لأول مرة في تاريخ ايرلندا الشمالية، أعلنت الحكومة البريطانية مسبقاً عن الزيارة التي قامت بها ملكة بريطانيا الملكة إليزابيث الثانية، في الأيام الماضية من دون خشية على حياتها. ليس ذلك فحسب، بل إن الملكة إليزابيث التقت القائد السابق في الجيش الجمهوري الايرلندي المؤقت، مارتن ماك غينيس، وكان معها أثناء زيارتها إلى السجن الذي كان يحتوي المعتقلين المتهمين في أحداث شمال ايرلندا، والتي كانت ساحة قتل واقتتال بين من يطالبون بانضمام إقليم شمال ايرلندا إلى الجمهورية الايرلندية، وبين من يطالبون بإبقاء الإقليم ضمن المملكة المتحدة.
الصراع في شمال ايرلندا كان يأخذ نمطاً طائفياً، بين الوحدويين (البروتستانت)، والجمهوريين (الكاثوليك)، وهو الصراع الذي انتهى سياسياً مع عقد اتفاق «الجمعة العظيمة» في عام 1998 والذي أدى إلى إحلال السلام في الإقليم، ومنذ ذلك الحين يقتسم الإدارة التنفيذية أبناء الإقليم من الطائفتين على أساس معادلة سياسية توصلوا إليها بعد مفاوضات جادة.
الملكة إليزابيث الثانية قامت بأكبر عمل كدليل على المصالحة في ايرلندا الشمالية عن طريق زيارة السجن التاريخي في بلفاست والاجتماع بمارتن ماك غينيس، الشخص الثاني في الجيش الجمهوري الايرلندي، وهو الذي كان قد سجن من قبل في هذا السجن الذي تحول إلى منطقة جذب سياحي حالياً.
لقد كتب الكثيرون عن التجربة الايرلندية في المصالحة الوطنية وفيما كان بالإمكان تطبيقها في بلدان الشرق الأوسط، وذلك لتشابه بعض القضايا. والواقع هو أن المصالحة بين أفراد المجتمع الواحد تعد واحدة من أصعب الأمور التي تتطلب من جميع الأطراف العمل على تنفيذها وهذا لا يتم إلا من خلال إرادة سياسية واجتماعية تعي مخاطر الاستمرار في الاحتقانات، وتقرر المضي في طريق التسوية والمصالحة التي تتطلب شجاعة من نوع مختلف، يسجله التاريخ مع تعافي البلاد من المصائب التي كانت تمر بها، وتقدمها كمجتمع متجانس ومتعاون.
ايرلندا الشمالية (إحدى مقاطعات المملكة المتحدة) يبلغ عدد سكانها أقل من مليوني نسمة، وتشكل نسبة الكاثوليك 43 في المئة بينما البروتستانت فتشكل نحو 54 في المئة، وجذور المشكلة تعود إلى الانقسام القومي والديني بين السكان، ويشمل ذلك التمييز السياسي والاقتصادي والتعليمي والثقافي ضد الكاثوليك. وكما أشارت الباحثة غفران يونس هادي (في مقال كتبته قبل فترة وتحدثت عن إمكانية تطبيق الأنموذج الايرلندي في العراق) فإن الكاثوليك يختلفون عن البروتستانت في الانتماء القومي والديني، وعند استيلاء البريطانيين على جزيرة ايرلندا قبل قرون عمدت بريطانيا إلى جلب البروتستانت، وفي عام 1921 استقلت جمهورية ايرلندا بموجب الاتفاق مع بريطانيا فيما بقي الثلث الآخر الذي يمثل ايرلندا الشمالية تابعاً إلى الأراضي البريطانية.
إن التمييز ضد الكاثوليك - حتى عام 1998 - شمل التعيين في الوظائف، فالبروتستانت سيطروا على معظم القاعدة الاقتصادية واعتمد التخطيط الاقتصادي على تركيز المصانع في مدن على حساب مدن أخرى. كما أن مشكلة التمييز في الوظائف كانت تشكل خطورة بالغة لاسيما منذ أن بدأت ايرلندا الشمالية تواجه بطالة مزمنة وسياسات التمييز امتدت إلى السكن والتعليم، الأمر الذي دفع الكاثوليك إلى تشكيل حركة الحقوق المدنية عام 1967 والتي أنشأها مثقفون من الطبقة الوسطى سعت إلى إنهاء حالة التمييز في الوظائف.
هذا الوضع أوصل الإقليم إلى أحداث العنف والقتل التي استمرت 20 عاماً قبل أن تتوصل الأطراف المختلفة في عام 1998 إلى اتفاق تاريخي نتج عنه مصالحة عادلة وإلغاء الأحكام والقرارات التي صممت للانتقام من الكاثوليك، وأصبح أتباع الطائفتين موجودين في كل السلطات القضائية والسياسية والتشريعية، وتم إصلاح جهاز الشرطة، وأصبح يتكون من الطائفتين، وتشكلت إرادة مشتركة من الجميع بتجاوز العقبات الواحدة تلو الأخرى، كما قررت الأكثرية - بعد الاتفاق على حل عادل - عدم الالتفات إلى المتطرفين من الفئتين، ووصل الأمر إلى يوم أن تقوم ملكة بريطانيا بمصافحة شخص متهم بأعمال إرهابية (قبل الاتفاق السياسي)، ومن ثم تزور المكان الذي قد اعتقل فيه بسبب الصراع. إنه إنجاز حضاري نحتاج أن نتعلم منه كثيراً، وأن نعي أن الطائفية بذرة شر تجلب المآسي لكل البلدان أينما حلت وتنبت معها نبتة سامة تكبر داخل المجتمعات.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4309 - الثلثاء 24 يونيو 2014م الموافق 26 شعبان 1435هـ
بارك الله فيك
جهودك مشكورة للملمة الجراح التي مازالت تنزف في المجتمعات التي يطغى عليها الجهل .
@DrBuM7ammad
المصالحة الوطنية مطلب الجميع
لكن
أولا قبلها يجب تعديل الخطاب العام الذي يأخذ من الإنحرافات الدينية ذريعة لتسفيه وقد تصل إلى تكفير مكون كبير بل الأكبر في الداخل وعلى مستوى العالم بعدما تسكر تلك الأفواه الشاذة تكون المصالحة الوطنية ذات فائدة.
ولنا في العراق درس بعدما سحق ...نوري المالكي الشعب الأصيل وهمشه ثم ثار عليه ويكاد يعزله ها هو صاغر ذليل يطلب المصالحة
رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين.
الحل
الحل هو ان نقول لمن يذكي الطائفية انت طائفي و نقول الى الضحية انت ضحية و نعمل معه لتغيير الواقع المزري
أخلاق الجاهلية تحت عبأة الاسلام
والمسلمين الذين يدعون انهم اخوة في الدين نسوا ان نبيهم واحد وقرآنهم واحد ، اعمتهم أطماعهم الدنيوية السياسية والمادية وصاروا يكفرون بعضهم بعض ويتقاتلون ويتفاخرون بنحر رقاب مخالفيهم ويرمون المحصنات ويتنابزون بالألقاب ويتسابقون على النفاق فهل أبقوا من أخلاق الجاهلية شيء !
دعهم يزرعوا بذرة الشر ويسقوها حتى تكبر وتطالهم
من زرع هذا البذرة الخبيثة ماذا يتوقع ان يحصد في البحرين؟
شعب من اطيب الشعوب تجلب عليه شعوب غريبة عنه وعن اطباعه من اجل اذلاله فهل سيبلغهم الله ذلك؟ لا والله ان المعاصي تزيل النعم ولله نقمة لا بد منها
المصالحه الوطنيه
احسنتي مقال جيد وعسى ان يفهمه على الاقل العقلاء