في هذه اللحظة لا توجد قضية أخطر من قضية تأجيج الإنقسامات والصراعات المذهبية الطائفية عبر أرض العرب كلّها ودون استثناء.
في هذه الأجواء المجنونة لا يمكن الحديث عن وحدة وطنية أو سلم أهلي، ولا عن تضامن على مستوى الأمة، بل ولا حتى عن أيّ نوع من التنمية السياسية والاقتصادية، إذ سيصعب إحراز تقدُّم معقول نحو حلّ أية مشكلة بدون تعرية جسد الطائفية ومن ثم إطفاء حريقها.
لعلّ أحد المداخل لعمليتي التعرية والإطفاء هو إبراز سخف وعبثية الصراعات الطائفية، وذلك من خلال الرجوع إلى تاريخ فواجع الانقسامات والخلافات الفقهية المذهبية حتى يتبيّن لجيل الأمة الحالي حقيقة ما جرى في الماضي الذي يراد له، بانتهازية شيطانية، أن يحكم الحاضر والمستقبل.
لنتمعن، باختصار شديد، في بعض ما يكشف التاريخ بالنسبة للعلاقات التي وجدت فيما بين المذاهب من جهة، أو فيما بين مدارس المذهب الواحد من جهة أخرى.
لقد اعتدى أصحاب المذاهب على أصحاب المذاهب الأخرى بمجرّد تحقّق الغلبة لهم وتربُّعهم على كرسي سلطان الحكم. فمثلما اعتدى الحكم الأموي أو العباسي السنّي على الشيعة، اعتدى الحكم البويهي أو الفاطمي الشيعيين على أهل السنة. لم يستطع نظام حكم أصحاب مذهب أن يتعامل بعدل وإنصاف وتسامح مع رعايا مذهب آخر.
فمثلما أخرج غوغاء أهل السنّة في دمشق رجلاً متشيّعاً كأبي عبدالرحمن النّسائي من المسجد وداسوه حتى الموت لأنه تجرّأ ومسّ بكلامه الخليفة الأموي، ومثلما كان الجنود السنّة في القاهرة يسألون المارّة في مصر عمّن يكون خالهم، فإذا لم يقولوا أن خالهم هو معاوية ينهالوا عليهم بالضرب المبرح، فإن الفاطميين في مصر عزلوا بتعسُّفٍ كل أصحاب السنة من المناصب الحكومية، وضربوا بريئاً في مصر لأنهم وجدوا عنده الموطّأ للإمام مالك، وقتلوا آخر لأنه أعلن حبه لأبي بكر وعمر.
وهل يحتاج الإنسان إلى التذكير باعتداءات أصحاب مذهب المعتزلة السنّي على أهل السنة الآخرين بسبب ما عُرف بفتنة ومحنة خلق القرآن؟ ألم يجرِ قتل أهل السنة الذين رفضوا القول بخلق القرءان؟ ثم لمّا زال حكم المأمون والمعتصم، اللَّذين كانا يحميان المعتزلة، جاء دور أهل السنة المظلومين للتنكيل بأهل الاعتزال الظالمين؟
وفيما بين أهل السنة أنفسهم، ألم يقم أتباع الإمام أحمد بن حنبل بالاعتداء على أصحاب المذهب الشافعي، بل ومنع دفن الفقيه السنّي ابن جرير الطبري لأنه لم يعترف بابن حنبل كفقيه، وإنّما اعتبره كمحدّث؟
لكن كل ذلك لا يقاس بما فعله الخوارج، باسم الإسلام، فهم الذين أحلُّوا قتل المسلمين الذين لا يعتنقون مذهبهم، ولا يُقاس بما فعله القرامطة الإسماعيليون الذين قتلوا ونهبوا حجّاج بيت الله وملأوا بجثثهم بئر زمزم. هل نعجب إذاً إذ نرى في أيامنا الحالية تصُّرفات الجهاديّين التكفيريين، الخوارج والقرامطة الجدد، وهم في سكرة القتل والنهب؟
تلك أمثلة قليلة في قائمة طويلة من الصراعات والاعتداءات والظلم والقتل في عالم المذاهب الإسلامية. جميع ذلك تمّ باسم الإسلام، والإسلام بريء من كل ذلك. فلقد تداخلت الصراعات القبلية والأطماع لاقتسام الغنائم، مع الإدعاءات بأحقية خلافة رسول الله من هذه الجهة أو تلك، مع الكثير من تزمّت المفاهيم الفقهية القابلة في الواقع للأخذ والعطاء، مع ثقافة مجتمعية لا تمارس الحوار العقلاني الموضوعي ولا تعطي قيمة كبيرة للتسامح والاستماع للآخر. لقد تداخل كل ذلك ليجعل من الاختلافات في وجهات النظر الاجتهادية الفقهية، والتي كان من المفروض أن تكون مصدر رحمة لأتباع دين الإسلام، خلافات مغموسة بألاعيب وعنف ودموية السياسة والملك العضوض والسلطان المستبد.
وإذاً فإنها الثقافة المليئة بالكثير من النواقص، وإنه الحكم القبلي الاستبدادي الذي لا يعترف بحقوق وقانون وضوابط قيمية، وليس الدين ولا حتى الفقه بذاته.
نقول ذلك لأن نفس التاريخ الموجع يخبرنا، بأنه عكس ما يعتقده البعض من المتعصبين، فإن كبار علماء الفقه نهلوا الكثير من بعضهم البعض. فالإمام أبو حنيفة السنّي أخذ عن الإمام زيد الشّيعي، والذي بدوره قد أخذ عن واصل بن عطاء المعتزلي. والإمام مالك بن أنس السنّي كان تلميذاً للإمام جعفر الصادق الشيعي. ويقال إن الإمام البخاري، أحد أهم مراجع أهل السنّة، كان يجالس عمران بن حطان الخوارجي ليتلقى عنه الحديث ويدوّنه. وكان الحسن البصري، شيخ السنّة، معجباً بعمرو بن عبيد، رأس المعتزلة، ومادحاً لورعه وحكمته. وهناك من يؤكّد بأن الخوارج والأباضية هم أول من جمع الأحاديث النبوية.
وإذاً، فمثلما كان هناك صراع عبثي كان هناك تلاقح خلاق. من هنا استنتج أحد الباحثين الموضوعيين، وهو المرحوم الدكتور مصطفى الشكعة في كتابه الرّزين المعنون «إسلام بلا مذاهب» بأن ما يفرّق جماعة (مذهبية) عن جماعة أخرى لا يزيد عمّا يحدث من خلاف بين أئمة المذهب الواحد.
مثل هكذا استنتاج يحتاج إلى جهة فقهية إسلامية مجتمعية مستقلّة، وليس فقهية مذهبية، تضم علماء فقه من جميع المذاهب والمدارس، لتعرّي أخطاء وخطايا الماضي من جهة، ولتظهر للجيل العربي الحاضر بأن ما يراه ويسمعه عن الصّراع المذهبي الطائفي لا يمتّ بصلةٍ إلى دين الإسلام ولا لفقه مذاهبه، وإنّما هو صراع سياسي انتهازي يؤجّجه ويستعمله بعض مجانين السياسة وبعض متخلّفي الفقه من أجل أغراض أنانية تكمن وراء أقنعة كاذبة.
ما يحتاج شباب ثورات وحراكات الربيع العربي التركيز عليه، هو حلُّ إشكاليتي الثقافة المجتمعية والسياسية. فالأولى بنواقصها والثانية بانتهازيتها، يساهمان في تحكُّم الماضي في الحاضر والتحضير لإشعال نيران المستقبل.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4311 - الخميس 26 يونيو 2014م الموافق 28 شعبان 1435هـ
ليس كما تقول
لم يكن الفاطميون طائفيين قط وكان جامع الازهر يدرس كل المذاهب على زمانهم وكانت هناك حلقات للشافعية واخرى للمالكية واخرى للحنفية وهكذا بقية المذاهب السنية الاخرى والعديدة لاننا نعرف ان المذاهب السنية لم تكن اربعة بل هناك عشرات المذاهب السنية الاخرى كالاوزاعي والليث بن سعد والبخاري والطبري ووووو الخ وكانت تعمل كلها بحرية في مصر الفاطمية وكانت مكتباتهم تعج بعشرات الالاف من الكتب وكان في الازهر مئات العلماء من كل الطوائف الى ان جاء صلاح الدين فدمر تلك الكنوز العلمية واحرقها .
علي جاسب . البصرة
تصحيح
الفاطميين لم يعزلوا الوزراء السنة كما فعل سابقيهم من السنة بالشيعة بل كان لديهم وزراء من السنة و اكبر مثال على ذلك توزيرهم لصالح بن ايوب الذي انقلب عليهم وسجنهم مسميا نفسه صلاح الدين الايوبي.
الطائفية شر والعصبية شر والتحزب شر
تطرقت الى الطائفية وهي بدون اجنى شك شر ودمار ومثلها العصبية والحزبية اراد المتحزبون العلاج ففصلوا الشعوب والدول واخرجوا العرب من بين الشعوب الاسلامية الاكثر عددا بل تناحرت دول تبنت الحزبية واصبح في كل قطر قيادة
رفض كل ما لدى الاخر و أخذ كل ما جاء به علماء مذهبي
رفض كل احاديث المعتمدة عند المذهب الاخر و لا آخذ الا بالاحاديث الواردة من طرق علماء مذهبي . رفض تفسير الايات من الاخر و رفض المؤلفات في علوم القرآن
هل المشكل الأساسي في التاريخ العربي الاسلامي؟
لا أحد ينفي دور الصراعات الطائفية في التاريخ الاسلامي وتأثيرها على العرب في الحاضر ، ولكن هل هذه الصراعات الطائفية اليوم يحركها بصورة أساسية التراث العربي الاسلامي أم الأنظمة العربية التابعة للامبريالية العالمية ؟ هذا ما لم يشير إليه أبدا علي فخرو .
الحل للدول العربية والإسلامية
الحل الوحيد هو دولة علمانية تكفل لكل الأديان والطوائف والمذاهب حقوقهم.
الطائفية أهم الثقافات المجتمعية...
طالما أن الطائفية استمرت منذ العصر الأموي والعباسي والفاطمي الى يومنا هذا، فلا بد ان الثقافة الطائفية قد اصبحت ثقافة بل غريزة للحفاظ على الذات والفئة والهوية الدينية التي تطغى على المكتسبات الإنسانية والاجتماعية والثقافية. لذا فإن هذه الثقافة السوداء لا يمكن استئصالها بعد تأصلها وإنما من الممكن كبح جماحها من خلال تلك "الجهة الفقهية الاسلامية المجتمعية المستقلة"...
وجهة نظر
جمعة مباركة .. د. علي الموضوع متشعب وشائك وأريد أن أذكر بنقطة كون العباسيين مع ابناء عمومتهم العلويين ضد الأمويين أي في خندق التشيّع وما أن قبضوا على السلطة أرتأو ما يبقي لهم انجازهم السياسي من خلال ما أصله الامويون !
أعتقد بأن محاربة الطائفية أفعال وليست بأقوال فأولها عدم تقريب الطائفيون من أي سلطة وبالتالي زرع الاهتمامات العلمية أو الثقافية أو الاقتصادية ... وبالتالي لن يجد " التعصب " الا الرفض وبالتالي الضمور حتى يصبح كجسم طفيلي في ذلك المجتمع .