على الرغم من أن الفقد حالة متكررة وبديهية، إلا أن القلب البشري مازال يخشاه ولا يستطيع تمرير أوقاته بسهولة ومن غير ألم، والفقد المرتبط بالموت هو الأقسى والأكثر إيلاماً. وحين يفقد المرء أحد والديه يتمنى لو أن الزمان يعود ولو للحظة؛ كي يستطيع تقبيل يديه أو يرتمي في حضنه في حالةٍ من حنينٍ لا يهدأ حتى مع التقدّم في العمر.
الرغبة في رشوة الزمن ليقبل بالعودة تلحّ علينا بين فترة وأخرى حين يتعلق الأمر بالحنين لشيءٍ ما، فكيف به حين يتعلّق بأحدٍ لا يمكن له أن يتكرّر كالوالدين؟
في إحدى المرات سمعتُ امرأةً ستينيةً التقيت بها صدفةً في إحدى العيادات تقول: كلما كبرتُ تمنيتُ لو أن والدتي معي؛ فحاجتي إليها تكبر مع تقدّمي في السن. كانت تقول إنها تتمنى لو أن الزمان يعود كي تكون لصيقةًً بها أكثر، وتحاول خدمتها كما ينبغي؛ كي لا تشعر أبداً بالتقصير تجاهها حين تغادر الحياة، وكي لا يغزوها الندم على فعل قامت به أو لم تفعله.
ما قالته هذه المرأة مازال يتردد في أذني ويجعلني أفكر ملياً في حياتنا، فنحن في كثيرٍ من الأحيان نهمل تفاصيل مهمةً يوميةً نراها في الوقت الآني بسيطةً لا معنى لها، بينما يجتاحنا الندم في وقتٍ لاحقٍ لأننا لم ننتبه إليها. تفاصيل لو أنها حدثت لكان الأمر مختلفاً في طريقة نظرتنا لأدائنا، وكان الأمر مختلفاً لدى من يشاركنا لحظاتها، وما يهمني في هذا المقام هو طريقة تعاملنا مع ما يخص أمهاتنا وآبائنا.
قرأت مرةً فكرةً رائعةً كتبها أحدهم: «ماذا لو كتب أحدنا كلمتين فقط في ورقة صغيرة ووضعها في سجادة صلاتهما: «أحبك أمي» أو «أحبك أبي؟».
الفكرة بسيطةٌ جداً، ولا تتطلب سوى بضع ثوانٍ وحب كبير ورغبة في رسم الابتسامة على وجهيهما، فكيف سيكون شعورهما حين يفتحان الورقة ويقرآن ما كتب وهما باتجاه القبلة في طريقهما للقاء الله في صلاتهما اليومية؟ بالتأكيد ستكون فرحتهما غامرةً، وسيدعوان له بالخير والتوفيق، فكيف إذا كان هذا الفعل البسيط مقترناً ببرٍ وإحسان غير آني؟
الوالدان نعمةٌ من الله ربما يشعر بعظمها من فقدهما أو فقد أحدهما أكثر من غيره، لأن الحاجة إليهما مستمرةٌ لا يمكن أن تتوقف أبداً، فيضعفه الحنين إليهما في أوقات كثيرة، ويحيله للذاكرة التي عاشها معهما، وحين يكون يتيم الأب أو الأم أو كلاهما معاً قبل أن تتكون لديه ذاكرة مفعمة بأحداث كانا بطلَيْها، فإن الأمر يبدو أكثر إيلاماً لأنه في الغالب يلجأ إلى الخيال ويظل ألم الفقد ملازماً له، إما أن يجعله مرهف الحس أو يحيله شخصاً قاسي الطباع. ولأنهما نعمة الله الأعظم في الدنيا والآخرة، فإن من الضروري أن نرعاها ونستثمرها للدنيا والآخرة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4300 - الأحد 15 يونيو 2014م الموافق 17 شعبان 1435هـ
مقال لذيذ
شكرا لكم
كلمات من القلب وللقلب
روووووعه روووووعه يا سوسن بيض الله وجهك لهذه السطور الجميله وجزاك الله الف الف خير لكلماتك المرصعه بالذهب لأغلى الناس ،،، امي ابي لك سلامي وتحياتي عمر بن عبدالرحمن
يتيم تائه
حاجتنا للوالدين تتعدى الجانب المادي، فمن أصبح يتيماً وهو في سنين عمره الأولى يعرف تلك الثقوب التي سيتركها اليتم في روحه وقلبه، فعلاً أنهما نعمة عظمى لا تعوض على الجميع استثمارها