العدد 4307 - الأحد 22 يونيو 2014م الموافق 24 شعبان 1435هـ

غرفة الصلاة في مطار جنيف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

دَخَلَ أحد الأصدقاء إلى غرفة الصلاة في مطار جنيف الدولي. في الداخل، وفي أحد الرفوف وَجَدَ القرآن الكريم، وبجانبه الكتاب المقدس (الإنجيل LA BIBLE) وبجانبهما العهد القديم (التوراة Siddour Sefat Hanechamah). كان المشهد بالنسبة له معبراً جداً، فالتقط صورة للكتب السماوية الثلاثة للذكرى. وأنا هنا أشكره على إرسال تلك الصورة لي متكرماً.

أما تعليقي ففيه شجون. فما هو معروف، أن عدد المسلمين في سويسرا لا يزيد عن 400 ألف من أصل 8 ملايين، ما يعني أنهم يُشكِّلون 5 في المئة فقط. أما عدد اليهود في سويسرا فهو 320 ألف من أصل 8 ملايين، ما يعني أنهم يُشكِّلون 4 في المئة فقط. إذاً، الأقليتان تعيشان بين 70 في المئة من المسحيين، و16.2 في المئة من اللادينيين، وبالتالي فإن الأمر يبدو لافتاً جداً، فيما خص تلك الأقليتيْن واحترام معتقداتهما في ذلك البلد.

سويسرا، لم تحتَج لمؤتمر تقريب أديان ولا تقريب مذاهب ولا حوار حضارات لكي تفعل ذلك، في حين، فَعَلَ ويفعل آخرون تلك الكرنفالات (وهم الأقرب لبعضهما في الشهادتين)، لكنهم يغرقون في أول قطرة طائفية. إنها فضيحة لدينا وإنجاز لديهم. وربما مقولتَيْ «وجدتُ إسلاماً ولم أجِد مسلمين» قد تحققت في الغرب، و»وجدتُ مسلمين ولم أجد إسلاماً» قد تحققت في الشرق. والشكر هنا للشيخ محمد عبده إن صَحَّ أن قائلها هو.

لو تخيَّل أحدٌ نفسه أنه في ألمانيا أو بلجيكا أو فنلندا فضلاً عن سويسرا، فهل يعتقد أنه سيتم التلصُّص عليه من حكومات تلك الدول وأجهزة أمنها إن كان شيعياً أو سُنياً؟ أو إن كان أبَوَاه كذلك؟ هل سيُسأل من أي عائلة/ عشيرة/ قبيلة/ منطقة/ مِلَّة... أنت؟ هل سيُراقبونه إن كان يسبل يديه في الصلاة أم يضمهما؟ هل سيُقطَع لسانه ويُجدَع أنفه إن هو نَقَد شيئاً من تفسيرات الدِّين؟ هذه الأمور لم يعد لها وجود في تلك المجتمعات.

نعم، أوروبا عاشت مشاكل طائفية/ مذهبية قبل 450 عاماً، لكنها اتعظت، فأقلَعَت عن كل ما يُمكن أن يؤدي إلى حروب الكنائس الكاثوليكية/ البروتستانتية، وصراعات الهوغونو. لقد أصرُّوا على أن يجعلوا مجزرة واسّي أمراً تاريخياً منتهياً لا يعود. وتعاهدوا على أن لا يشموا رائحة الدَّم في الشامبانيا مرةً أخرى. وأن إعدامات المقاصل الدينية يجب أن لا تعود البتَّة.

أما نحن، فعلى الرغم من مرور ألفٍ وأربعمئة عام، فإننا لازلنا نتهارَش، ونُرسِل أظافرنا في لحم بعضنا بحجَّة الثأر والانتصار للتاريخ، ولأشخاص هم اليوم يرقدون تحت التراب! لقد أصبحنا في زمن، بات أسهل شيء فيه هو الفتوى الطائفية وإهدار دم الأغيار! هي تصدر قبل أن تقوم من مقامك. بل وقبل أن يرتد إليك طرفك. هي بعض كلمات لكنها تقتل مليون إنسان.

آية «ولا تَقْتُلوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللهُ إِلا بالحقِّ» لم يعد لها حضور. «وَمَنْ قُتِلَ مظلوماً فقد جعلنا لِوَلِيِّهِ سلطاناً فلا يُسْرِفْ في القتلِ إِنَّهُ كان منصوراً» لم يعد لها في نفوس المسلمين موضع. ففي أي مخالفة صريحة للتعاليم الدينية والإنسانية نحن؟

عندما يتم تداول المقاطع البشعة لذبح رقاب البشر بالسكاكين في سورية والعراق، أتذكر ما نقلته الصحف قبل أيام من أن بلدة جلاروس السويسرية أزاحت الستار عن نصب تذكاري أقيم تخليداً لذكرى إعدام آنا جولدي التي قُطِعَ رأسها قبل 232 عاماً، لاتهامها بأنها «سَحَرَت» طفلة مخدومها البالغة من العمر ثمانية أعوام، ثم برأها برلمان جلاروس العام 2008!

هم يعيدون النظر في قضايا مضى عليها أزيد من قرنين ويعتذرون من الضحايا ويتأسفون على حصولها، ونحن نُضَمِّخ أيامنا وساعاتنا بمزيد من الإساءات وسفك الدم، دون مراجعة، بل ونضحك على الجثث التي تُذبَح! نحن وهم على طَرَفَيْ نقيض حاد.

بالتأكيد، سويسرا ليست فردوساً يجعلها لا تصوِّت على «حظر المآذن»، لكن ما أعرفه أن هذا البلد يقوم نظامه التشريعي على الاستفتاءات المباشرة. فمنذ العام 1848 وحتى قبل ثمانية أعوام شَهِدَت سويسرا 3716 استفتاءاً وطنياً ومبادرات شعبية توزّعت ما بين استفتاءات إجبارية وأخرى اختيارية ومبادرات شعبية.

ورغم ذلك، فقد قامت الحكومة السويسرية في تنظيم حوارات مكثفة بين المجتمع السويسري والمسلمين على المستوى الفيدرالي، بغية تقريب نقطتَيْ فراق، ما بين مجتمع علماني/ لاديني وفئات دينية تتوحد ثقافياً على أساس ما تعتقد.

لكنها دفعت المسلمين أيضاً إلى التفكير في «كيفية فهم وتطبيق القيم الأصيلة والنبيلة للإسلام في سياق مجتمع حديث وعلماني» كما قال المسئول عن الاتصال والناطق الرسمي باسم فيدرالية المنظمات الإسلامية بزيورخ محمّد هانيل، بعد «فشل مسار اندماج المسلمين في المجتمع» كما كان البعض من «تجمّع مسلمي سويسرا» يُصرح كنقد ذاتي يوجهونه لأنفسهم.

وفي الوقت نفسه، المسلمون يعيشون أقليةً في مجتمع مسيحي ولاديني ممتد، لكنهم يمتلكون مئتي مركز إسلامي، ولديهم مقابر في زيورخ وجنيف ولوتسرن، وتجنبوا حظر الحجاب في أرغاو، واعتراف بخصوصيتهم في المؤسسة التعليمية في فريبورغ وغيره من الكانتونات. هنا، تظهر القضية بصورة أكثر وضوحاً.

لا يعلم المرء، متى نخرج من هذا المسلخ الكبير، لكن المفهوم والواضح هو أنه:

متى يبلغ البنيان يوم كماله

إذا كنتَ تنبيهِ وغيرك يهدمُ

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4307 - الأحد 22 يونيو 2014م الموافق 24 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 12:08 م

      التعايش الجميل

      رسولنا الأكرم -ص- وأهل بيته الطاهرين -ع- علمونا كيف نتعامل في شتى شؤون الحياة وكيف نربي أنفسنا ونتعايش بشكل جميل مع الآخرين ولكننا لم نلتزم وأضعنا الطريق الذي تنيره تعاليمهم .... فيا للخسران المبين

    • زائر 14 | 9:22 ص

      هذه نتيجة العلمانية

      روعة! هذه نتيجة التطبيق الصحيح للديمقراطية العلمانية.

    • زائر 13 | 4:45 ص

      يا سلام

      يا سلام يا استاذ على مقالك الرائع ليتنا نعرف كيف نتعايش مع بعضنآ البعض

    • زائر 12 | 3:42 ص

      شكرا

      مؤلم ما نعيشه من فرقة و تناحر
      حقا يحق لنا أن نبكي على أمتنا

    • زائر 11 | 3:42 ص

      شكرا

      مؤلم ما نعيشه من فرقة و تناحر
      حقا يحق لنا أن نبكي على أمتنا

    • زائر 10 | 3:24 ص

      المتمردة نعم

      لولا مسالة الحلال والحرام لكان الغرب غير المسلمين هم مسلمين بذاتهم ..مقال في قمة الروعة

    • زائر 9 | 2:43 ص

      اا تهتم

      اضمن لك بعد عشرة الاف سنة تكون كل مشاكلنا محلولة و المسلمون جميعا سيكونون اخوة و أخوات متحابيين. علي هذا الاساس خلي في بطنك بطيخة صيفية و نام قرير العين.

    • زائر 8 | 2:32 ص

      سلمت يمناك

      لقد أنتقل الغرب من مرحلة الكلام الى الفعل. فالكل سواسية وللجميع حرية التعبد حسبما يريد ولا أحد يحاسبه على خياراته الشخصية طالما لاىيضار الناس بها.
      في بلادنا العربية يتم محاسبتك على أفكارك ومذهبك ودينك. فكم من شخص أخفى مذهبه لكي يحصل على فرصة عمل أو غير مذهبه أو دينه لكي لا يضايق في حياته.

    • زائر 6 | 1:08 ص

      حوار الحضارات حين لا حوار للمواطن كما هي وزارة حقوق الانسان حين لا حقوق

      هل توجد في أي بلد غربي وزارة حقوق الانسان؟ اعتقد لا ولكن هل يمكن المقارنة بين حقوق الانسان لديهم مع ما لدينا؟
      مؤتمر حوار الحضارات حيث لا يسمح لبعض المواطنين من بث همومه قبقمع ويسجن في بلد يعقد فيه مؤتمر للحضارات
      في البحرين يعتقدون ان الديكورات والشكليات هي نافعة على الدوام

    • زائر 5 | 12:13 ص

      الإسلام

      بلاد المسلمين منشغلة بالاقتتال بين بعضها البعض بأسم الدين،
      والدول الأوربية و والدول الآسبةية الكبرى منشغلة بالإنتاج و التنمية .
      أيهما يفيد وطنة بشكل خاص و يفيد الإنسان بشكل عام ؟

    • زائر 4 | 12:09 ص

      نايمة

      يحق للغرب أن يطلقوا على الدول العربية بالدول النامية والنائمة

    • زائر 3 | 10:59 م

      غرفة الصلاة في مستشفى السلمانية ازيلت منها الترب و كتب الادعية // قمة التسامح الديني

      غرفة الصلاة في السلمانية مقسمة بدون فاصل الى جزئين الجزء الامامي للمصلين المسلمين حسب المذهب السني و الجزء الخلفي للمصلين للمسلمين حسب المذهب الجعفري الذين لا يجوزون السجود على ما يصدق عليه ارض او ما تنبت من غير مأكول ولا كلبوس و اعتاد بعضهم يعقب بدعاء مأثور و لكن كل هذا تغير منذ مطلع 2011

    • زائر 2 | 10:05 م

      متابع

      ألم يقل الأمير : ليس هناك بلد احق بك من بلد ، خير البلاد ما حملك ؟
      هذه تمتمات تدور في صدري أحيانا
      قد أتبعها يوما

    • زائر 1 | 10:03 م

      متابع

      للتو كنت أتابع فيلما أمريكيا جميلا ، تجاوزوا الكره والطائفية من مئات السنين والآن وصلوا للحب والعلاقات الوردية ، . . . .
      أتابع قنواتهم و أخبارهم فأجد التطور و الإبداع و الأخبار الانسانية و الأخبار الطريفة ، أتابع أخبارنا فأجد القتل و قطع الـ . . . . لا أريد أن أكمل
      قلت بوجع : آه على مجتمعاتنا . . .
      أحيانا يكره المرء هذه الأمة ، ويتمنى أن يكون ابن أمة ومجتمع آخر . . .
      لسنا مجبرين أن نعيش في أمة لا نشعر بالحياة الحقيقية فيها ( ألم تكن أرض الله واسعة ) , , ,

اقرأ ايضاً