العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ

قراءة في مسرحية «الدنيا دوّاره» لمركز الشاخورة

عندما نتحدث عن مسرحية «الدنيا دوّاره» ينبغي الوقوف وقفة متأنية للنبش في مكنونات عرضها الجميل الذي قدمه الفنانون الشاخوريون من خلال المسرحية التي ألفها الفنان إبراهيم بحر، وأخرجها كل من عقيل الماجد وعلي عبدالكريم بدر وهاني يعقوب، وعرضت ضمن مهرجان الريف المسرحي الثامن 2014 بتاريخ (27 مايو/ أيار 2014).

منذ التدريبات استفزني أن تخرج المسرحية على يد ثلاثة مخرجين شباب، وكنت أتساءل كيف سيتم ذلك؟. عادة ما يتردد الكلام حول التأليف الجماعي لا الإخراج، وهو في التأليف أكثر سهولة من ممارسة الإخراج كما أن تجارب الشباب القائمين على الإخراج محدودة جدّاً. في التجارب الأجنبية نجد القائمين على الإخراج يملكون الاختصاص في نواح معينة فيصبح لكل منهم مهمة معينة تثري العرض، كأن يشرف أحدهم على الأداء الحركي التعبيري على الخشبة ويختص آخر بالإدراماتورج الإنتاجي للعرض، الذي يكون عمله مرتبطاً بالإخراج، لكن ينتهي دوره مع بداية التدريبات؛ لأنه المختص في تحديد معالم الإطار الدرامي للعرض واختيار النص فقط وتوثيقه أو أن يدخل نفسه في صلب العملية الإخراجية ويقوم بتفسير المشاهد للممثل ليقرب الصورة في ذهنه فيصل إلى الشخصية إذا ما كثرت الضبابية على الحدث المسرحي، وبذلك يكون العامل المساعد لوصول الممثل إلى الحالة الخاصة التي ينشدها من خلال شخصيته المسرحية أو يكون محولا للغة الأدبية بحيث تكون لغة محكية. ولابد أن تخضع هذه العمليات إلى المخرج القائد المتخصص والممثل والمختص بمن يشكل سينوغرافيا العرض المسرحي.

كنت أجد بين هؤلاء المخرجين الواعدين مخرجاً واحداً فقط هو الذي سيقود المجموعة وله تأثير كبير على الباقين؛ لأنه يحمل قناعة ذاتية بأن رؤيته لإخراج العمل أفضل. كما أدركت أيضاً أن وراء هؤلاء الشباب الداعم الاختصاصي في الإخراج ويمتلك الخبرة ويشرف على المجموعة، فيتبصر أعمالهم ويتلمس أفكارهم ويعيد صياغتها. وهذا ما وصلت إليه حينما شاهدت العرض، وهذا ليس عيباً؛ لأننا يجب أن نستفيد من التجارب الفنية ونستقي من الخبرات في الإخراج والتمثيل.

كما لاحظت أن المسرحية تركز على مشاكل وهموم أسرية في إطار لعبة يلعبها الممثلون مع أنفسهم من خلال فرجة نتحسس منها همومنا الأسرية، فقد أفرغت شحنات تلك الهموم من دواخلنا. فهي ترتكز على فكرة اجتماعية ليس لها أي صور في التأويل والإسقاطات إلى واقع أممي سياسي أو اجتماعي. وقد ارتقت المسرحية بالأداء الجماعي، فقد لعب الممثلون أدوارهم باقتدار كما أن دخول الفنان علي بدر من مكامن الجمهور جعلنا ندرك أننا سنكون ضمن خيوط اللعبة، فبدأ ليعلن بدايتها ببروز المشكلة بينه وبين المخرج. هنا أدركنا أننا سنشاهد اللعبة، وأن إيلاجهم في عوالمها ودواخلها لا يخرج عن كونها لعبة لا عرضاً مسرحياً.

لكن ما شاهدناه في بداية العرض أخذ مساراً آخر فقد جرَّنا المخرجون إلى مشاهدة العرض وانقطعوا عن جمهور الصالة الذي يعد معهم داخل إطار اللعبة بقولهم: «لقد حضر الجمهور لمشاهدة العرض»، مع أن الحدث المسرحي تدريبات فلو وضعوا المسرحية في لجة لعبتهم مع أنفسهم مستمتعين بتقمص شخصياتهم والذوبان فيها والخروج منها للدخول في عوالم شخصيات أخرى، ولو تواصلوا مع الجمهور لكان أفضل، فالجمهور يستقي ويستبصر من فنهم وصدق أدائهم تلك الشحنات الهميَّة التي تلامسه، فيتفاعل معها أو قد تجره إلى ضحك ساخر من أدائهم الجماعي مع الجمهور.

من خلال قراءتي لنص المسرحية وجدت العرض أميناً على المحتوى «المشاكل الأسرية» فنقلها فعلا جميلا رائعا على الخشبة تفاعل معه الجمهور، ولكن حذفت المواويل والأشعار التي كتبها المؤلف وهي لها مدلولها وهي الثيمة التي تربط الممثلين بالمحتوى والفكرة وبالجمهور، لما تحمله من تعليقات ساخرة آنية شامتة وتجرنا إلى ألم جماعي نتعايشه ويبصرنا أننا كلنا ضحية.

وعلى رغم أن الممثلين برهنوا للمتلقين أنهم كانوا رائعين أداء سواء في ولوجهم داخل الشخصيات أو الخروج منها والدخول في عوالم شخصيات جديدة تتطلبها مواقف الفرجة من خلال لعبتهم، فكانوا يقدمون باحتراف ذلك التداخل الجميل بتأثيرات ناعمة على الخشبة ضمن أدوار محددة ومدروسة بحيث لا يوجد هناك اختلال بين واقعية التمثيل وبين معاصرة الموقف لمجموعة تدريب مسرحية نشبهها في عوالم المونتاج السينمائي (بالإفكت) التأثير المزجي البصري بين صورتين.

ما أروعهم جميعا حينما يتعاونون في لحظات ضمن إطار عراكهم ومشكلاتهم وتشابكهم في وسط الخشبة فتتناثر من أيديهم ملابس وعصي وقطع أخرى في حالة غضبهم الهستيري لتتولد لنا شخصية أنثوية بجمالها وتضاريسها وبهائها من خلال مشهد جميل أو تتغير معالمها إلى شيخوخة أفناها الزمن دون تكلف أو ارتباك.

وعلى رغم أن المخرجين استطاعوا بصريا أن يفسروا من خلال تعبيرات الممثلين الحركية تقادم الأيام والسنوات بحركة شبه دائرية بطيئة ليدللوا على أن انتظار الأسرة كان طويلا وعمرا مديدا دون أن يكون هناك ثمة انفراج لمشاكلهم. وبذلك يحسب للمخرجين والممثلين قدرتهم على تجسيد صورة بصرية مختزله بعيدة عن السردية في الحوار. كما استطاعوا السمو بالحالة المسرحية لدى الممثلين كل بحسب شخصيته، فجاء العرض جميلا مبهرا مشذبا راقيا منسوج التفاعل بينهم، وشكلوا إيقاعا متناغما، فبدت الروح النابضة في العرض وكسروا حواجز الملل من خلال تعليقات ارتجالية إلى كوميديا لصيقة بحالة تمثيلية خاصة ظهرت جلية في أداء الممثل المبدع يعقوب الماجد الذي تعمق في دراسة شخصيته فغرق على الخشبة بأنوثته حتى الثمالة فأثار الضحك لدى الجمهور.

لقد اختار المخرجون لعرضهم أن يكون فضاءً غير محدد بموقع جغرافي لا يدلل على مكان معين، وهذا أمر جميل؛ لأن الفرقة في تدريب مسرحي. فبات المسرح فقيرا خالياً من قطع الديكور وهذا يحسب لرؤية المخرجين وهناك ملابس ظهرت ووظفت أثناء التمثيل في لعبة على الخشبة جميلة مبتكرة لكنها فقدت تغيير تقادم الزمن وظلت كما هي تصميما وشكلا وكأن الزمن لا يغير إلا أجسادا، وهذا الشكل يحمل التناقض اللامنطقي. أجد أن العرض يحتاج إلى قطع من الديكور وتدخل مع الممثلين أثناء اللعبة وكراسي يجلس عليها الممثلون في مشهد «العيادة» وقطع توحي أن الأحداث في صالة منزل.

حاولت متابعة الممثلين أداءً فوجدت فوارق بينهم جاءت نتاج قوة الدور المنوط بتلك الشخصية، وهذا أمر طبيعي في معظم العروض، لكن مرتكزات العرض اختيرت بعناية تامة فظهرت الشخصيات مبدعة تجسدت في الممثلين عقيل الماجد بشكل خاص وبدر يعقوب وبدر الماجد وعلي بدر بوجه عام.

ولابد من الإشادة بالفنان زياد سبت بالذات الذي كان حواره المسرحي عزفاً مصاحباً موظفاً مع الحدث المسرحي بمعاونة الشابين بدر الماجد وبسام سبت في الإيقاع..

من وجهة نظري كان علي بدر مبدعا وجميلا وخبيرا في التجربة المسرحية من خلال أعمال سابقة. وجدته صادقا في انفعالاته بحسب دوره لكن يغلب عليه إضاعة بعض المفردات من الحوارات أثناء زفرات الانفعال المحموم في حين إنه يجب أن يمتلك اللياقة الرياضية ليوازن بين عمليتي الشهيق والزفير وبين قدرته في تفريغ الحالة النفسية والانفعالية بحيث لا تؤثر على مخارج الحروف.

العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً