نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أول أمس الجمعة (13 يونيو 2014 )بالتعاون مع الشبكة الاورمتوسطية لحقوق الانسان والمنظمة الدوليه لمناهضة التعذيب و الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان لقاء خاص حول الحق في التجمع السلمي في المنطقة الاورمتوسطية، تحت عنوان "حرية التظاهر بالمنطقة الارومتوسطية: انتكاسة خطيرة"، وذلك على هامش فعاليات الدورة السادسة والعشرون لدورات مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المنعقدة حالياً في جنيف والمقرر أن تمتد حتى 27 من الشهر الجاري، وذلك بحسب ما نقل موقع "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان".
واستضاف اللقاء كل من عثمان إدجى عضو جمعية حقوق الإنسان في تركيا وعضو اللجنة التنفيذية للشبكة الاورمتوسطية لحقوق الانسان، وياسين زايد، النقابي وعضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وباسم زكريا، الباحث ببرنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. وأدار النقاش جيرالد ستابروك الأمين العام للمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب.
شهد اللقاء استعراضاً لأهم ما خلصت إليه الدراسة الاقليمية التي اعدتها الشبكة الاورمتوسطية لحقوق الإنسان حول الإطار القانوني المنظم للحق في التجمع السلمي وحرية التنظيم في 13 دولة بالمنطقة الأورمتوسطية، ومدى اتساق تلك القوانين مع المعايير الدولية. كما سلط اللقاء الضوء على أمثلة حيه للقصور على مستويي التشريع والتطبيق في هذا الصدد في كل من مصر والجزائر و تركيا، واقتراح توصيات محددة من منظور المجتمع المدني للانخراط في الإصلاحات وتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية.
بدأ اللقاء باستعراض اهم مكونات الدراسة الميدانية للشبكة الاورمتوسطية والذي قدمه عثمان إدجى، مشيرا ان ثمة أشكال جديدة للتجمع السلمي قد افرزتها الانتفاضات الاخيرة في المنطقة، انطلقت من ميدان التحرير في القاهرة إلى ساحة تقسيم في اسطنبول. الأمر الذي اعتبرته الدراسة انعكاساً واضح لإرادة المواطنين في توسيع حدود المواطنة، والمشاركة الفعالة في الشأن السياسي العام.
وعلى صعيد العقوبات تشير الدراسة إلى أن العديد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة، تتبع عقوبات قضائية شديدة القسوة بحق المتظاهرين، ناهيك عن الغرامات الثقيلة أو السجن (الأمثلة الأكثر خطورة هي مصر وفلسطين وتركيا وسوريا) خاصة في ظل اتباع العديد من الدول تشريعات استثنائية (مثل قانون مكافحة الإرهاب) لمعاقبة المتظاهرين بقسوة أكبر (مصر، الاردن، لبنان، المغرب، سوريا، تركيا، وفي بعض الحالات في أوروبا) ناهيك عن تقديم بعض الدول المدنيين لمحاكم عسكرية أو محاكم استثنائية بعيدة الاختصاص لا تتمسك بمبادئ المحاكمة العادلة (مصر وإسرائيل والأردن وتركيا).
فعلى سبيل المثال وفي تركيا- حسب عثمان إدجى- تتعامل السلطات مع الاحتجاجات على اعتبارها تهديدا مستمرا للنظام، فمن جهة لابد من إبلاغ السلطات قبل 3 أيام من خروج الاحتجاج ومن ثم فلا وجود لأية احتجاجات عفوية، ناهيك عن صدور أحكام قاسية على المتظاهرين بتهمة الإرهاب لمجرد مشاركتهم في احتجاج سلمي. ويضيف عثمان: "كما ان انتماء المتظاهرين يحدد رد فعل الشرطة التركية مع المظاهرة، فمثلا المنتمين للأقليات يتعرضون لقدر أكبر من الانتهاك. و يضيف عثمان أن غالبا ما يتعرض النشطاء لمضايقات قضائية واتهامات بأنهم أعضاء في جماعات غير شرعية وأحيانا جماعات إرهابية وهي التهم الأكثر شيوعا ضد النشطاء في تركيا، موضحا تجربته الشخصية فى هذا الصدد .حيث قضى عاماً فى السجون التركية بسبب اتهامات مشابهه.
وفي سياق متصل ركز ياسين زيد، نقابي وعضو الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان على الوضع في الجزائر، مشيرا إلى ان"الجزائر دائما هو أول من يصدق و يوقع على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ، فإنه لا يولي اهتمام، فهو فقط حريص على صورته أمام المجتمع الدولي، كما يحرص على قدم المساواة على منع النشطاء من الحديث عن الانتهاكات التي تحدث- على حد قول زايد.
وأضاف "زايد" على الرغم من التعديل الواضح للإطار القانوني في عام 2011، إلا أن ثمة احتفاظ بالأحكام القانونية المتعسفة والممارسات الإدارية التعسفية فىما يتعلق بممارسة الحق فى التظاهر، هذا بالإضافة إلى القيود الشديدة على وسائل الإعلام التي تغطي الاحتجاجات والعنف من قبل الشرطة في سياق التجمعات السلمية، وتوظيف إعلام الدولة للتشهير بالمدافعين عن حقوق الإنسان ونعت النشطاء بالخونة والعملاء وأصحاب الانحيازات لصالح جهات اجنبية ضد الدولة. هذا بالإضافة إلى الممارسات القمعية لرجال الشرطة في سياق الاحتجاجات بدءا من الحظر التعسفي، مرورا بالاعتقالات الوقائية وعمليات الفض والتشتيت للتجمعات السلمية، وصولا للاستخدام المفرط للقوة والملاحقات القضائية للمتظاهرين والنشطاء واستراتيجيات الترهيب والانتقام ضد أولئك الذين يمارسون حقهم في التجمع السلمي.
من جانبه ركز باسم زكريا على الوضع في مصر معتبرا أن "ما حدث في يناير 2011 كان ببساطة أن الناس قد استردت ملكيتها للفضاء العام، بعدما ظل مُحتكرا من قبل الحكومة لعشرات السنوات. وبالتالي فإن الحكومات المتعاقبة التي تولت السلطة بعد سقوط مبارك- والتي لم تكن سوى إعادة إنتاج لنظام مبارك مع بعض التغييرات الشكلية- أدركت ان عليها الفوز في معركة استعادة الفضاء العام واحتكاره، ومن هذا المنطلق بدأت عملية تجريم الاحتجاج والتعامل مع المواطنين باعتبارهم مجرمين محتملين وبالتالي التعامل مع الحقوق والحريات على أنها جرائم محتملة.
من هذا المنطلق استعادت الشرطة وحشيتها في قمع المتظاهرين، الأمر الذي أدى لارتفاع وتيرة التظاهر بما يكلف الحكومة ثمناً باهظاً، ومن ثم لجأت الحكومات المتعاقبة إلى تكريس الانتهاكات عبر تقنينها أيضا، ففي البداية حاول الاخوان المسلمون في فترة تواجدهم بالسلطة تمرير قانون لقمع التظاهر، وعادت الحكومة المؤقتة ووضعت قانون التظاهر على راس اولوياتها ونجحت في تمريره في نوفمبر 2013،ذلك القانون الذي يحاكم بموجبه عدد من النشطاء السياسيين حالياً.
في نهاية اللقاء قدم المشاركون عدداً من التوصيات العامة التي تنطبق على معظم البلدان في المنطقة، من بينها ضرورة التأكيد على حق جميع الأفراد دون تمييز في ممارسة حقه في التجمع السلمي، ورفع أية قيود قانونية على تنظيم الاحتجاجات والرسائل والشعارات المستخدمة فيها، وأهمها تفعيل نظام الإخطار وليس التصريح لتنظيم الاحتجاجات،ووضع أساس قانوني واضح للقيود المفروضة على تلك التظاهرات بما يتناسب مع المعايير الدولية ويتسق مع سمات المجتمع الديمقراطي، ويضمن آليات فعالة وسريعة للطعن على هذه القيود.
كما أوصى المشاركون بتعزيز مبدأ الضرورة في التعامل مع الاحتجاجات السلمية والتدرج والتناسب في استخدام القوة؛ وحظر استخدام الأسلحة النارية أو المميتة في التعامل مع التظاهرات السلمية؛ وضمان إجراء تحقيقات فورية ومستقلة ونزيهة في حال تقديم شكاوى من الاستخدام المفرط للقوة ووقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات؛ وإنشاء آليات للتحقيق مستقلة ومتخصصة.
كما أوصى اللقاء بضرورة أن ينحصر دور الشرطة في التظاهرات وتنظيمها وأن يتم التعامل مع المخالفات الفردية التي قد تقع من المشاركين في التظاهرات على حدا، دون أن تُستخدم كذريعة لمصادرة الحق في التظاهر بالكلية. وكذا الامتناع عن تطبيق أحكام تشريعية استثنائية (مثل قوانين مكافحة الإرهاب) على المحتجين للحد من حقهم في حرية التعبير، أو إحالتهم لمحاكم خاصة أو فرض عقوبات قاسية.