العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ

صيد شهي؟!

زحام واضح وسط هذا الحر في سوق السبت، غير أني أتنقل من مكان لآخر، لا رغبة لي في شراء شيء من هذا السوق الشعبي. جئت هنا ظامئ الروح، مائي الذي أريد... أنثى تمطرني بأشهى حلم، لا حق لأحدٍ أن يصادره مني. ولسوف... نعم نعم هي ذي هناك!

تختبر عند العطار بضاعته، رذاذ القوارير يحاكي القوارير، بين أناملها الصغيرة الرشيقة، الرائحة شيء يأتيك من بساتين أو أكوان أخرى! حتى هيئتها كما هو واضح، هي من ذاك النوع المغناج، تتجاوب لو المرء أعطى الشرارة الأولى. الشعر مصبوغ ونصفه مكشوف وخطوط خفيفة من ماكياج مرهف اللمسات لأنثى تحسن سرد فتنتها العلنية ولكن بهدوء آسر. يخيل إليّ أن... لأقترب أكثر، هي ذي لاتزال تجرب قوارير العطر، تتمتع بذوق صعب الإرضاء ربما، هنا سوق شعبي بسيطة بضائعه والكثير منها عبارة عن أنواع رديئة أو علامات تجارية شهيرة ومقلدة، تضيع وقتها لا أكثر.

أه يا رقص قلبي الحائر، قوة جاذبة تطوح بي إليها، أعتقد أن صديقي محمود محق حينما نصحني بتفقد هذا السوق، مادام المرء يتصفح هنا وجوهاً مليحة مثل الزبدة البلدي، تتوهج في شمس الصيف، فتنة وغواية، فلا خسارة وقت، حتى مع هجوم رطوبة الجو فالأمر يستحق بعض العناء حتى يغني القلب ويثمل.

ها اقتربت من صاحب المحل كأي زبون عادي، هكذا أقلب صفحة وجعي إلى نعيم، اختلاس نظرات خاطفة ستكون برداً وسلاماً على نيران قلبي المصلوب في حمى اللهفة. بسرعة قبلما تغادر الحلوة، يستحثني شيطاني وهو خائف مثلي ذوبان الفرصة! البائع بالكاد رد عليّ السلام، طبعاً يعطيها الأولوية ومنظرها هكذا وهي تحمل كل هذه الأكياس، تجعلها مطمع باعة السوق بشهيتها المفرطة في التسوق. ها قد أخذ يجمل لها تلك القوارير المقلدة السخيفة. عطور سيئة يا حلوة، ها أنا أمامك، عطر قلبي أحلى لو تجربين شذاه؟!

لو تمكنت من تفجير عبارتي، لبردت نيراني... الحلوة كما أرى من الطينة ذاتها التي تتوافر في المجمعات التجارية، أسمائهن تختلف والشكل واحد، هكذا أخبرني محمود، هي مواصفات الفتاة المناسبة للصيد! تتقبل الفتى الجريء، عليه فقط المبادرة، لا أدري إن كنت سأنجح. كم هي جميلة، تخط حاجبيها بالكحل كما هي الموضة الرائجة عند فتيات اليوم، أما الحناء فهو ولا أروع من لوحة فنية منقوشة على وجه كفيها الرقيقين. ما أروع حلم النهار في هاتين العينين، كأنما هي تنام على صدري وأذوب معها في رقصة حب، مقطوعة موسيقية من سحر حيث نتمايل من فرط النشوة والفرح، هي هكذا وأكثر. تبحث عن عطرها السحري، لم تحدد أي نوع، كما أنا لم أحدد بعد أي العبارات الاستفتاحية التي سأشاكس بها، أهجس ثرثرة قلبي تئن في سكرتها خوف المغامرة!

مغامرة قد... لكن صديقي محمود مثل إبليس وفي كل مرة ينجح! أتذكره وهو يتهكم عليّ (أتحداك أن تفعلها؟! خلِ الصيد لمن قلبه قوي). لأكثر من مرة يسخر مني، أعرفه جيداً يتفاخر بعدد الفتيات اللائي تعرف عليهن وخرج برفقة بعضهن، هذا غير قائمة طويلة من أرقام الجوالات التي يدعي أنها كلها لمعجباته. (دنجواني) الطينة لا أدري كيف يصطاد كل هذا العدد من الفتيات؟ ما هي المميزات التي يملكها كي ينجذبن إليه؟ اللعنة... لست أشطر مني يا محمود المغرور، اليوم لابد أن أفعلها. أصلاً كل القصة أنت من لخصها من البداية، المبادرة الجريئة وفي التوقيت المناسب، أطرق الحديد وهو ساخن.

صيد شهي في المتناول، الحلوة هنا على عتبة اللحظة، عسل ينادي قلبي المهجور، فتقدمت بعد أن شحنت أنفاسي بعزيمة الرجولة وخاطبت البائع بعدما قلصت المسافة وكدت ألتصق بها وبنظراتها المستنكرة، فقلت: «أريد عطراً، خلطة مميزة لقلب عازبٍ مسكين فتته العطش، داويني الله يخليك»! البائع ضحك من كلماتي، ما كدت أبتهج بالموقف حتى ظهر أمامي شيء مثل الغول، تواريت في ظله وهو عابس الوجه يتطاير الشرر من عينيه ثم...

آه ه ه ه ما أرى أمامي شيئاً غير صداع يفكك رأسي. حجمه مثل البلدوزر لا أعتقد أنه بشر بتلك الجثة! هنا أحد الهنود لا أعرفه، كان يضع بعض الثلج في كيس بلاستيكي، فوق أنفي المهشم والعطار يهز رأسه:

- تورط نفسك مع خلق الله، أنت ما عندك غيره؟

- أنا لم أ...

- كنت تعاكس البنية، هذه خطيبته يا مهبول، أشكر ربك أن الناس هنا أمسكت الرجل عنك وإلا قريت على نفسك الفاتحة ودفنت!

صرت أمامه مثل شيء تافه، نهضت مغادراً أحمل بقايا مغامرة فاشلة، أغادر ورأسي تدور، خطواتي لا تجد الاتزان الكافي، الشمس ضارية وها أنفي ينزف ثانية والعيون تراقبني تطفلاً وشماتة. آه ه ه ه، لا بارك الله في صحبتك محمود.

العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً