منذ أن تشكل النظام السياسي العربي بعد مرحلة خروج الاستعمار وقيام الدول الوطنية في المنطقة، ظل هذا النظام جامداً دون تغيير حقيقي على الرغم من كل التحولات، ما أعاق نمو المجتمعات وتطورها بما يتناسب مع إمكانياتها وقدراتها. وقد كشف ما أطلق عليه أحداث الربيع العربي عن إشكاليات عميقة في النظام السياسي العربي علها تفسر حالات الفشل والتراجع.
دول أخرى في العالم مرت بنفس الظروف، وتمكنت من إعادة بناء أنظمتها السياسية بصورة تتوافق مع حاجات وتطلعات مجتمعاتها، ما نتج عن ذلك تحقيق تقدم تنموي ملموس على مختلف الأصعدة والمجالات.
الأنظمة العربية بصورة عامة لاتزال تحتل مواقع دنيا في مختلف المؤشرات الدولية في مجالات الممارسة الديمقراطية والمشاركة العامة والشفافية واحترام حقوق الإنسان والحريات والخدمات العامة، بينما هي ذاتها متقدمة في قمع مواطنيها وانتشار الفساد واستغلال السلطة.
من الإشكاليات التي يعاني منها النظام العربي تآكل الشرعية السياسية التي استمدها من مقاومة الاستعمار ومواجهة «إسرائيل» واستخدامه للشعارات القومية والدينية، لكن كل ذلك تضاءل اليوم حتى إن بعضها أصبحت عبئاً ومكلفة على الأنظمة العربية، ولم يتمكن النظام العربي من تجديد شرعيته عن طريق مصادر أخرى كوضع دساتير مقبولة شعبياً وعقد انتخابات دورية حرة ونزيهة وتطوير بنى الأنظمة السياسية كي توسع قدرتها على استيعاب مختلف المكونات.
ومن أبرز الإشكاليات أيضاً تكلس مؤسسات الأنظمة وعدم قدرة وتأهيل كبار المسئولين فيه، فكثير منهم كما هو معروف ليست لديه القدرة الذهنية والجسدية للقيام بشكل فعال بممارسة مهام عمله. بل إن الأغرب أن بعض الحكام يصر على الترشح -وبالتالي الفوز- في أية انتخابات رئاسية مع عدم التمكن حتى من الوقوف إلا بمساعدة.
في الأنظمة السياسية الفعالة يشترط فيمن يترشح لمنصب قيادي مهم أن يكون متمتعاً بصحة ذهنية وجسدية تؤهله للقيام بمسئوليات عمله وتأديتها على أكمل وجه.
الاستغلال الواسع للسلطة يمكن ملاحظته بصورة واضحة في الأنظمة العربية، فهي لا تعتمد أساساً على منظومة تشريعية ورقابية فاعلة، ما يعني توسع حالة الفردية والبعد عن العمل الجمعي والمؤسسي، من هنا تكون معظم القرارات خاضعة لمزاج المسئول وتقديره بدلاً أن تكون مرتبطة بنظرة أشمل وأبعد وضمن استراتيجية متكاملة.
هذه الحالة تقود إلى انتشار المحسوبية في توزيع المناصب السيادية، وإلى عدم سيادة القانون وهدر المال العام، وتفشي الفساد، وكلها أسباب واضحة تقود إلى إضعاف هيكلية النظام السياسي وتفككه وعدم قدرته على الفاعلية والمرونة.
وأخيراً فإن الأنظمة العربية الحالية لم تعد قادرة على التعاطي مع الأجيال الشابة التي دخلت الساحة الاجتماعية كقوى جديدة لها تطلعاتها وطموحاتها، فهناك بون واسع في نمط التفكير بين القيادات وهذه الطبقات الشبابية التي تمثل أغلبية المجتمعات العربية اليوم.
لعل معظمنا يدرك أوجه الخلل هذه لمعايشتنا إياها، ولكننا لا ننظر إليها كأسباب حقيقية تقف وراء حالة الترهل والتراجع في هذه الأنظمة، التي جعلت من قوى دولية وإقليمية جديدة وناشئة تتقدم سياسياً واقتصادياً وتقنياً بينما منطقتنا العربية تجتر الشكاوى والاتهامات.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4302 - الثلثاء 17 يونيو 2014م الموافق 19 شعبان 1435هـ
الأنظمة العربية
سياسة من دون مبادئ، ثروة من دون عمل، لذة من دون ضمير، معرفة من دون سلوك، تجارة من دون أخلاق، علوم من دون إنسانية، وعبادة مفيكة من دون تضحية.