العدد 4298 - الجمعة 13 يونيو 2014م الموافق 15 شعبان 1435هـ

مسرحية «هي البحرين»: هل يُصلح المسرح ما أفسدته السياسة

قراءة في ثالث عروض مهرجان «الريف»

في مسرحية «هي البحرين» ثالث عروض مهرجان الريف المسرحي الثامن والتي قدمها شباب مركز الديه الثقافي نجد أنفسنا مع حكاية صديقين يرويان لنا قصة من قصص الإخلاص والوفاء. وعلى رغم اختلاف مذهب كل منهما إلا أن المحبة والجيرة والعشرة تجمعهما، إذ يموت أحدهما فيشهق الآخر حين يصله خبر موت صديقه ويموت مثله، «إنه الموت حباً، أو المحبة حتى الموت» وهكذا يكون مصير ابنيهما من بعدهما في المحبة والألفة والتعايش الجميل، لنعرف أن هذه «هي البحرين» بأهلها الطيبين. بهذه الحكاية تكون المسرحية قدمت أمثولة للوفاء محاولة علاج الشرخ الطائفي بالعودة إلى هذه الروح الأصيلة الطيبة، بما يتساوق مع رسالة المسرح في التغيير، إلا أن هذه النية الطيبة التي يهدف العمل لحفزها وتجليتها، والغرض الإيجابي الذي تهدف له المسرحية لا تجعلنا نكف عن أن نتساءل هل مازال المسرح قادراً على محو ما خلقته السياسة، هل الأمر بهذه البساطة، وهل تكفي النية الطيبة في تخليصنا من آفات السياسة.

مشاركة الأندية

قدّمت المسرحية مجموعة من شباب مركز الديه الثقافي، وهي من تأليف جعفر جاسم، وإخراج إبراهيم المنسي. وفي إعادة انضمام ومشاركة الأندية في مهرجانات المسارح المختلفة، ما يعزز الظاهرة المسرحية برفدها بعناصر جديدة على مستوى الجمهور والممثلين. ورغم بساطة ما يقدمونه في البداية على المنصة كونها المرة الأولى التي يصعد فيها بعضهم على هذه الخشبة وبين هذه الأضواء وهذا الجمهور النخبوي، إلا أنه في هذه المشاركة الكثير مما يحسب للفئة المشاركة وللمهرجانات نفسها، حيث سيتم إثراء تجارب الأندية في مجال المسرح والارتقاء بالعروض لتكون جديرة بالفعل المسرحي. ورغم ما ينتاب هذه العروض عادة من ملاحظات أو هنات أو ضعف يجعلها محل الانتقاد أو الاستهجان أحياناً إلا أن عملية المشاركة نفسها تعد خطوة مهمة نحو الارتقاء بحسن الأداء وتجويد الأدوات المسرحية، بما يؤكد أهمية التوصية بمتابعة مثل هذه المشاركات خطوة خطوة وتأهيلها لتكون قادرة ومتمكنة من التقديم في مثل هذه المهرجانات المسرحية بطبيعتها الفنية وخصوصيتها الإبداعية.

لعبة العنوان

تعنونت المسرحية بعبارة «هي البحرين» وفي العنوان ما يحيلك على صيغة لغوية ثابتة في حين أن المسرح يفترض الحركة، فالعنوان هنا فيه من التقريرية ما فيه، في حين أن الواقع متحول ومتغير وخصوصاً في ظل هذه الأوضاع التي تجاوزت الصورة التي تقدّمها المسرحية وتدعو للعودة إليها.

بين الواقع وبين ما تنشده المسرحية بون شاسع، فيا ترى هل استطاعت المسرحية أن تغطي هذه المساحة، وأن تحدث قناعة بالعودة إلى تلك الصيغة من التآلف والرفق والمودة والحنان على بعض، وكأن في المسرحية شيئا من الحنين إلى تلك الأيام التي تم تجاوزها، فهل نستطيع العودة إليها بهذه البساطة.

هل يستطيع المسرح ترميم ما هدمته السياسة، وهو ما تم العمل على هدمه بطريقة جهنمية متقنة حرفة، فهل بالإمكان تنظيف ما خلفته السياسة وإعادة البناء بهذا التبسيط الذي تم تقديمه في المسرحية أي بمجرد العودة إلى هذه الصورة البسيطة من الحياة الساذجة.

استسهال الحياة

بالطبع لم تكن الحياة في حينها ساذجة ولا بسيطة بالصورة التي نقدمها هنا وفي الأعمال الفنية والدرامية عادة، ولكنّ بعدنا عن تلك الأيام والبون الشاسع بيننا وبينها هو ما جعلنا ننظر إليها بهذه الصورة البسيطة، متناسين أن ما ولّد هذا التقارب النفسي بيننا وبين بعضنا البعض هو تقارب فكري، وتقارب مكاني، ومعايشة يومية تجعلنا نصنع صورنا عن بعضنا بأنفسنا ولا يصنعها لنا الآخرون، ولا نصنعها ونحن مبتعدون مكاناً وزماناً وفكراً كما يحدث الآن.

الصورة النمطية للشخوص

ما يجرّنا لتقديم صورة عن ذواتنا وعن الآخر بهذا التبسيط هو الصورة الذهنية النمطية التي صنعتها وسائل الإعلام عن القرية بمكوناتها البسيطة، من فلاح يرتدي الفانِلة البيضاء والمئزر، وبائع الدجاج، أو البقال باللباس نفسه، في صورة سطحية ساذجة من غير عمق وهو عادة موضوع في العمل الفني كمجرد خلفية في صورة شخصية سطحية عابرة ذات بعد واحد وغير مركبة، ليس ثمة ما وراءها ولا أمامها سوى أن تكون مثل القطعة المكملة في الأثاث المسرحي، فيا ترى كيف قدّمتهما المسرحية.

رغم الحركة الفنية التي قدمت بها المسرحية صورة كل من البقال والبزاز، والبائع، في خروجهم من أعلى المدرجات إلى وسط المنصة، بما يعكس أنهم جزء من هذا التنوع البشري الذي تضمه هذه الجموع المتفرجة وأنهم جزء من الحكاية العامة للناس، بتنوعهم واختلاف انتماءاتهم وهو ما عكسته لهجاتهم أثناء البيع والشراء، إلا أن حكايتهم والدلالات التي كان بالإمكان إثراؤها توقفت عند هذا المستوى بخروجهم من الحكاية وببقائهم مجرد خلفية للحدث وفرشة فنية له، وكان بالإمكان إشراكهم «شربكتهم» بالحكاية من قريب أو من بعيد بطريقة ما حتى لا يضيع أثرهم ويكون لا قيمة لوجودهم الشكلي، وكان أيضاً بالإمكان الاقتصار على خروج أحدهم فقط من بين الجمهور بدلاً من تكرار الحركة نفسها بالتقنية نفسها.

بساطة تقديم اللهجة

الصورة النمطية والسطحية للأستاذ المصري لم تتعد الإضحاك على اللهجة، في شيء من المفارقة، والمقارنة بين المفردة البحرينية والمفردة المصرية، أو بطريقة تمصير الكلام البحريني أو بحرنة الكلام المصري، وهي صورة شائعة وبسيطة في صنع عملية الإضحاك وليس وراءها ما هو جزء من الحدث أو ما يحمل دلالة أبعد من الضحك الوقتي، بل نفي لما حملته المسرحية من مضامين إيجابية في القبول بالآخر إنسانياً بعيداً عن ألعاب السياسة أو الاستهجان والسخرية بالآخرين لمجرد اختلاف لهجاتهم أو طريقة كلامهم، هذا فضلا عن الصورة النمطية في جلسة الطلاب مع الأستاذ في الصف وطول المشهد وكثرة الثرثرة خلاله.

ودائما ما ينتاب تقديم اللهجة على المنصة أمران إما استسهال وتبسيط ممل واعتيادي أو تقعر في اللهجة إلى حد مقرف وما حدث هو تقديم اللهجة مع عدم التمكّن منها بما يكشف حالة من التقليد غير المتقن الذي يصل إلى الإسفاف أو ما هو أبعد من ذلك في عدم امتلاك القدرة على التمثيل، وتقديم الشخصية على المسرح وهو عيب في حق الممثل نفسه وقدرته الفنية.

التردد... وشيء من الخجل

ثمة حالة من التردد الذي شاب أداء الممثلين في المسرحية في أكثر من مشهد إذ ينطلق الممثل في جرأة ثم يبدأ في التكرار ويضعف أداؤه ويخبو ويصل بعد ذلك لمستوى التردد، والشك في أدائه وخصوصاً عند عدم تفاعل المشاهدين مع ما يقدم في المشهد من حوار أو حركات.

وقد بدا ذلك واضحاً في دور الطفل الذي كان يربط بين منصة العرض وأجزاء المشهد فيها وبين الجمهور بحصانه الخشبي وهو يقدم دور المجنون في النص، إذ كان في البداية متقناً ثم بدأ يتكرر ويشوبه نوع من التردد.

وثمة إشادة بمشاركة الفنان إبراهيم راشد الدوسري وأدائه على مستوى الصوت واختيار الكلمات في مواويل جميلة بشكل فواصل فنية موحية.

العدد 4298 - الجمعة 13 يونيو 2014م الموافق 15 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً