كثيراً ما يكون الذين وراء تحقيق الأرقام القياسية لبعض الأعمال الفنية في المزادات العالمية، خارج الصورة أو في الظل، على الأقل في العالم العربي خصوصاً والعالم الثالث عموماً. من بين هؤلاء لويك غوزير، أحد أشهر الذين يقفون وراء الأرقام القياسية تلك في الغرب خصوصاً، وعالم المزادات وأوساطها والمرتبطين بها عموماً.
في المزادات، يتفق كثيرون من ذوي الاختصاص والمهتمين وحتى الذين يقتنون الأعمال الفنية، أنها تبيعهم القلق. القلق أثناء المنافسة على اقتناء عمل من الأعمال إلى حين رسوّ المزاد على طرف، وقلق ما بعد الاقتناء؛ إذ ذلك وحده يتطلّب كثيراً من الإجراءات الأمنية الصارمة التي تحول دون وصول اللصوص إلى تلك الأعمال التي دفعت عشرات الملايين قيمة لها.
غوزير هو أخصائي دولي، ونائب الرئيس الأول لقسم الفنون في مرحلة ما بعد الحرب والفن المعاصر، مع التركيز على تطوير الأعمال والمبيعات الخاصة لدى "كريستيز للمزادات". منذ انضمامه إليها في العام 2011، حقق فئة أعلى الأسعار لبعض الفنانين.
دخل في شراكة مع مؤسسة الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو لتقديم ١١ ساعة مزاد خيري لصالح جهود المحافظة على البيئة والحياة البرية التي تدعمها المؤسسة. حاصل على درجة البكالوريوس في تاريخ الفن من جامعة لندن.
كارول ڤوجيل من صحيفة "نيويورك تايمز"، كتبت تقريراً عنه في ٢٦ مارس/آذار ٢٠١٤، تناولت جانباً من نشاطه، وشهادة أحد زملائه في الدار نفسها:
يتذكّر خبير الفن المعاصر لدى دار كريستيز للمزادات لويك غوزير، البالغ من العمر 33 عاماً، اللحظة الكبيرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي حين حقق صفقة بيع لوحة "نهاية العالم الآن"، للرسام الأميركي كريستوفر وول، والتي بلغت 26.4 مليون دولار، وكانت تلك واحدة من المرات منذ العام 1980، التي يباع فيها عمل تزيد قيمته على 20 مليون دولار.
وقال غوزير: "لقد كسرَتِ اللوحة الجليد الذي انتاب السوق فجأة، أصبحت تلك اللوحة بأهمية لوحة لـ دي كوننغ. نحن نتحدث عن النطاق السعري نفسه".
إنه ليس مجرد رقم حصل عليه غوميز. المسألة تكمن في الصورة نفسها: قطعة قماش بيضاء ممتلئة فقط بكلمات "بِع البيت، بعِ السيارة، بعِ الأطفال". وهي الرسالة التي بعثها جندي أميركي لزوجته قبل أن يتلاشى في الغابة في فيلم لفرانسيس فورد كوبولا العام 1979 حمل العنوان نفسه. واعترف غوزير "أنا أحب الجانب الأكثر قتامة وحزماً في الفن المعاصر".
الآن، وأملاً في الاستفادة من السوق التي لاتزال مزدهرة، أوجد غوميز مزاداً خاصاً به منفصلاً هو بمثابة ضربة افتتاح لأسبوع محموم تثِبُ فيه مزادات أعمال ما بعد الحرب والفن المعاصر؛ وسيتم ملؤه باللوحات والرسومات والمنحوتات التي تحتوي مضامينها قلقاً يمكن معاينته.
المزاد يهدف إلى جذب الجيل الذي ينتمي له غوميز من هواة جمع الأعمال البدائية الثرية بمضامينها. وقد ضمّن غوميز نحو 30 عملاً فنياً تم انتقاؤها بعناية، ويقدّر لمبيعاته أن تصل إلى نحو 70 مليون دولار.
وكوسيلة لدفع الأمور إلى ما هو أكثر من ذلك، سيعقد مزاد غوميز ابتداء من الساعة السادسة مساء، لساعة واحدة فقط، قبل مزاد فيليبس، وهو مزاد منافس، يبدأ عملية بيع الأعمال المعاصرة مساء. وبدلاً من الدويِّ المعتاد للإعلانات، يريد جامعو الأعمال أن يعرفوا ماذا سيكون عليه المزاد قبل أن يتم إخراج الكتيّب التعريفي (الكتالوج)؛ لذا يتطلب الأمر تفقّد حساب غوميز على "الانستغرام" @loicgouzer.
ولمزيد من تميّز ما يبيعه في مزاد كريستيز الرئيسي لفن ما بعد الحرب العالمية الثانية والفن المعاصر، قرر غوميز أن يحظى بقليل من المرح، وأطلق على أمسية المزاد تلك: "إذا أنا عشْت سأراك يوم الثلثاء"، مستعيراً العبارة من لوحة ريتشارد برينس، لوحة قماش - السلمون الوردي العام 1990، مع دعابة تتردد كثيراً تقول: "رجل يهودي يتحدث إلى صديقه قائلاً: إذا أنا عشت سأراك الثلثاء، وإذا لم أعِشْ سأراك الأربعاء".
وسيتراوح العمل الذي سيكون محور المزاد مابين ٣ ملايين و٥٠٠ ألف و٥ ملايين و٥٠٠ ألف دولار.
وقال غوميز: "إذا سار المزاد بشكل جيد، سأراك الثلثاء، ولكن إذا لم يحدث ذلك، قد تجدني في الأرجنتين".
هناك نوع من الرسالة المروّعة في تشكيلة غوميز والتي تشمل أعمالاً لـ واد جوتون (فنان أميركي من مواليد 1972، هاموند بإنديانا. حصل على البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة تينيسي في نوكسفيل، العام 1995)، وقطعة خيالية تتكون من بنادق وأصفاد لـ كادي نولاند، و "الخوف"، وهي واحدة من اللوحات المبكّرة لـ داميان هيرست، مليئة بالذباب الميت. (داميان ستيفن هيرست فنان إنجليزي، وهو أبرز عضو في مجموعة تعرف باسم الفنانين البريطانيين الشباب، الذين كانوا يهيمنون على المشهد الفني في بريطانيا خلال العقد 1990, وهو مشهور عالمياً، ويقال إنه أغنى فنان يعيش في بريطانيا، مع ثروته التي تبلغ 215 مليون جنيه إسترليني في العام 2010، بحسب قائمة "صنداى تايمز" للأثرياء. وخلال العقد 1990 ارتبطت مسيرته ارتباطاً وثيقاً مع جامع الأعمال تشارلز ساتشي، ولكن المماحكات المتزايدة وصلت إلى ذروتها في العام 2003 لتصل العلاقة إلى الانتهاء).
وأشار غوميز إلى أن المزاد سيحوي أكثر من قطعة مُحبّبة، منها واحدة لجيف كونز "الكلب البالون"، ومنحوتات أو بورتريه لمارلين مونرو، ورسم تجريدي حالم لغيرهارد ريشتر، وسيباع بسهولة، معترفاً غوميز بأن مزاده "سيكون بالتأكيد محفوفاً بالمخاطر".
من ناحيته، رأى رئيس قسم الفن في مرحلة ما بعد الحرب والفن المعاصر في جميع أنحاء العالم بدار كريستيز، بريت غورفي، أن جهود غوزير هي بمثابة محاولة لرسم "الجمهور الأصغر سناً". وأضاف "في السنوات القليلة الماضية، كرّسنا بالدرجة الأولى القطع الفنية المعاصرة للفنانين الأصغر سناً، في مزاداتنا لنحظى بالزخم، وكأنه فعل إحماء لفرقة كبيرة. ولكن السوق تعود إلى النقطة التي لم يعد فيها فعل الإحماء حاضراً، بقدر ما هو حضور الحدث الرئيسي".
يقارن كل من غورفي وغوزير هذا النوع من المزادات لكسر قالب ونمط مزادات فيليب سيغالوت، وهو واحد من أسلاف غورفي في دار كريستيز، ممن روّجوا فنانين مثل كونز وماوريتسيو كاتيلان قبل أن يصبحوا نجوماً.
وأضاف غورفي "إنه سياق مماثل"، موضحاً، أن غوزير "كان استباقياً" في التقاط كل عمل في المزاد بنفسه.
وبالإضافة إلى الفنانين الشباب مثل جوتون أو نولاند، يقوم باختيار بعض المنحوتات واللوحات لكونز وباسكيات، من المجموعة التي هي معتمة في موضوعها.
ويعمل غوزير أيضاً على إنعاش السوق بأعمال ريتشارد برينس، والتي ظلت أسعارها راكدة في السنوات الأخيرة.
وأوضح غوزير "بالنسبة لي، ريتشارد برينس هو الفنان الأكثر أهمية منذ آندي وارهول، ولكن أسعار أعماله لم تكن هائلة في الآونة الأخيرة. (ولد وارهول في 6 أغسطس/آب 1928 في مدينة بيتسبرغ باسم آندرو وارهولا، لأبوين تشيكيي الأصل. تخرج من معهد كارنيجي للتكنولوجيا في العام 1949 ثم انتقل إلى مدينة نيويورك. بدأ العمل كفنان تجاري، فصمم عديداً من الإعلانات وعروض النوافذ للمتاجر. أولى أعماله المعروفة ظهرت في أغسطس العام 1949 حينما طلب منه تصوير مقالة لمجلة "غلامور". في يونيو/حزيران 1968 أطلق عليه النار بواسطة فاليري سولاناس، وأصيب بجروح خطيرة).
لذلك ضمّن غوزير خمسة أعمال لريتشارد برنس في هذا المزاد، تمثل فترات وأساليب فنية مختلفة.
في نهاية المطاف يمكن القول، إن من يستطيعون دفع المبالغ الباهظة تلك عن الأعمال التي سيعرضها غوزير، في دار كريستيز، عليهم أن يدركوا أنه سيبيعهم القلق!