العدد 4298 - الجمعة 13 يونيو 2014م الموافق 15 شعبان 1435هـ

مروزان: حيث معبد الإله إنزاك

لقد سبق أن أوضحنا في سلسلة المقالات التي نشرناها هنا تحت عنوان «الجذور»، أن تاريخ دلمون يجب أن تعاد صياغته في ضوء الدراسات الحديثة. فقد كشفت تلك الدراسات عن نموذج نمو وتطور دولة دلمون بصورة مغايرة لما نشر في السابق. فمنذ أن تأسست دولة دلمون في النصف الثاني من الألفية الثالثة قبل الميلاد، بدأت تكون لها ثقافة وهوية خاصة بها، حتى تحولت الدولة الصغيرة إلى مركز يحكم إقليماً كاملاً عرف باسم إقليم دلمون. لقد تحولت جزيرة البحرين إلى مركز يتحكم في إقليم جيوسياسي كان يتحكم في التجارة في مياه الخليج العربي، أي أن البحرين أصبحت مركز قيادة، وهذا المركز بدأ يغري كل من تستهويه فكرة السلطة أو بسط النفوذ. فبدأت العديد من الشعوب تتوافد على البحرين، وفي أقل من مئتي عام تضاعف عدد السكان إلى ثلاثة أضعاف؛ وذلك من خلال دراسة الزيادة في أعداد القبور بحسب الحقب الزمنية مع افتراض ثبات معدلات الولادة والوفاة ومتوسط العمر (Laursen 2009). ويرى Laursen، من خلال تحليله لتلال القبور وتوزيعها وأشكالها أنه حدث نزاع على السلطة المركزية في البحرين وقد أدى هذا النزاع إلى ظهور دويلات دلمون في جزيرة البحرين نفسها ولكل دويلة ملك يحكمها ويسعى لتكوين سلطة مركزية يحكم بها إقليم دلمون بأكمله (Laursen 2008).

في ضوء هذا التحليل يمكننا أن نستنتج أنه إبان الحقبة الدلمونية في جزيرة البحرين كان هناك عدد من المدن الدلمونية التي انتشرت في أرجاء البحرين، وكان لكل مدينة ملك يحكمها وله قصر ومعبد، ولكن أين هي تلك المدن والقصور والمعابد؟ ان تلك الآثار منتشرة بين القرى أو تحت القرى المنتشرة حالياً في البحرين، إلا أننا لم نسمع عنها، فلم توثق عنها معلومات بصورة دقيقة. وفي هذه السلسلة عن تاريخ القرى لابد لنا أن نتطرق لما تخفيه كل قرية من أسرار، بدءاً بالتاريخ القديم. وقد بدأنا حديثنا في الحلقة السابقة عن مقبرة مهمة (لم يبقَ منها إلا الشيء القليل) كانت منتشرة بين جدحفص ومروزان والمقشع والحجر. وحول هذه المقبرة توجد مدينة دلمونية، وقصر لملك دلموني، وكذلك ربما يوجد معبد دلموني. هذه المقبرة لا تقل أهمية عن غيرها من المقابر الدلمونية؛ فهي تحتوي على أقدم قبر عرف في البحرين، يعود تاريخه لما قبل تأسيس دولة دلمون. فهل نشأت دلمون في هذه الأطراف ثم انتقلت لموقع قلعة البحرين؟ ربما. سوف نتتبع حدود هذه المقبرة المهمة وما يحيط بها من قرى وكذلك سوف نتطرق لتاريخ كل قرية وأهميتها.

حدود مقبرة جدحفص وجاراتها

تبدأ الحدود الجنوبية لهذه المقبرة الأثرية من قرية الحجر وتتجه شرقاً حتى تصل إلى منطقة باغخانه في جدحفص، مروراً بجبلة حبشي و «فريگ» السلطاني. أما الحدود الشمالية فتبدأ في قرية المقشع وتتجه شرقاً مروراً بمروزان.

إلا أن غالبية تلك التلال تم إزالتها وبناء منازل وطرق في مواقعها. على سبيل المثال كان يبلغ تلال قبور قرية المقشع ما بين 20 و30 تلا ولكن تمن إزالة جزء منها عندما تم شق الطريق من المنامة للبديع في العام 1936م (بوتس 2003: ج 2 ص 819). وحتى بعد شق هذا الطريق بقي العديد من تلك التلال؛ فقد وصف Bibby هذه التلال في العام 1954م:

«بعد قرية جدحفص تبدأ الصحراء بالتداخل بين الأشجار والشارع (أي شارع البديع) وفي الأميال الثلاثة التي تلي ذلك (أي بدءاً من قرية جدحفص) يبدو الطريق وكأنه محاط على جانبيه بشريط رملي عرضه نصف ميل ويلاحظ في هذا الشريط الصحراوي عدد لا يحصى من تلال المدافن ربما يصل عددها لأكثر من ألف. هذه التلال تختلف تماماً عن تلال مدافن العصر البرونزي» (Bibby 1954).

ومازالت آثار هذه التلال باقية إلى يومنا هذا وكذلك توجد شواهد أخرى تدل على وجود مدينة دلمونية وقصر دلموني وربما معبد دلموني، كلها تحيط بحدود هذه التلال.

المحطة الأولى: مروزان

مروزان، حالياً، مجرد حي من أحياء السنابس، يقع جزؤها الشمالي على تل كان يطل على ساحل البحر. وقد وصف لوريمر هذه المنطقة في مطلع القرن العشرين على أنها قرية على بعد ميل ونصف شرق جنوب شرقي قلعة البحرين، وبها 25 كوخاً للبحارنة، وهي محاطة بحدائق النخيل، ويمر من خلال القرية مجرى مائي جيد (Lorimer 1908, V.2, p. 225). ولكن، لو رجعنا لتاريخ اسم مروزان، فيبدو أنه كان يشير إلى منطقة أكبر مما هي عليه الآن؛ فهذه المنطقة كانت لها أهمية كبيرة منذ القرن الثاني عشر الميلادي بأقل تقدير (حقبة الدولة العيونية) وذلك بحسب أقدم توثيق لهذه المنطقة. فقد كانت بها أراضٍ زراعية ولها ساحل بحري به العديد من مصائد الأسماك. وكان خراج هذه الأراضي الزراعية ومصائد الأسماك يعتبر جزءاً مهماً من اقتصاد الدولة في تلك الحقبة. فعندما ضعفت الدولة العيونية في جزيرة أوال، اضطرت لإبرام معاهدات الصلح وتقديم التنازلات؛ فقد أبرم الأمير العيوني فضل بن محمد بن أحمد مع ملك جزيرة قيس، غياث الدين شاه بن تاج الدين جمشيد، ومن ضمن التنازلات أن يأخذ ملك جزيرة قيس جميع عشر السمك بساحل مني ومروزان (الجنبي وآخرون 2012، ج5، ص 2996 - 3000). أما الأراضي الزراعية في مروزان فقد ذكرها الشاعر ابن مقرب العيوني في نونيته التي كان يتأسف فيها على ضياع أملاك العيونيين في جزيرة أوال، ويقول فيها (الجنبي وآخرون 2012، ج5، ص 2858):

وَأَمَضُّ شَيءٍ لِلقُلوبِ قَطائِع

بِالمَروَزانِ لَهُم وَكَرّزكانِ

ويبدو أن منطقة مروزان كانت لها أهمية كبيرة حتى قبل الدولة العيونية.

التنقيب في مروزان

يعتبر التنقيب في مروزان أقدم تنقيب في تلال الساحل الشمالي لجزيرة البحرين؛ حيث نقب بيتر كورنوول في تلال بالقرب من هذه المنطقة في العام 1941م، وهي المنطقة الوحيدة على الساحل الشمالي التي نقب فيها كورنوول (Porter and Boutin 2012). وعلى قرابة 300 متر من تلك التلال اكتشف كورنوول بقايا مبنى «يبدو أنه يعود إلى تاريخ قديم. وقد بني من حجارة ضخمة، بعضها مازال يتخذ شكلاً جيداً. وفي واحدة من الصخور التي يبلغ مساحتها نحو قدمين ونصف قدم مربع تجويف يتخذ شكل الكوب يوحي بشبه مماثل للصخور التي عثر عليها في المعابد السومرية – والتي بها تجويف لمفصلة باب.... ويوحي تآكل الألواح الكبيرة بأنها قديمة جداً وتختلف بشكل بيّن عن ذلك النوع من الصخور التي تستخدم في البناء في البحرين والتي تدل على العصور الكلاسيكية وما تلاها» (كورنوول 1999، ص 54). ويرجح كورنوول أن هذا البناء ربما بقايا معبد سومري، وعلى رغم أنه لا يوجد في البحرين معبد يعود للحقبة السومرية إلا أن المعابد في حقبة دلمون كانت تبنى على الطراز السومري كما في معبد باربار الأول. ولا يستبعد أن يكون هذا بقايا لمعبد دلموني، ففي المناطق الأخرى المجاورة لهذه المقبرة يوجد قصر لملك دلموني ومستعمرة دلمونية أيضاً وسوف نتحدث عن ذلك بالتفصيل في حلقات قادمة.

بالطبع، ربما لا تكون تلك الآثار لمعبد دلموني، لكن لا يمكن لأحد أن يعلم ما هي؛ فقد تم طمسها منذ زمن بعيد، حتى أن كورنوول نفسه يقول «وتغطي الرمال هذه الأطلال الآن» (كورنوول 1999، ص 54). وربما شهد كورنوول دفن تلك الآثار بنفسه في الأربعينيات من القرن المنصرم. فيا ترى ما هي الآثار الأخرى التي تم طمسها على حدود هذه المقبرة؟ يتبع.

العدد 4298 - الجمعة 13 يونيو 2014م الموافق 15 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:18 ص

      تاريخ وطني عريق جميل

      تاريخ البحرين العريق الجميل لم يتم الاهتمام به والحفاظ عليه من قبل الجهات المختصة بل ان الاهمال والتغييب طاله بشكل متعمد و وبطريقة وقحة من اجل طمس التاريخ الاصيل لهذا الشعب ومعرفة الاجيال به !!

اقرأ ايضاً