟ في الأصل، تخيلت ثلاثة ممثلين يتآمرون حول طاولة، في حين يقوم اثنان من الفنانين بتنظيم قطع الدومينو على الطاولة؛ العالمان سيكونان منفصلين، ولكنهم يتمكنون من التحدث إلى بعضهم بعضاً. كم هي مملة ومحدودة.
تجارب الأداء تتطلب فرصاً جيدة لاختبار بعض الأفكار. نقوم بدعوة الممثلين الفاعلين المحتملين إلى تشكيل مجموعات ثلاث والمحاولة في أشياء مختلفة. وبدلاً من وضع الدومينو على الطاولة سنقوم بوضعها وسط المسرح، وفجأة يمكنني تخيّل قطع الدومينو وكأنها خريطة أوروبا؛ حيث على الأبطال أن يذرعوا المكان ويتجادلوا.
سيشكّل هذا بوضوح تحدياً. نحن لا يمكن أن نحظى بممثلين يمشون على رؤوس أصابعهم ليشقوا طريقهم بين قطع الدومينو. يجب أن يكونوا واثقين، ومتغطرسين أيضاً. ولكن أي سقوط لأي قطعة من الدمينو فإن سلسلة الانهيار ستبدأ، كرد فعل كارثي، سيعمل على تدمير العرض.
التوتر جيد، ولكننا نعرف بأننا سنتمكن من التحكم في الكيفية التي يعمل بها ذلك التوتر.
إذا أصبحت الجماهير قلقة جداً من انهيار الدومينو في وقت مبكر، فإنهم حينئذ سيصرفون أذهانهم عن السيناريو.
يمكن أن نجد أنفسنا مخفقين، سنكتشف ذلك من خلال جهاز استشعار داخلي بنا ينظم العملية. وأظن أن هذا هو اللغز التي لا يمكن حلّه إلا في غرفة تجربة الأداء.
تقاسم المسرح مع آلاف من قطع الدومينو هو احتمال مخيف، ولكن في كتابي، هو على الأرجح الشيء المخيف الذي يستحق القيام به على الإطلاق. سنكتشف ما اذا كان فاعلاً يوم السبت في مركز باترسي للفنون.
يُذكر، أن الفيلسوف كارل بوبر، إنجليزي من أصل نمسوي. ولد في فيينا في 28 يوليو/تموز 1902 وتوفي في 17 سبتمبر/أيلول 1994 في العاصمة البريطانية (لندن). متخصص في فلسفة العلوم. عمل مدرساً في كلية لندن للاقتصاد. يعتبر بوبر أهم وأغزر المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين كما كتب بشكل موسَّع عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية.
والداه يهوديان بالأصل لكنهما تحولا إلى الديانة المسيحية، إلا أن بوبر يصف نفسه باللاأدري. درس الرياضيات، التاريخ، علم النفس، الفيزياء، الموسيقى، الفلسفة وعلوم التربية. في العام 1928 حصل على درجة الدكتوراه في مجال مناهج علم النفس الإدراكي. في العام 1930 تزوج، وبدأ كتابة أول أعماله، الذي نُشر في صورة مختصرة بعنوان "منطق البحث" 1934 وفي طبعة كاملة العام 1979 بعنوان "المشكلتان الرئيستان في النظرية المعرفية". 1937 هاجر إلى نيوزيلندا حيث قام بالتدريس في عدة جامعات هناك، وألف كتاب "المجتمع المفتوح وأعداؤه" 1945، والذي اكتسب من خلاله شهرة عالمية ككاتب سياسي. أهم سمة تميز أعماله الفلسفية هي البحث عن معيار صادق للعقلانية العلمية. ما بين عامي 1949 ـ 1969 عمل أستاذاً للمنطق والمناهج العلمية بجامعة لندن. حصل في العام 1965 على لقب "سير".
يشار إلى أن نيناد بروكيك من مواليد العام 1954. كاتب مسرحي صربي. مدير المهرجان الدولي للمسرح في بلغراد (BITEF) وأستاذ في أكاديمية الفنون بجامعة بلغراد. أحد مؤسسي قسم الدراماتورج (وفقاً لقاموس التراث الأميركي تعني فن المسرح، ولاسيما كتابة المسرحية)، وأحد مؤسّسي "دائرة بلغراد" و "منتدى الكتاب".
تجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن نيناد بروكيك، كاتب ومخرج مسرحي صربي، ومؤسس الحزب الليبرالي الديمقراطي (صربيا) في العام 2005. أستاذ دراما القرن العشرين في جامعة بلغراد للفنون منذ العام 1995. شغل منصب مدير مهرجان بلغراد الدولي للمسرح ومسرح بيتيف لولايتين متتاليتين (1997-2005).





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً