العدد 4303 - الأربعاء 18 يونيو 2014م الموافق 20 شعبان 1435هـ

باركس: حالة التشتيت المستمر التي أنشأتها الإنترنت تقتل الرواية التقليدية

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

شبكة الإنترنت، وسائل التواصل التي تستجدّ ويتم تحديثها بسرعة لافتة، باتت تشكّل مصادر قلق على القراءة اليوم لدى كثير من الكتّاب والروائيين والشعراء في العالم، وحتى أولئك الذين على ارتباط حميم مع الكتاب. القضية تأخذ حيّزاً من الاهتمام في الغرب الذي خرج بتلك الثورة المعلوماتية على العالم، أكثر من الحيّز الذي يناله في الدول التي تستقبل ذلك الإنتاج المعرفي والثقافي والأدبي. ثمة حديث عن حالة، البعض عبّر عنها في ترجمة أخرى بـ "دولة الإلهاء أو التشتيت" بدل "حالة الإلهاء والتشتيت" التي تقوم بها شبكة المعلومات بكل إمكاناتها وخياراتها المتنوعة، استدراجاً للقرَّاء؛ ما يعني انحسار الذين يقرؤون ما ينتجه أولئك.

آدم لوشير، كتب تقريراً في صحيفة "الإندبندنت" يوم الأحد (15 يونيو/حزيران 2014)، تتبَّع فيه رؤى عديدة لكتّاب أولهم البريطاني تيم باركس، وويل سيلف، وكان الروائي الأميركي فيليب روث حاضراً أيضاً:

قال الكاتب والروائي البريطاني، تيم باركس: "إن حالة التشتيت المستمر التي أنشأتها شبكة المعلومات (الإنترنت)، والرسائل النصية والبريد الإلكتروني تقتل الرواية التقليدية.

وأضاف باركس، مؤلف عديد من الأعمال الروائية، والذي كان على قائمة المرشحين لجائزة بوكر في العام 1997، للرواية غير الخيالية، والفائز بجائزة بيتي تراسك عن روايته الأولى "ألسنة اللهب"، في العام 1986، أن الأعمال التقليدية الطويلة يجب أن تُقسّم إلى أجزاء قصيرة لتمنح القارئ مساحات أكبر للتوقف عند تلك الأجزاء كي تستطيع منافسة أدوات التواصل الحديثة، لتحوز على انتباه القارئ.

(جائزة تراسك بيتي، تمنح للروايات الأولى التي تكتب من قبل مؤلفين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، ومن الذين يقيمون في دول الكومنولث الحاليين أو السابقين. يبلغ مجموع جوائزها 20 ألف جنيه إسترليني. والكاتب الذي يحصل على الجزء الأكبر من المبلغ يُعرف باسم الجائزة، والذين يتشاركون في قيمتها يقدّمون باعتبارهم حاصلين على "جوائزها". تأسست الجائزة في العام 1984 من قبل جمعية المؤلفين، وتم تأسيسها بناء على وصية بيتي تراسك. وتعطى الجوائز للروايات التقليدية أو الرومانسية، بدلاً من تلك التي تعتمد في أسلوبها على التجريبية).

وأوضح باركس، أن إغراءات البريد الإلكتروني والرسائل النصية وسكايب والمواقع الإخبارية يتم تحديثها باستمرار عبر الأجهزة التي نقوم باستخدامها"، مؤكداً أنه يجب القتال كل لحظة من أجل القراءة وسط الإغراءات المتعدّدة تلك".

ونتيجة لذلك، كما قال، فإن على الروايات أن تتبنى أيضاً حالة التشتيت الدائم لمنافسة الإنترنت.

وختم "سأذهب في ورطة التنبؤ: الرواية الأنيقة والنثر المتميز للغاية، بما يتضمنه من دقة في الخيال والتعقيد المفاهيمي والنحوي، سيميلان إلى تقسيم نفسيهما إلى أقسام أقصر وأقصر، عارضين تواتراً أكثر حيث يمكننا أن نأخذ ما يشبه الوقت المستقطع".

وفي محاضرة بجامعة أكسفورد في الشهر الماضي (مايو/أيار 2014)، قال المؤلف ويل سيلف: "إن الرواية الأدبية باعتبارها عملاً فنياً وشكلاً من أشكال الفن السردي المركزي في ثقافتنا، تموت في واقع الأمر أمام أعيننا. إذا كنت تقبل ذلك فعندها ستتم قراءة الغالبية العظمى من النصوص بالشكل الرقمي على أجهزة مرتبطة بشبكة الإنترنت. هل الرواية – كرواية – سيختارها أولئك القراء – في اعتقادك - طوعاً لتعطيل تلك الروابط، انحيازاً لها؟ إذا كان الجواب لا، فعندها يكون موت الرواية قد تم التصديق عليه من فمك" بتلك الإجابة.

كما عبّر باركس عن قلقه بشأن انحرافات التكنولوجيا الحديثة، وهو ما ردَّده الروائي الأميركي فيليب روث (ولد فيليب روث في العام 1933، في مدينة نيو آرك بولاية نيوجيرسي الأميركية. روائي وقاص يعود لأصول مهاجرين يهود من أوروبا الشرقية. امتدت مسيرته الأدبية الممتدة على 53 عاماً، اشتهر خلالها في العالم بأسره. نال روث أول ما نال من الشهرة، حين أصدر مجموعته "وداعاً كولمبوس" (1959)، وكانت تضم خمس قصص قصيرة، وأقصوصة طويلة. وفي الأقصوصة الطويلة، التي تحمل عنوان المجموعة نفسه، تحرّى روث ما شاهده من مفاتن مادية، وتكاليف دينية، في الحياة اليهودية للطبقة الراقية من سكان الضواحي. حاز الكاتب جوائز عديدة منها جائزة بوليتزر العام 1998 عن "أميركان باستورال"، و "ناشونال بوك أوارد" العام 1960 عن "وداعاً كولومبوس"، وفي العام 1995 عن "ساباث ثياتر". كتب فيليب روث نحو 30 رواية. صدرت روايته الأخيرة "نيميسيس" العام 2010 في الولايات المتحدة).

وعندما نشرت رواية روث "نيميسيس" (آلهة الانتقام) العام 2010 قال في مقابلة: "إن التركيز، ونقطة التلاقي، والعزلة، والصمت، كل تلك الأشياء المطلوبة للقراءة الجادّة لم تعد ضمن متناول الناس".

ومع ذلك، ليس كل الكتّاب متشائمين جداً. ذلك ما يمكن تلمّسه لدى الروائي فيليب بولمان، الذي قال لـ "الإندبندنت": "هناك دائماً عدد قليل من الناس الذين يريدون الذهاب إلى قراءة أدب روائي جاد. إذا كان هناك طلب عليه، سيظل على قيد الحياة. ما سيتغيّر هو طبيعة النشر".

"هناك من كان يدوّن الأمور والتفاصيل. سابقاً كنا نجلس متحلّقين ونسرد القصص. بعدها جاءت مطبعة نوتنبرغ؛ ما سمح للأشياء أن تتكرّر بسرعة أكثر من ذلك بكثير. "الانترنت والرقمنة تمثل التغيير الثالث الكبير - ولكن حان وقت رواية القصص في شكل أو آخر من خلال هذا التعدّد في القلق وأنواع التشنجات التي حولنا، وسنواصل القيام بذلك".

وقد سعى معلقون آخرون أيضاً إلى التقليل من أزمة الثقة الحالية في عالم الأدب من خلال الزعم بأن زوال الرواية قد تم التكهن به لأكثر من نصف قرن.

يذكر أن تيم باركس، بالإضافة إلى كتابته الرواية والقصة، اشتغل على الترجمة أيضاً. ولد في 19 ديسمبر/كانون الأول 1954، في مانشستر. الابن الثاني من القس هارولد باركس وجواني ماكدويل. نشأ وترعرع في فينشلي، بلندن وتلقى تعليمه في جامعة كامبريدج وهارفارد. كما استقر قرب فيرونا بإيطاليا العام 1981. وتعكس تصريحات باركس الذي رشحت روايته "Europa" لجائزة بوكر العام 1997 قلقًا واسعاً في دائرة الأدباء حول قضية تأثير الإنترنت على حالة القصة الأدبية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً