إتباعاً لمقالتينا السابقتين، والتي تناولنا في أولاها، مرحلة الرِدَّة السريعة المزدوجة عن نظام الحكم الدستوري والديمقراطي، التي اتسمت بها باكورة الاستقلال الوطني، والتي لم تكن ذات توجه سياسي أصيل، تبنته الأطراف المعنية آنذاك، بقدر ما كانت مرحلة مؤقتة وبمثابة جسر عبور، لتثبيت الحكم وتقويته، تنفيذاً للاستحقاق المرحلي في توازع الأدوار السياسية، محلياً وإقليمياً ودولياً، لتلك الفترة من بعد انسحاب القوات البريطانية من الخليج، وسرعان ما تم نفض بساط تلك المرحلة الدستورية الديمقراطية، مباشرةً وبشكل سريع ونهائي لا رجعة فيه، وتعزيز ذاك الفعل بإجراءات أمنية مفرطة القوة، ثم تبعتها مرحلة قانون «أمن الدولة» التي دام ضرها للوطن 27 عاماً.
وقد تناولنا في المقال الثاني مرحلة الميثاق وإصدار دستور 2002، بآلية جعلتها منفصلةً عن السياق التاريخي لتطورات النظام السياسي في البحرين، لتَبِين أنها أي مرحلة الميثاق، تالية لمرحلة قانون أمن الدولة، ولا صلة بينهما وبين مرحلة دستور 1973 ومجلسها الوطني.
وهكذا من أجل الرجوع القهقرى، دَأَبَ أصحاب القرار والتأثير السياسي، محلياً وإقليمياً ودولياً، على القطع بين مرحلتين، بمرحلة أسوأ من كليهما، مرحلة القطع هذه، يتم جعلها دهراً ما استطاعوا، لتثبيت تاريخها في الذاكرة لجيلٍ أو أكثر، وتغييب تاريخ المرحلة قبلها، وجعل المرحلة الجديدة، على تخلفها الزماني والحقوقي، ونواقصها ونواقضها الإنسانية، الوسيلة الوحيدة المتاحة للخروج من الأزمة الراهنة، (مرحلة قانون أمن الدولة هي مرحلة القطع بين مرحلة دستور 1973 ومرحلة الميثاق)، بما يُظهر أن حاضرها (أمن الدولة)، لا صلة له بما قبلها (دستور 1973)، بقدر صلتها بما يليها (الميثاق)، وجعلوا مرحلة قانون أمن الدولة بأنها المرحلة الأزمة، التي تُخرجنا منها مرحلة الميثاق، في حين أن الميثاق لم يكن تقدمياً، من الناحية الدستورية والديمقراطية والحقوقية، بما كانت عليه مرحلة دستور 1973.
فالمتتبع للتطورات الدستورية والقانونية والحقوقية، التي أثّرت بدورها في التطورات الاقتصادية والإجتماعية، وبما أساءت للعلاقة بين الحكم والشعب، لمرحلة الميثاق منذ انتخابات 2002، إلى يومنا هذا، من اليسير أن نتبيّن أن كل فصل منها هو مرحلة حاثَّة على ما بعدها، من انتخابات 2006، 2010، وكذلك 2014 القادمة، بمثل ما استحثت الحكومة، المعارضة الشعبية لدخول انتخابات 2006 و2010، في محاولة لإطالة أمد مرحلة الميثاق إلى دهرٍ، يفعل فعله في ذاكرة جيل أو أكثر، بمثل ما فعلت مرحلة قانون أمن الدولة، فواضح التراجعات الحقوقية والقانونية خلالها، بما يتخطى سلباً نصوص الدستور، وآخرها خلع أعضاء مجلس النواب، عباءة الإنابة الشعبية، وارتداء عباءة التمثيل الحكومي.
بدأت مرحلة الميثاق بتقنين مخرجات العملية الدستورية الديمقراطية، بما جعل للسلطة التنفيذية الهيمنة، عبر الدمج المصلحي الوثيق، ما بين السلطة التنفيذية (الحكومة) والمتنفذين، على خلاف المتعارف عليه في الممالك الدستورية العريقة، لضمان حماية الدين والوطن والوحدة الوطنية، بما يجعلها سنداً للفصل بين السلطات، وبما يحمي شرعية الحكم الدستوري والديمقراطي، وسيادة الدستور والقانون، ويرعى من جانب آخر، حقوق الأفراد والهيئات وحرياتهم، وإرساء ميزان العدالة والمساواة بين المواطنين، وضمان عدم تغوُّل أي سلطة من السلطات الثلاث، التشريعية أو القضائية أو التنفيذية.
هذا الدمج المصلحي الدستوري، المتداخلة أطرافه البشرية، أهمل مبدأ الفصل بين السلطات، من حيث جعل سلطة التشريع فيما يخص القانون الانتخابي مثلاً، بيد الحكومة، لترسم من خلال صلاحيتها بذاك القانون، المناطق والدوائر الانتخابية وتعدادها وتوزيعها الجغرافي والسياسي، ويكون لها بذلك اليد الطولى في التصرف بمخرجات العملية الانتخابية، بغض النظر عن عدالة التمثيل المتكافئ للكتل الانتخابية لمختلف المناطق والدوائر الانتخابية، بما بان واضحاً في الانتخابات النيابية للفصول التشريعية الثلاثة الأخيرة، وخصوصاً الفصل التشريعي الأخير، في أصله وفي انتخاباته التكميلية من بعد انسحاب أكبر الكتل النيابية إزاء أحداث فبراير 2011، وبما جعل من مجلس النواب بأعضائه الحاليين، بمثابة الموظفين الحكوميين، في قراراته الأخيرة، من إلغاء مجلس بلدي العاصمة المنتخب وإبداله بأمانة عامة تعيّن الحكومة أعضاءها، في تمييز صارخ بين المواطنين أهالي المحافظات المختلفة.
وكذلك قرارهم جعل استجواب الوزراء من الصعوبة إلى درجة الاستحالة، في ظلّ نظام الدوائر الانتخابية الحالية، باعتماد أغلبية الثلثين، بدل النص القائم بالأغلبية النسبية، والتي أبان المستشارون الدستوريون والقانونيون الرسميون في المجلسين، تأكيد عدم دستوريتها، إلا أن النواب يرون ما لا يراه الخبراء، الذين هم ليسوا سوى موظفين لدى النواب، أما النواب فهم أصحاب سلطةٍ في التشريع، فما شأنهم بدستورية أو عدم دستورية قراراتهم، ما دامت تلك القرارات استجابةً لتحقيق الرغبة الحكومية، وهي أي الحكومة، الحامية لمواقعهم بما لها من سيادة وسيطرة وتحكم في مخرجات العملية الانتخابية.
فهم بهكذا قرارات، يضمنون سيادة وزراء الحكومة، التي تعيد تدوير وصول مثلهم من المسيئين للشعب، ومقدّمي الخدمات للحكومة، وهم أي النواب، في خدمة عدم تمكين المجلس من استجواب الوزراء، والحكومة ستحرص على وصول أمثالهم للمجلس وهم قلة، تكفي لتشكل الثلث لتعطيل محاسبة وزراء الحكومة، وهكـذا «شيِلني وأشيِلك»!
فهل هذه هي تطلعات شعب البحرين ليواصل مشوار الانتخابات والحال على ما هي عليه، أم يأمل ويجهد في السعي للتغيير؟
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4306 - السبت 21 يونيو 2014م الموافق 23 شعبان 1435هـ
الكثير حاليا من الشارع الموالي لا يرغب بالتصويت
هل يكون هناك موقف جامع من هذا المجلس الاعراج نتمنى ذلك بالنسبة لي ن اذهب لهم ابدا
حفيد بن مهزع
شكر الله لك علي إيضاح صورة ليست بخافيه علي شعبنا الأصيل فلا رجاء في ديمقراطيه تأتي من شخوص باعت ضمائرها للدينار ! واتبعت نهج الإقصاء لمن يقول الحق او من يختلف معهم ! فهذا اصبح واقعنا للأسف أستاذي الفاضل .
الممالك الدستوريه
لقد شوهت السلطات هذا النموذج والذى يفتخر به الديمقراطيون وبتنا نرى نظاما يسمى ديمقراطيه وهو اعوج وكسيح والنظام يعرف ذللك ويسعى اليه وهناك نيه خبيثه لمسخ الديمقراطيه بالتعاون مع ممثلى الديمقراطيه الذين جاءوا نفاقا وزورا وكذبا على هذا الشعب المسكين وخاصة ممن رفعوا شعار الديقراطيه رياء غير مقتنعين باحكامها لا نطلب الا من الله ان ينتقم منهم فى الدنيا قبل الاخره
سلبوا من البرلمان كل صلاحياته وزادوا في عطائه حتى تكتمل السالفة
اصبح القلمان ومجلس الشوربة هما من اكبر مصادر التلاعب باموال الشعب ومن دون ان يرتجي منهما المواطن أي خير . فكل المواطنون مجمعون على ان المجلسين اصبحا من مصادر الفساد وهدر الاموال
هل هناك ديمقراطية اصلا
خل يكون فيه ديمقراطيه اول علشان يتم الكلام عن ردة يالقمر