العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ

إبراهيم سند: الرموز لغة صورية تعيد تشكيل الحياة

في محاضرة عن الرمز في الحكاية الشعبية

خلص الباحث في مجال التراث الشعبي والقاص إبراهيم سند إلى أن «الرموز الحديثة والقديمة لغة تعيد تشكيل حياة الإنسان في هذا العصر الذي تهيمن عليه الصور» وذلك في محاضرة، قدمها بمركز كانو الثقافي عن الرمز في التراث والحكاية الشعبية، حيث عرف مفهوم الرمز، ومثل له بمجموعة من الرموز الشهيرة على مستوى الصورة أو الحركة أو اللون، ثم تحدث عن مداخل تحليل الرمز متوقفاً مع المنهج النفسي وقدرته على تفسير الرموز المختلفة، بعدها استعرض نماذج من القصص والحكايات الشعبية محللاً رموزها المتعددة مثل حكاية «ألف ليلة وليلة»، وقصة «مريم ذات الدل والدلال» و «ذات القبعة الحمراء»، وغيرها من القصص، بعدها أجاب عن أسئلة الحضور، وذلك في محاضرة بعنوان «الرمز في التراث الشعبي: الحكاية الشعبية نموذجاً» والتي عقدت بمركز كانو الثقافي يوم الثلثاء (17 يونيو/ حزيران 2014) بحضور من مجموعة من المثقفين والمهتمين ورواد المركز.

في بداية محاضرته، توقف سند مع مجموعة من تعريفات الرمز، فأشار إلى أنه «إدراك بأن شيئاً ما يقف بديلاً عن شيءٍ آخر أو يحل محله أو يمثله، بحيث تكون العلاقة بين الاثنين هي علاقة الخاص بالعام أو المحسوس بالمجرد، على اعتبار أن الرمز له وجود حقيقي إلا أنه يرمز إلى فكرة أو معنى محدد».

ثم استعرض سند أمثلة على مجموعة من الرموز وأهم دلالتها «فالحمامة ترمز إلى السلام، والأسد إلى البطش والقوة، والثعلب يرمز إلى المكر والخداع، والكلب يرمز إلى الوفاء، والجمل يرمز إلى الصبر وقوة التحمل، والهلال يرمز إلى الإسلام، والصليب يرمز إلى المسيحية، والصليب المعقوف يرمز إلى النازية»

وعلى مستوى الإشارات والحركات، أضاف سند أن «رفع الذراعين رمز للاستسلام، بينما رفع قبضة اليد رمز للتهديد، وفي تحية النازية كانت راحة اليد تتجه مباشرة إلى الأسفل، وهي ترمز إلى القوة والطغيان في دولة الرايخ الثالث، أما ضم راحة اليد والإشارة بالأصبع فتستخدم كهراوة رمزية وتشير إلى الخضوع، وفي بعض الدول تعتبر الإشارة نحو أي شخص بالأصبع إهانة»

وأضاف سند معتمداً معجم مصطلحات الأدب أن «الرمز هو كل ما يحل محل شيء آخر في الدلالة عليه بالإيحاء أو بوجود علاقة عرضية أو متعارف عليها، وعادة ما يكون الرمز بهذا المعنى شيئاً ملموساً يحل محل المجرد، ويستمد الرمز قيمته من الناس الذين يستخدمونه، والمجتمع هو الذي يفرض على الرمز معناه، كما يعرف الرمز في الأدب باستعمال كلمة تحمل دلالات مشتركة بين مجموعة معينة، وذلك للتعبير عن تجربة شعورية، أو اختزال لمعاني دلالية عميقة».

وحول تفسير الرمز وإشباعه بالمعاني، أكد سند أن الدراسات في هذا المجال تشير إلى «أنه يمكن تفسير الرمز تبعاً لاحتياجات ورؤية المتلقي، فهناك على سبيل المثال، الرمز الأخلاقي، والذي به ينظر إلى الكائنات الأسطورية على أنها تمثل تجسيداً للبشر والفضائل، ففينوس يمكن أن تفسر كشكل من أشكال الرغبة الجنسية، الحكمة، الطهارة والعفة، أما الرمز الفيزيقي فبدأ مع الفلاسفة الرواقيين بتجسيد الآلهة تبعاً لعناصر الطبيعة، فجوبيتر تشخيص للهواء وأبوللو للشمس. أما منهج التحليل النفسي فهو أكثر المناهج انتشاراً في تحليل الحكايات بقيادة سيجمون فرويد، ويرى أعضاء هذه المدرسة أن حكايات الخوارق تعكس صورة الفزع لدى الفتاة بما يعكس عقدة أوديب، فقصة «ذات القبعة الحمراء» والتي بحسب محللي هذه المدرسة تمثل رمزاً لفتاة في مرحلة الطفولة قبل النضج والتي تقع تحت وطأة الصراع اللاشعوري بين رغبات (الأنا الدنيا الطبيعة الحيوانية، والأنا الأعلى الضمير والشعور) وما يعكس مبدأي (اللذة والواقع). والقبعة الحمراء هي رمز للرغبات الجنسية اللاشعورية».

وخلص سند إلى أن الدراسات تشير إلى «أن وجود هذه الأنماط الأصلية بأشكالها الرمزية هو الذي يجعل الجميع يتقبلون ويفهمون هذه الحكايات بصرف النظر عن اختلافهم العمري أو الثقافي، وبذلك يكون تقبل الجميع للحكايات الخرافية عاكساً لقدراتها على تجسيد وتصوير الطبيعة الداخلية للفرد بجوانبها الأخلاقية والنفسية والروحانية غير المحدودة، بما يساعد على البحث عن معنى الحياة، والاستقرار النفسي، فالتفاؤل سمة غالبة على الحكايات الشعبية تظهر في النهايات السعيدة التي تختتم بها غالبية الحكايات الشعبية».

وأكد أن دراسة الرموز كشفت للباحثين أن «الناس في جميع أنحاء العالم يستخدمون الرموز عادة للتعبير والتواصل، وتأخذ الرموز أشكالاً متعددة اعتماداً على الطقس وجغرافية المكان والقوانين التي تعيش فيها الجماعة، والتآلف مع الرموز يساعد على فتح العديد من مستويات الفهم للكثيرين منا لأشياء لم يكونوا على وعي بها».

ثم ختم سند محاضرته بالنظر في نماذج من الأساطير والحكايات الشعبية محاولاً تفسير أهم الرموز فيها وتحليلها، وحول الإجابة عن سؤال الاختلاف يبن الأسطورة والحكاية الشعبية، أشار سند إلى أن لكليهما الأحداث نفسها النموذجية والعجيبة، لكن الفرق هو في طريقة اتصال الأسطورة بأحداث مذهلة ومرعبة ولا يمكن أن تطبق على أشخاص مثلنا، بعكس الحكاية الشعبية التي تنطبق على أشخاص اعتياديين، وأما الخاتمة في الأسطورة فمأساوية بعكس الحكايات الشعبية، فالخاتمة سعيدة. أما لأسطورة فمتشائمة في حين أن الحكاية الشعبية عادة متفائلة.

وحول بدايات الحكايات وما توحي به، أضاف سند أن «قول كان يا ما كان، وفي ذات مرة، وفي بلدٍ ما، ومنذ أكثر من ألف عام وأكثر، وفي قصرٍ قديم، وفي غابة كبيرة وكثيفة»، مثل هذه البداية تجعلنا ندرك أن ما يتبعها يخرج عن الواقع الذي نعرفه، هذا الغموض المقصود يعبر بشكل رمزي أننا سنذهب في رحلة لنكتشف شيئاً ما في مكان ما، في القصور القديمة، أو في الكهوف، أو في الغابات»

وأوضح أن دارسي الحكاية الشعبية يخلصون إلى أنها «باختصار قصة ينسجها الخيال الشعبي حول حدث مهم، يستمتع الشعب بروايتها إلى درجة أنه يستقبلها جيلاً بعد جيل عن طريق الرواية الشفهية، وتتميز بحتمية انتصار الخير وانهزام الشر، فتعالج هذه الحكايات العيوب التي تشكو منها سائر المجتمعات، كالخيانة والظلم والطمع، العفة والشجاعة والصبر والحكمة، وتعكس الحكاية طبيعة الفئات الشعبية وآمالهم وأحلامهم، ولفت الدارسون إلى البعد الرمزي في الحكاية الشعبية وخاصة أصحاب المنهج النفسي».

العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً