العدد 4304 - الخميس 19 يونيو 2014م الموافق 21 شعبان 1435هـ

نداءات شبابية للجهات المعنية لأخذ دورها في عجلة التنمية الثقافية

ثقافة القراءة والمطالعة في المجتمع البحريني تحت المجهر

محمود الشهابي - حسن الموسوي
محمود الشهابي - حسن الموسوي

«خير جليس في الزمان كتاب» مقولة تجاوزت الفواصل الزمنية والجغرافية على مر العصور؛ فهذه الصداقة فوق كل الاعتبارات والحواجز، وليس من الترف إن قلنا: قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت؛ فالكتاب في هذا الزمان هو الصديق والأستاذ والمربي، بل وإنه باختصار حياة أخرى كما يرى العقاد. والكتاب اليوم أصبح الهوية الثقافية لأي أمة وحضارة، وكلما غابت ثقافة الوعي بأهمية التمسك بالقراءة والمطالعة، كلما عدنا قروناً إلى الوراء، والواقع العربي لا يبشر بخير على الإطلاق؛ فست دقائق من القراءة السنوية لا تصنع جيلاً مثقفاً، ولا تصنع أمة قوية ترفع رأسها أمام الآخرين.

فقد أكدت إحدى دراسات المركز العربي للتنمية أن مستوى قراءة الطفل العربي لا يزيد على 6 دقائق في السنة، ومعدل ما يقرأ 6 ورقات، ومتوسط قراءة الشاب من نصف صفحة إلى نصف كتاب في السنة، ومتوسط القراءة لكل مواطن عربي لا يساوي أكثر من 10 دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للمواطن الأوروبي. قادتنا هذه الهواجس إلى طليعة من الشباب المثقف، ونخب من النسيج الاجتماعي البحريني لنرى عن كثب مدى حضور ثقافة القراءة في أوساط المجتمع البحريني فكانت مجموعة محطات.

ماذا تعني القراءة

بالنسبة للمجتمع البحريني؟

يرى نخبة من المجتمع البحريني أن القراءة تعني لهم أشياء كثيرة، منها الاكتشاف والبحث عن المجهول ومحاولة تشييد وبناء الشخصية الفكرية، ووسيلة للتزود بالعلم والمعرفة. ويرون أن الإنسان في حياته يعيش سنين محدودة، بينما القراءة تضيف إلى عمره سنوات وسنوات لما تتيحه من فرصة الاطلاع على الحياة البشرية بمختلف تفاصيلها ومراحل تطورها، مما يكسبه خبرة من لو عاش ذلك العمر كله؛ فهي بذلك تفتح آفاق المعرفة وتعطي بعداً فكرياً، وبها تتكون ثقافة القارئ وتُصقل شخصيته وتتبلور وفق ما اكتسب من معارف. ويرى بعضهم أن القراءة بالنسبة له جزء من العادات اليومية التي يحرص عليها ويعتبرها بوابة مهمة من أبواب المعرفة والتحصيل العلمي.

وأيّاً يكن من تعبيرات تبعث على الطمأنينة بمدى الوعي بهذه الثقافة، إلا أننا لانزال في بدايات الطريق، فبين العشرات الذين راسلناهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي فترة إعداد هذا التحقيق لم يستجب منهم سوى النزر اليسير، بينما لم يحرك البقية ساكناً، بل ولم يبدِ أغلبهم أدنى تفاعل بموضوع يحمل ما يحمل من أهمية، في إشارة واضحة إلى أننا يجب أن نعيد حساباتنا في هذا الموضوع الحيوي وما له من قيمة ترقى بها الشعوب والأمم.

القراءة في المجتمع البحريني

لعله من الصعب الجزم بمستوى واضح من حضور ثقافة القراءة والمطالعة في ظل غياب البحوث والإحصائيات التي يفترض أن تبادر إليها كل الجهات المعنية، وعلى أية حال فقد رأى البعض أن هذه الثقافة متدنية جداً في أوساط مجتمعنا وشبه غائبة، فيما تفاءل البعض الآخر بقوله إننا لازلنا بخير.

يقول السيدحسن الموسوي: «إن الشباب يتفرع ميولهم لأمور عدة فبعضهم مولع بالرياضة مثلاً أوغيرها، ولو قسنا على مستوى كل الشباب سيكون المستوى متدنياً نوعاً ما، لكن من خلال المقايسة على أساس الطلاب الحوزويين والجامعيين والمثقفين تكون نسبة كبيرة مهتمة بالقراءة». ويضيف السيدعلي المحافظة متفائلاً: «أرى أن الوضع بدأ يتحسن شيئاً ما بسبب ارتفاع معدل الجامعيين الذين يمثلون الفئة الأكثر قراءة... واستطعت أن أستشف هذا المعدل من خلال المقارنة بين مستوى تفاعل الناس في معارض الكتب المقامة هذا العام وما سبقه من الأعوام القليلة العجاف».

التشخيص الموضوعي للمشكلة

لعل أبرز أسباب العزوف عن القراءة ترجع إلى تطور الحياة التقنية والتكنولوجية كما يرى بعض الباحثين والأكاديميين، فالمعلومة التي كان الجاحظ يستأجر لأجلها مكتبة كاملة ثم لا يلقى حتفه إلا بسببها، والمعلومة التي كان جابر بن حيان وابن سيناء وغيرهم من علماء المسلمين وجهابذتهم يستغرقون سني عمرهم كلها للبحث والتنقيب عنها لم تعد في زمننا هذا سوى وجبة معلبة تقدمها لك الشبكة العنكبوتية في ثوان معدودة، وهذا التطور الهائل على رغم الخير الوفير الذي أنتجه في المجال العلمي والثقافي وغيرها سبَّب نوعاً من الجفاء مع أوراق الكتب، بل وطلاقاً بائناً لدى البعض.

ونظراً في أسباب هذا التدني يقول عبدالله العجمي: «أفضل استخدام كلمة عدم اقتراب أو هجران؛ لأن الشباب لم يقترب من القراءة من الأساس حتى يبتعد عنها، و لكن لنراجع الأسباب:

السبب الأسري؛ وذلك أنه ليس هنالك تشجيع واضح من قبل الأسر البحرينية لأبنائها بالقراءة وأتكلم هنا بشكل عام. ثم إن المدارس العامة التابعة لوزارة التربية والتعليم والتي ينتمي لها غالبية الطلبة لا تكون مهيأة لاحتضان جو القراءة المثالي، وفي المقابل نجد أن المدارس الخاصة بمناهجها وتوجهاتها تدعم الطالب في هذه الناحية. ومن زاوية أخرى، تصنف البحرين على أنها دولة غنية نفطية من دول العالم الثالث ما يعني بشكل كبير اعتمادها على الخبرات الأجنبية في معظم المجالات وهذا لا يعطي الحافز الكافي للشاب للقراءة باعتبار أن كل شيء قد يكون متوافراً له، أضف لتلك الأسباب مسألة قلة معارض الكتاب الحكومية والأهلية منها وغياب دور المؤسسات الخاصة في تشجيع القراءة مع غلاء أسعار بعض الكتب ما أدى إلى انفصال المثقف عن المجتمع».

وفيما يتفق أغلب الشباب البحريني على دور المؤسسات المجتمعية بدءاً من الدولة ووصولاً للبيت والمدرسة، تشير حوراء علي إلى دور الكتّاب والمؤلفين في هذا الموضوع قائلة: «الكُتّاب لهم دور كبير في التأثير على رفع مستوى القراءة اليوم، فالكاتب بأسلوبه الفريد والذي يناسب جميع العقول يمكنه أن يغير ويسهم في القراءة، فأغلب الشباب يبحثون عن الكتب التي تكون سهلة الفهم والتي لا يتطرق كاتبها إلى تفاصيل معقدة و طويلة».

بين القراءة الإلكترونية

وقراءة الكتاب الورقي

لعل من أبرز ما تطورت إليه ثقافة القراءة والمطالعة هي مسألة ظهور ثقافة القراءة الإلكترونية، فبعد عصور من السرعة والتقدم التقني وانشغالات لا تحصى، يبدو أن الكتاب الإلكتروني بدأ بسحب البساط عن الكتاب الورقي، ولكن لازالت النسبة الأكبر من أبناء المجتمع البحريني متمسكين برائحة الورق وملمس تقليب صفحاته.

يقول رضي القطري: «لا يوجد تفضيل وإنما لكل حالة استعمالها؛ فمثلاً لا يمكنني قراءة رواية بمئات الصفحات من خلال شاشة لما له من أثر سلبي، ولكن يمكنني قراءة دراسة مهمة من صفحات معدودة على الأجهزة اللوحية أو الحواسيب». ويتفق الموسوي معه مؤكداً أن لكل من النوعين مميزاته وسلبياته، ويضيف: «عن نفسي أستخدم النوعين، والقراءة الورقية لها طعمها الخاص وهي أفضل من النواحي الصحية، وأما الإلكترونية فتتميز بسهولة البحث وقلة الكلفة». ويضيف المحافظة: «أفضل القراءة الورقية لأنها تعطي للكتاب شيئيته وقيمته، وكذلك لكون القراءة الورقية أسهل ولا تشتمل على التعقيدات التي تفرضها القراءة الإلكترونية من إنترنت وكهرباء ووضعية محدودة وغيرها...»، ويوافقهم العجمي مؤكداً: «طبعاً أفضل القراءة الورقية؛ وذلك لأن القراءة الإلكترونية قد تضر بالعينين وترهقهما، إضافة إلى التطبيقات الأخرى التي قد تزعجك وتشتت جو القراءة». بينما يخالف محمود الشهابي هذه الآراء بسبب ما تفرضه محدودية الوقت وعصر السرعة فيقول: «في الفترة الحالية ونظراً للانشغالات المختلفة، فإنني أفضل القراءة الإلكترونية كوسيلة أسرع في البحث والاطلاع».

ما هي الخطوات المناسبة

لعلاج هذه المعضلة؟

وإيماناً بضرورة هذه الثقافة وأهمية حضورها في مجتمعنا البحريني، أشار مجموعة من الشباب إلى بعض الخطوات التي يمكن أن تساعد في النهوض بثقافة القراءة والمطالعة.

ترى بتول ربيع ضرورة وضع البرامج التوعوية الشاملة بأهمية هذا الموضوع، كما وتشير أيضاً لأهمية وضع البرامج التحفيزية التي تشجع الشباب على الإقبال على القراءة والمطالعة.

ويضيف الشهابي مقترحاً تهيئة المناخ المناسب من قبل الأسرة نحو القراءة وتشجيع الطفل منذ الصغر، وتشجيع الطالب أثناء الدراسة في المدرسة وحثه على الاطلاع والبحث والقراءة. كما ويؤكد على الدور الذي تلعبه المؤسسات المجتمعية من خلال التوجيه وإقامة البرامج التوعوية والحملات المختلفة لتعزيز ارتباط الجمهور بالقراءة.

ويرى المحافظة أن الحل يكمن في استقرار المجتمع وإتاحة الحرية الثقافية وتشجيع النشاط الثقافي على مستوى الدولة ككل. وأما على المستوى المجتمعي: فالمؤسسات الأهلية وأولياء الأمور مطالبون بغرس حب القراءة لدى الأبناء منذ الصغر وبيان أهميتها وجعلها جزءاً من روتينهم اليومي. وأما على الصعيد الفردي فعلى الفرد أن يشعر نفسه بأهمية القراءة والثقافة بشكل عام ودورها في تنمية ذاته وإصلاح مجتمعه.

فيما يضيف العجمي مشيراً لدور الدولة والمؤسسات المجتمعية: «يقع على عاتق الدولة والمؤسسات غير الحكومية والقطاع الأهلي إقامة مسابقات ومعارض وورش عمل تعنى بالقراءة، كما يجب تنمية حس القراءة منذ الصغر من قبل المدارس. ولا ننسى دور الجهاز الإعلامي لدينا؛ حيث إن عليه مسئولية ضخمة للترويج للقراءة»، ويقترح كذلك أن نطبق فكرة دولة الإمارات العربية المتحدة وهي إقامة معرض كتاب (كتاب بدرهم)».

ويقول القطري مقترحاً: «تعالوا نفهم الجيل معنى القراءة والكتابة ولماذا نقرأ ونكتب، وليكن الانطلاق من المدرسة بتخصيص حصة - ولو أسبوعياً - بعنوان (قراءات)».

وختامًا نقول: إننا نحتاج إلى ثورة على ذواتنا من أجل استنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تتبلد عقولنا وتموت، ولتبدأ الأسرة في غرس بذور حب القراءة لدى طفلها، ولتعمل المدرسة على ري هذه النبتة بماء من التوجيه والتشجيع، ثم فلتشرف على هذه العملية كل مؤسسات المجتمع من صغيرها لكبيرها لتجعل منها أولوية من أولوياتها، لنرَ المكتبة الصغيرة في البيت، والحافلة، والمدرسة، والعيادة، وقاعات الانتظار وفي كل مكان كما نرى ذلك في اليابان، لكي تؤتي هذه الشجرة أكلها كل حين في شخصية أجيالنا وتربيتهم وثقافتهم، وعند ذلك فقط يمكننا أن نكون بخير.

رضي القطري
رضي القطري
عبدالله العجمي - علي المحافظة
عبدالله العجمي - علي المحافظة

العدد 4304 - الخميس 19 يونيو 2014م الموافق 21 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً