العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ

«لماذا أكتب» لأورويل... مقالات لم ينْجُ بعضها من السرْد

عُرِف صاحب «مزرعة الحيوانات»، جورج أورويل في العالم كروائي، أكثر منه كاتب مقالات. روايته المذكورة التي حذّرت من غياب العدالة الاجتماعية، وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية، جعلته واحداً من أكثر المؤثرين في تاريخ الأدب الإنجليزي والعالمي. الرواية تلك كتبها العام 1945، فيما سبق تلك الرواية عمله الفذ «1984»، ونشرت العام 1949.

يتضمّن «لماذا أكتب» لأورويل الذي قام بترجمته الكاتب البحريني علي مدن، وصدر عن وزارة الثقافة بمملكة البحرين، ونشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ويتكون من 300 صفحة، ترجمة لعدد من مقالاته التي تبحث في جوانب كثيرة منها آلية تعاطيه مع الكتابة موضوعاً وفكرة ولغة، في نظرة عميقة، كما يتضمّن رؤيته لعدد من المفاهيم والقضايا المرتبطة بالأدب، بلغة ساحرة وجاذبة. بعض من تلك الكتابات لم تنْجُ من السرْد الذي عرف به أورويل، فيما هو يقدّم قيمة ما ترتبط بالسؤال نفسه الذي يحمله الكتاب عنواناً له، وهو ضمن مقالات بين دفتيه.

«لماذا أكتب»؟ كتساؤل وليس عنواناً، كان مثار اهتمام وبحث كتّاب كثيرين في العالم، من بينهم الكاتب والروائي العالمي الأميركي جيمس فري، صاحب كتاب «مليون قطعة صغيرة»، والذي أجاب بشكل عائم أيضاً: إذا لم أكتب سأُجنّ، كأن الكتابة تدرأ الجنون عن البعض، والضياع أحياناً في صورة أو أخرى. كأن الكتابة هي العالم البديل، لعالم تفاصيله غير سارة، وعلاقاته غير مستقرة. في عالم الكتابة تبدو الأشياء من منظار العزلة أكثر وضوحاً. حتى الأشياء العميقة التي تستعصي على الفهم في العالم الواقعي، تبدو في عالم الكتابة وطقوسها أكثر بساطة وقدرة على جذبنا إليها.

احتوى الكتاب مقدمة لبرنارد كريك، كانت مهمة كمدخل للإحاطة بالذين وجدوا فيه كاتب مقالات بارعاً براعته في الرواية وأولئك الذين لم يجدوا فيه غير الروائي الذي أحدث إضافة في مسار العمل الأدبي إلى بلاده والعالم.

مقدمة كريك تبدأ من كلمة الناقد الأميركي أرفيج هوي، الذي وصف جورج أورويل بأنه «كاتب المقالات الأعظم منذ هازلت وربما د. جونسون» (وليم هازلت كاتب وناقد إنجليزي، ولد العام 1778وتوفي في العام 1830. من أهم النقاد من حيث قدرته على التعمّق في تحليل مؤلفات معاصريه من الأدباء، وكذلك من سبقه من كبار الكتاب. نال قسطاً من التعليم في اللاهوت، والفن، والفلسفة. ثم بدأ يكتب للصحف والمجلات وامتاز أسلوب مقالاته بالوضوح والصفاء، وجمعت في كتب أشهرها «شخصيات مسرحيات شكسبير» (1817)، و»محاضرات عن الشعراء الإنجليز» (1819)، و»حديث المائدة» (1821-1822) و»روح العصر» (1825). وهو صورة لمعاصريه من الكتّاب والأدباء. كان صديقاً لوردزورث، وكولريدج، وسوثي، ولام.

كريك يرى في مقدمته أنه يجب قراءة أورويل «كشخصية ذات اعتبار في هذا التقليد الذي كان مشهوراً في يوم من الأيام، ولاسيما لدى الإنجليز. هذا التقليد (أو القالب من الكتابة) حتى لو كان جميع الكتّاب الإنجليز - لدى المقالة - يتسترون خلف الفضول التخميني لشخصية الأب الودود ميشيل دي مونتين، ومترجمه العظيم الأول إلى الإنجليزية جون فلوريو».

يشير كريك في المقدمة نفسها إلى أن الجمهور الذي اختاره أورويل «لم يكن من الطبقة الوسطى المهنية أو الإنتلجنسيا؛ لكن بالأحرى الطبقة الوسطى الدنيا التي لم تحظ سوى بتعليم ثانوي، والطبقة العاملة التي علَّمت نفسها ذاتياً».

يعرّج كريك في مقدمته على رواية «1984»، والتي رأى أنها «متوافقة مع النبرة التهكُّمية الساخرة لعدد من مقالات أورويل الرئيسية - مثل تلك التي تتناول المواد الإباحية والعنف (مصالح سلك الكهنوت: بعض الملاحظات حول سلفادور دالي)».

في «واقعة شنق» والتي نشرت للمرة الأولى في «Adelphi»، واختزلت لاحقاً وعُدّلت لتشكّل الفصلين الـ 27 و35 من كتاب «أورويل متشرداً في باريس ولندن»، يأخذ أورويل القارئ إلى جنوب شرق آسيا، وتحديداً بورما في أجواء السجناء والزنزانات. الكلب الذي خرج فجأة قبل تنفيذ حكم الإعدام في عدد من السجناء، وكأنه هبط من السماء. أربعون ياردة تبعد السجناء عن المشانق. مشهد ما قبل الإعدام وصولاً إليه. الكلب الذي انزوى ناحية بعد أن ترك الموت إمضاءه هناك... تفاصيل تأخذ باللب. ذلك جانب من السرْد الذي لم ينج منه أورويل، على رغم أنها تدخل ضمن أعماله في المقالات.

جزء من «لماذا أكتب» فيه السيرة الذاتية نفسها. ستجد ذلك في صورة أو أخرى. ليس بالضرورة أن يكون هو معنيّاً بتلك السيرة في شكلها المباشر، لكن القارئ لن يجد غضاضة في أن يجعله بطلها. أقول في جانب من الكتاب.

في «صيد فيل» التي نشرت للمرة الأولى في دورية «الكتابة الجديدة (New Writing) سنقف على السرْد أيضاً. نجد ذلك في الخاتمة: «فقد قمت قانونياً بالعمل المناسب؛ إذ إن فيلاً مجنوناً يجب قتله، مثل كلب مجنون، في حال عجز مالكه عن السيطرة عليه، أما بين الأوروبيين فكانت الآراء منقسمة: قال الرجال الأكبر سنّاً إني كنت محقاً، فيما قال الرجال الأكثر شباباً: إنه عار وملعون أن تطلق النار على فيل لقتله حمّالاً؛ لأن الفيل كان أكثر قيمة من أي حمّال لعين، وفي وقت لاحق كنت سعيداً جدّاً لأن الحمّال قد قتل؛ فذلك وضعني قانونياً في الصواب، وأعطاني مبرراً كافياً لإطلاق النار على الفيل. تساءلت مراراً عما إذا كان أحد قد استوعب أني فعلت ذلك فقط لتجنّب الظهور كأحمق».

في مقال «لماذا أكتب» وهو العنوان الذي حمله الكتاب، يخلص في نهاية مقاله إلى أن «كل الكتّاب معتزُّون بأنفسهم وأنانيون وكسالى، وفي قاع دوافعهم يكمن غموض ما. تأليف كتاب هو صراع رهيب ومرهق، كما لو كان نوبة طويلة من مرض مؤلم. لن يحاول المرء القيام بشيء كهذا أبداً لو لم يكن مدفوعاً بشيطان ما، هو ليس قادراً لا على مقاومته ولا فهمه».

وبحسب الترتيب في الكتاب، جاءت المقالات الآتية بعد المقالين المشار إليهما في الكتابة: ذكريات محل بيع الكتب، مراكش، داخل الحوت، ويلز وهتلر ودولة العالم، مارك توين – المضحك المرخّص، الشعر والميكرفون، أنت والقنبلة النووية، كتب جيدة رديئة، كوب لطيف من الشاي، تراجع جريمة القتل الانجليزية، بعض الأفكار حول العلجوم الشائع (العلجوم أو ضفدع الطين، هو حيوان برمائي غير مصنف من رتبة عديم الذيل. له عدة عائلات وعادة ما يختلط على غير الخبراء فلا يميزون بينه وبين الضفدع نظراً إلى تشابههما في الشكل لكن في واقع الحال يختلف العلجوم عن الضفدع بميله إلى العيش في المناطق البرية لذلك له جسم صلب وجلد ثخين ولون بني كي يتحمل الحرارة ويموه نفسه في البيئة المحيطة)، اعترافات مراجع كتب، لماذا أكتب، السياسة في مواجهة الأدب: فحص في أسفار جيلفار، لير ... تولستوي والبهلول، هكذا... هكذا كانت المسرات، وتأملات حول غاندي.

يُذكر، أن علي مدن من مواليد البحرين العام 1986، مترجم وكاتب مهتم بالسينما والدراسات الثقافية. عمل مُعدّاً للبرامج والتقارير في تلفزيون البحرين. صدر له كتاب في السينما بعنوان: «نزهة في فناء البيت الأبيض»، للكاتبة الأميركية باتريشيا هايسميث، ونشرت له أبحاث ومقالات وترجمات في دوريات وصحف في مملكة البحرين وبلدان خليجية أخرى.

العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً