العدد 4302 - الثلثاء 17 يونيو 2014م الموافق 19 شعبان 1435هـ

البحرين تدافع عن وضعها كمركز للأعمال وسط القلاقل والمنافسة

كمال أحمد
كمال أحمد

عندما أعلنت البحرين خططاً في ديسمبر/ كانون الأول الماضي لتقليص دعم الوقود، كانت خطوة نادرة صوب الإصلاح الاقتصادي في منطقة تسودها أنظمة الرعاية الاجتماعية الشاملة - من المهد إلى اللحد.

فقد قالت الهيئة الوطنية للنفط والغاز إنها سترفع تدريجياً سعر البيع المحلي لوقود الديزل ليصل إلى مثليه تقريباً بحلول 2017. لكن الخطة ما لبث أن وقعت في أحابيل السياسة الداخلية.

قاطع بعض أعضاء البرلمان اجتماعاتهم الأسبوعية احتجاجاً على زيادة الأسعار. وزار رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، البرلمان ليقول إنه ينبغي مراجعة الخطة. ومن غير الواضح بعد ستة أشهر هل ستمضي قدماً أم لا؟

وتسلط قصة الدعم الضوء على العقبات التي تواجه البحرين مع سعيها لتجاوز أحداث 2011.

ويكافح البلد الخليجي الصغير حالياً كي يظل مركزاً إقليمياً للأعمال في مواجهة قلاقل سياسية داخلية ومزاحمة شديدة من منافسين أغنى مثل دبي وقطر.

ومازال نمو القطاع المالي بطيئاً بينما تعوق الاضطرابات جهود البحرين للترويج لنفسها كمركز للخدمات اللوجستية والسياحة. وتريد الحكومة إصلاح أوضاعها المالية وتوفير المال لإنفاقه على تطوير الاقتصاد لكنها ستواجه خطر تنامي المعارضة إذا قلصت مدفوعات الرعاية الاجتماعية السخية.

يقول نائب رئيس مجلس الشورى البحريني جمال فخرو، لـ «رويترز»: «رغم أن خطة الدعم تتعلق بالديزل وليس البنزين المستخدم في السيارات فإنها لن تكون مقبولة من الناس وهو ما لا ترغب الحكومة في مواجهته. شعوب المنطقة اعتادت الرعاية الحكومية. الناس في البحرين لا يدفعون فواتير الكهرباء لأنهم يتوقعون أن يصدر الملك عفواً عنهم».

النمو

بدرجة ما تعافى اقتصاد البحرين على نحو جيد منذ احتجاجات أوائل 2011. لقد نما الناتج المحلي الإجمالي 5.3 في المئة في 2013 وهو أسرع معدل منذ 2008، ولا يبعد عن نتائج الدول الأخرى بمجلس التعاون الخليجي بالمقارنة مع 3.4 في المئة في 2012.

وهناك قلاقل محدودة شبه يومية في قرى خارج العاصمة، حيث تطلق الشرطة الغاز المسيل للدموع وطلقات الشوزن على شبان يشعلون النار في الإطارات ويقذفونها بالحجارة والقنابل الحارقة.

لكن في المنامة تقف ناطحات السحاب في حي المال والأعمال لا يعكر صفوها شيء، بينما تستضيف الفنادق الفاخرة المواطنين السعوديين القادمين عبر جسر الملك فهد للاستمتاع بمراكز التسوق والمطاعم في البحرين.

ورغم نقل بعض الشركات المالية الأجنبية بعض موظفيها إلى دبي نجحت البحرين في منع انسحاب جماعي للشركات الأجنبية ومازالت تمنح التراخيص لأكثر من 400 بنك ومؤسسة مالية، وهو نفس العدد تقريباً قبل اندلاع الاضطرابات، بل مازال البلد يستقطب جدداً.

ويقول المسئولون إن الأعوام الثلاثة الأخيرة أظهرت قدرة البحرين على منافسة دبي وقطر كبديل أرخص نسبياً يملك قوة عمل محلية ماهرة، في الوقت الذي يؤدي فيه ازدهار مراكز أخرى إلى ارتفاع التكلفة.

وقال وزير المواصلات ومدير مجلس التنمية الاقتصادية كمال أحمد: «نرحب بالمنافسة، إنها تجبرك على التطور ورفع المعايير. كلما تسارع نمو الاقتصاد الخليجي ككل كان ذلك أفضل لنا».

ويبدي رجال الأعمال المحليون في أحاديثهم الخاصة سعادتهم لتعيين ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، نائباً أول لرئيس الوزراء في مارس/ آذار 2013، حيث ينظر إليه كداعم للأعمال.

لكن نظرة على مصادر نمو البحرين تكشف عن صورة أقل إشراقاً. فمعظم النمو من صناعة النفط المعرضة لمخاطر تقلبات الأسعار العالمية. وتملك البحرين احتياطيات نفطية أقل من جاراتها وبحسب تقديرات الحكومة الأميركية قد تنفد احتياطياتها المؤكدة خلال عشر سنوات بمعدلات الإنتاج الحالية.

وقاد قطاع الموارد - الذي يشكل النفط معظمه ويسهم بأكثر من خمس الناتج المحلي الإجمالي - النمو في الربع الأخير من 2013، ونما 14.6 في المئة على أساس سنوي.

في المقابل لم يزد معدل النمو في قطاعي البناء والخدمات المالية على 1.5 في المئة، وهو ما يتناقض مع مسار تطور البحرين الذي كان أكثر تنوعاً في السنوات العشر السابقة على اندلاع القلاقل ومع النمو السريع الحالي لقطاعات شتى في دبي وقطر.

وفي حين مازالت عجلة القطاع المالي للبحرين تدور فإنها أبعد ما تكون عن حيوية دبي. وتراجعت الاستثمارت القائمة في الصناديق المشتركة البحرينية - وهي مؤشر على ثقة المستثمرين - نحو 24 في المئة منذ فبراير/ شباط 2011 إلى 6.9 مليارات دولار في نهاية 2013، وهو أدنى مستوى منذ نهاية 2005.

المستقبل

تبدو البحرين قادرة على تفادي أية أزمة اقتصادية في المستقبل بفضل دعم السعودية التي يرى حكامها مصالح جيوسياسية في مساندة جارتهم.

وفي أعقاب أحداث 2011 تعهدت السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت بتقديم مساعدة قيمتها عشرة مليارات دولار للمنامة. وشجع ذلك الشركات الخليجية والأفراد على عدم تغيير نظرتهم للبحرين كمركز أعمال آمن ومناسب.

وفي العام الماضي اعتمدت المنامة على إنتاج حقل أبو سعفة النفطي، الذي تتقاسمه مع السعودية في نحو 71 في المئة من إيراداتها ارتفاعاً من 67 في المئة في 2012. ويعتقد المحللون أن الرياض قد تزيد حصة البحرين من النفط إذا واجهت المنامة مشاكل مالية.

لكن ما أبعد الدوران في فلك الاقتصاد السعودي عن المستقبل الباهر، الذي بدا في متناول البحرين كمركز تجاري كبير للمنطقة قبيل اندلاع الاضطرابات.

وإذا تراجعت أسعار النفط في السنوات المقبلة كما يتوقع بعض المحللين فقد تجد البحرين نفسها عاجزة عن الاستثمار في مستقبلها الاقتصادي البعيد مع مواصلة الإنفاق بكثافة على الرعاية الاجتماعية لاحتواء السخط الشعبي. وتشير أحدث بيانات الميزانية الحكومية إلى تلك المعضلة.

وارتفع العجز لمثليه تقريباً إلى 410 ملايين دينار (1.1 مليار دولار) بما يعادل 3.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013. وزادت المصروفات المتكررة في مجالات مثل الأجور والخدمات 14 في المئة إلى 2.9 مليار دينار في حين هوى الإنفاق على مشاريع التنمية 35 في المئة إلى 477 مليون دينار.

وفي تقرير صدر في أبريل/ نيسان، قال صندوق النقد الدولي إن من المرجح أن ترتفع ديون الحكومة إلى مستوى قياسي عند نحو 68 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 مقارنة مع 44 في المئة في 2013، مضيفاً أن البحرين بحاجة ماسة إلى إصلاح اقتصادها كي تستطيع الاستمرار في خدمة ديونها.

ومن غير الواضح في ظل الطريق المسدود الذي بلغته المحادثات بين الحكومة والمعارضة لإنهاء الاضطرابات إن كانت البحرين قادرة على امتلاك الإرادة السياسية لإصلاح أنظمة الضرائب والدعم.

يقول الاقتصادي وعضو جمعية الوفاق المعارضة جاسم حسين: «من الخطورة بمكان استمرار الدين الحكومي الحالي. الاقتصاد مازال رهن التغيرات في سوق النفط وإيرادات الدولة تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط. لا يمكن حل الأزمة الاقتصادية بين يدي أزمة سياسية متواصلة».

جاسم حسين
جاسم حسين
جمال فخرو
جمال فخرو

العدد 4302 - الثلثاء 17 يونيو 2014م الموافق 19 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً