شهد العصر الحديث للطب والرعاية الصحية الكثير من التطور في الممارسات الكلينيكية وظهور مبادىء ومفاهيم لعلوم مختلفة في مجالات المعرفة الانسانية كافة مما له ارتباط مباشر بالرعاية الصحية للمريض وطرق التشخيص والعلاج، ومن ذلك برز مجال وعلم الجودة وسلامة المريض كأحد أهم الدعامات الأساسية في الممارسة الطبية والصحية.
إن مبدأ سلامة المريض من أخلاقيات الممارسة الطبية، ومن أهم المعايير التي أرسى نظرياتها الرعيل الأول من الأطباء القدامى منذ نشأة مهنة الطب، لكن بقيت في المفهوم العملي من زوايا المهنة الطبية غير ذات الأولوية حتى وقت قصير جدّاً فى منتصف التسعينات من القرن الماضي وتحديداً في عام ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين ميلادية عندما ظهرت على السطح وفي وسائل الاعلام العالمية قصة الطفل ذي الأعوام السبعة الذي دخل الى غرفة العمليات لإجراء عملية شائعة وبسيطة لكن كان قدره المكتوب شياً آخر وطريقاً انتهى بموته بعد يوم واحد فقط.
حدث ذلك في الولايات المتحدة الأميركية فى (15 ديسمبر / كانون الأول 1995) في مستشفى مارتن ميموريال في ولاية فلوريدا وكان السبب أنه عوضاً عن حقن المريض بمخدر موضعي تم حقنه بمادة الأدرينالين المنشطة فسيولوجيا وما تبعها من تسارع نبضات القلب وانتهاءً بفشل القلب والوفاة، تبع ذلك الحدث وفي الوقت نفسه قصة موت المحررة الصحية لدى بوستن غلوب بيتسى ليمان وقد اعتبرت الجمعية الطبية الأميركية وقتها أن تلك الحوادث نادرة وفردية لكن تفاعل الرأي العام ووسائل الاعلام هو ما سلط الضوء وبشكل كبير على أهمية ما حدث، ومهد الطريق الى بزوغ علم سلامة المريض وواجب ومسئولية انتهاج الطريق الأشمل والأجدى في استقصاء ما يحدث من أخطاء في مجال الرعاية الصحية، كونها تمثل اعتلالاً ذاتيّاً في تصميم ووضع أنظمة الرعاية الصحية وما يتبعها من بروتوكولات وأدلة علاجية ومعدات وأجهزة طبية لتقديم الرعاية والعلاج وموارد بشرية ومالية وتدريبية وليس الفرد أو نظرية وثقافة اللوم التى كانت متبعة ومازالت نسبيّاً، عند تعرض المريض لأي أعراض غير محبذة ناتجة عن تدخلات تشخيصية أو علاجية.
لقد ترجم هذا البعد الأساس والمفهوم في الممارسة العلمية والطبية في منحى سلامة المرضى عندما قامت الجمعية الطبية الأميركية بالشراكة مع اللجنة المشتركة للجودة في العام 1996 بعقد مؤتمرهما الأول الذى عرف بـ « مؤتمر أنبيرج» للأخطاء الطبية الذىي اتخذ من نظرية «النظام» محورًا ومبدأ لفهم نظرية الخطأ الطبي والتعامل معه في منهجية واضحة ومحددة لتقويم وتطوير جميع الأنظمة الصحية وطرق العلاج استهدافاً لسلامة المريض في المقام الأول وطموحاً واعداً للتميز في الرعاية الصحية.
إن المحصلة العلمية والمهنية لنظرية «النظام» ومكوناتها وأثرها في حدوث الخطأ الطبي هي ما يجب أن يُبنى عليه ويُنطلق منه أولا عند تصميم وتنفيذ جميع أنظمة الرعاية، بل يجب انتهاج مبدأ ادارة يتخذ من مبادىء وعلم سلامة المريض ليس فقط أولوية ادارية، بل الأهم من ذلك أنها، أي المبادىء، قيمة حياة مضافة تضع مشرعي ومقدمي الرعاية الصحية أول وأهم الطرق الادارية لكسب المصداقية والفاعلية والأمان فيما يقدمون من خدمات تخصصيصة، وثانيا، يجب أن تكون كذلك مبادىء وأدوات الممارسات العلمية في مجال سلامة المريض هي الهيكلة والمنهاج عند التعامل مع الأخطاء الطبية واللجوء الى تحليل النظام وما يتم استخدامه من أدوات وطرق علاج وفهم بيئة الرعاية وكل ما يتصل بها، بل فهم وتحليل وتقييم العوامل الخارجية الفاعلة والمساندة التي تزود المنشآت الصحية والمستشفيات باحتيجاتها من أجهزة ومعدات وكذلك وسائل الاعلام المختلفة التي هي بطبيعة الحال تتقاسم جنبا الى جنب معنا، أطباء وكوادر صحية، مسئولية ورسالة رعاية المريض والقيام على صحته.
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4304 - الخميس 19 يونيو 2014م الموافق 21 شعبان 1435هـ
التشريح
الأخ الدكتور محمد شكرًا على المقال الشك في الخطأ الطبي ومن ثم تأكيده يتطلب التشريح وخاصة اذا كانت فيها شبهه جنائية او شكوى من عائلة المتوفى او شك من اللجان الطبية المعتمدة، ولا يمكن إثبات سبب الوفاة علميا بدون تشريح وفي البحرين تشرح الجثة بعد الوفاة اذا وجدت شبهه جنائية فقط . ولذلك اي تحقيق في وفاة بسبب خطأ طبي بدون تشريح للجثة وموافقة الأهل يعتبر غير مكتمل الأركان علميا. تحياتي د عادل العوفي