قبل أيام، أكمَلَ الرئيس الإيراني حسن روحاني عامه الأول رئيساً للجمهورية الإسلامية. هذه هي الصورة المباشرة عن الرجل، لكن الحقيقة، هي أنه بات يسير في عامه الخامس والثلاثين كواحدٍ من أهم قيادات الدولة الإيرانية ما بعد الثورة الإسلامية. وبشكل أدق، هو قد أنهى اثني عشر ألفاً وتسعمئة وسبعة أيام فاعلاً فيها ومتنقلاً في مراتبها المختلفة. وكل مَنْ تابَع مسيرته لن يجده إلاَّ في مسار اليمين الديني وصفوف المحافظين.
لقد ظَهَرَ روحاني كرجل اعتدال خلال الانتخابات التي فاز فيها، وتالياً بفوزه كرئيس لبلاده، لأنَ مَنْ سبقه (محمود أحمدي نجاد) لم يترك لأحدٍ فرصة الظهور متشدداً بذات الكيفية التي كان هو عليها. أيضاً، فإن موقع الرئاسة، فَرَضَ على روحاني أن يكون متوازناً وهو يحاول انتشال إيران من منزلقٍ مأزوم، أحدهما سياسي والآخر اقتصادي.
بالتأكيد، فإن ذلك ليس تشكيكاً في أصل نوايا روحاني، بل توصيف لقدرته على «التكيُّف» مع الظروف والإمكانات المتوفرة معها، دون أن يُنكر أين هو يقف سياسياً. فهو يعمل بين نقطتَيْ «أسرع وأبطأ» حركة في نشاط الدولة التي ينتمي إليها، وبالتالي فهو يؤمن بأن تقدمه (أو تقدمها) مرتبط بالعمل وفق ذلك المنسوبيْن في الحركة وبتوازن.
في النظام، لازال روحاني منهمكاً في تقوية «صداقات ضرورة» مع مراكز القوى في السلطة المرئية والمخفية التي أقامها. مع المرشد الأعلى، أظهر روحاني خفضاً للجناح، وانحيازاً تاماً لشرعية صلاحياته، وتسليماً معنوياً لموقعه (راجع خطابه في ذكرى رحيل آية الله الخميني) لكنه كان قادراً على إقناع المرشد بسياساته وببرامجه إلى أقصى حد ممكن.
مع الحوزة الدينية، حَرَصَ روحاني على مد خيوط مزدوجة. فهو مدرك أن الحوزة أيضاً منقسمة على مَنْ تدعمه في مسطرة السياسة الإيرانية. لذا، فقد قام بتجسير علاقات مع «التوجهات الحوزوية» المختلفة في السياسة. فزار مكارم شيرازي كداعم لليمين التقليدي، ونوري همداني كداعم لليمين المتشدد، وجعفر سبحاني كداعم لمثقفي اليمين، لكنه أيضاً زار موسوي أردبيلي كمرجع سياسي للإصلاحيين، وبالتحديد لليسار الديني، الذي ينتمي إليه مير حسين موسوي وكروبي وموسوي خوئينيها وهادي خامنئي وغيرهم.
مع مواطنيه، ورغم مرور عام على وجوده في السلطة، لم يُغرقهم روحاني في «وعود الجنة»، أو أن يُمنِّيهم بنثر أموال النفط على موائدهم كما كان يقول أحمدي نجاد، بل اكتفى برفع شعار «التدبير والأمل» كعنوان لحكومته وبرنامجه. وكان خفض نسبة التضخم من 45 في المئة في يوليو/ تموز 2013 إلى أقل من 30 في المئة في بحر خمسة أشهر من توليه السلطة، مؤشرٌ جيد بالنسبة إليه في ظل إدارة سابقة سيئة لاقتصاد كلي وبمديرين قليلي الخبرة، ووسط حصار غربي خانق أيضاً.
في الخارج، اتبع روحاني سياسة منفتحة في المسار المتماثل لكنها ليست مندفعة تماماً في المسار المختلف. فإقليمياً، حيث الخليج العربي، حرص روحاني على تقوية علاقاته مع «الدول القريبة» وبالتحديد عُمان والكويت والإمارات، ومع «الدول الأبعد» كالسعودية حيث صاغ سياسته وفق خارطة طريق وتبادل منافع أولية في ملفات إقليمية. أما في آسيا، فعزّز حضوره باتجاه الصين والهند والتكتلات الاقتصادية في القارة.
مع الغرب، أعاد روحاني تفسير علاقة «الثورة» مع «الدولة» من وجهة نظر محافظة، وتوجه نحو صلح تاريخي مع الولايات المتحدة الأميركية. فهو أول رئيس إيراني يتحدث إلى نظيره الأميركي. وفي عهده بدت اللقاءات بين مسئولي البلدين لا تحمل صفة «مسبوقة». وكان تحركه مسنوداً ومُجمَعاً عليه داخلياً وبإحكام، وبالتحديد من المرشد الأعلى.
روحاني أدرك أن هناك اندفاعاً عربياً نحو الشرق والابتعاد قليلاً عن الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية التي رأوا فيها حليفاً غير مضمون في الأزمات. وهو أمر حصل مع تركيا ومصر أيضاً، وبالتالي هو يريد أن يملأ هذا الفراغ من منطلق حاجة غربية، دون أن يغفل أنه يقدم بلاده على أنها شريك ونِدّ، يمكن أن يُتشَارَك معه في الأمن الإقليمي، سواءً في أفغانستان أو العراق أو سورية وشمال إفريقيا، وليس شيئاً آخر.
أيضاً، هو أدرك بأن ظروفاً عديدة فرضت لأن ينشأ هناك «تفاهم موضوعي» إيراني أميركي في مصر (قبل وبعد حكم الأخوان)؛ وفي سورية (بعد ظهور القاعدة)؛ وفي العراق (بعد تعاظم قوة داعش والنقشبندية وكتائب ثورة العشرين)، وهو ما دفع روحاني لأن يسارع في إيجاد ترتيبات في مجلس الأمن القومي الإيراني نحو استثمار «الظرف الدولي الجديد» وتجسير علاقة مع الأميركيين، لا يبدو أنها ستكون أقل من اتفاق «نووي» و»غير نووي» أيضاً.
اليوم، ليس هناك ما يمنع روحاني «داخلياً» من أن يذهب إلى الأميركيين زائراً أو مستقبِلاً لهم، كونه مدعوماً من المحافظين، الذين باتوا يقولون: «لو اقتضت مصالح النظام سنتفاوض مع أميركا حتى في قعر جهنم، فالمفاوضات مع أميركا ليست تابوهاً حتى تكون محرمة»، كما قال محمد جواد لاريجاني من قبل. وكل هذه العلامات قد لا تكتفي بإذابة الجليد بينهما، بل بمهر وثيقة «القرن» بينهما، حينها سينسى الإيرانيون «الشيطان الأكبر» وينسى الأميركيون «محور الشر»، وسيشهد العالم صلحاً جديداً بحجم مصالحة «السين والراين».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4300 - الأحد 15 يونيو 2014م الموافق 17 شعبان 1435هـ
لزائر 3 حول مكارم شيرازي كان حليفاً لرفسنجاني وخصما لاحمدي نجاد
ناصر مكارم شيرازي تاريخيا محسوب على رابطة علماء الدين المجاهدين وهو الذي دعم رفسنجاني في انتخابات 2005 وبالتالي اليمين التقليدي الذي دعم حينها رفسنجاني ولم يعطي تأييدا بالمطلق لأحمدي نجاد. أما همداني فمعروف قربه من نظريات مصباح يزدي
شكرا
شكرا على الرد ، من الجيد أن نعرف ما هي أهم الفروق الفكرية بين اليمين التقليدي والمتشدد ، لكن من أين نحصل على معلومات كهذه جزاك الله خير ؟
وقائع جميلة ... فقط لو تستمر
ما أخشاه هو أن يفشل المتشددون من الطرفين ( ايران و أمريكا ) هذا الاتفاق
شكرا على التحليل الجميل ، وسؤال
هل يمكن يا أستاذ محمد أن تذكر لنا مصدر هذه المعلومة : أن المرجع مكارم الشيرازي داعم لليمين التقليدي ، والمرجع نوري الهمداني داعم لليمين المتشدد كما ذكرت ؟ لم نسمع هذا قبلا . . . المرجع موسوي أردبيلي سمغنا عن مواقفه ، لكن بالنسبة لهذين المرجعين جديدة علينا .
تحليل وسرد
الأخ محمد قد سرد نتاج سنة من تولي روحاني للسلطة، وهذا التحليل جدير بالإهتمام، وفعلا يوجد تغير كبير في سياسة ايران الخارجية
وتوقعاتي بأن روحاني سيغير من سياسة ايران وسيرفع اقتصادها، ويبدو أنه حاذق وسيحقق الكثير دون ان يخسر
أغلب ما ذكرته صحيح ، ولكن كيف تفسر هذا
قال خامنئي امام الاف الاشخاص في طهران بحسب موقعه الالكتروني ان «بعض المسؤولين من الحكومة السابقة والحالية يعتقدون انهم اذا تفاوضوا حول المسالة النووية فانه يمكن حل القضية، لكن كما قلت سابقا في خطابي في مطلع السنة انا لست متفائلا ازاء المفاوضات وهي لن تؤدي الى نتيجة لكنني لا اعارضها». واضاف خامنئي «بدأتها وزارة الخارجية ستتواصل وايران لن تخل بتعهداتها لكنني اقول من الان انها لن تؤدي الى نتيجة».... الزبدة : لا أظن أن مسألة ( إجماع ) المحافظين على الاتفاق صحيحة بل الظاهر هي وجهة نظر جماعة روحاني.