العدد 4298 - الجمعة 13 يونيو 2014م الموافق 15 شعبان 1435هـ

يدعون إلى الحقِّ وليسُوا مِن أهلِهِ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قلتُ في وقت مضى، أنه وعندما اختصرَ الجهاديون الفلسطينيون الأوائل «حركة التحرير الفلسطينية» ظَهَرَ أنها ستُكتَب: حَتْف. وهي كلمة لها معانٍ عميقة في العمل الفدائي وفي ساحات الوغى. وعندما قلبوها إمعاناً في السّريَّة، تبيَّن أنها ستُكتَب: فَتْح. وهي أيضاً كلمة غاية في الدلالة والمعنى. وقد اعتُمِدَ هذا المسمَّى لغاية وقتنا الحالي.

لكنني وعندما أردتُ البحث عن كلمة «داعش» التي هي اختصار لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» والتي يستحوذ اسمها على الإعلام اليوم، لم أجِد له أصلاً لغوياً. نَظَرتُ في لسان العرب وفي مقاييس اللغة وفي الصحاح وفي القاموس المحيط وفي العباب الزاخر، فلم أجِد لها ذكراً أو حتى إشارة. قمت بِعَقْفِ الكلمة «شعاد/ شعد» فلم أظفر بشيء. وهو باعتقادي أمر له دلالة معنوية كبيرة، عن مدى غُربة هذا الاسم حتى في لغة الضاد.

بل إنني بحثتُ في موسوعة القرآن الكريم، وفي موسوعة الحديث والفقه والسيرة والعقيدة (المدوَّنة على أقل تقدير) فلم أجد لها ذكراً بالمطلق، وهو أمر له دلالته أيضاً. رغم أنني مقتنع بأن ذلك اللفظ ما هو إلا اختصار للعنوان الأصلي للتنظيم، لكنني وجدتُ ما يشير إليها بأوصاف ومقاربات في نصٍّ غريب ولافت ذُكِرَ في كتاب الفتن، للإمام العلامة الحافظ أبي عبدالله نعيم بن حمَّاد المرزوي المتوفي سنة 288 هـ (أي قبل 1147 عاماً) والذي حققه سمير بن أمين الزهيري، وطَبَعَته مكتبة التوحيد بالقاهرة، سنة 1991.

وقبل أن أذكر النص، يجب أن أشير إلى أن الحافظ بن حمَّاد رجلٌ مُختَلَفٌ عليه، وبيَّن ذلك النسائي ومسلمة بن القاسم والذهبي، دون أن نبخس المحقّق جهده، حين قام «في تخريج الكتاب والحكم على كل إسناد بما يليق به» كما ذكرَ هو بالتحديد. لكن المهم من كل ذلك، ليس صحة المأثور أم سقمه، بقدر ما أن النص ذاته بدا قريباً جداً للوصف السلوكي لتنظيم داعش، ولهيئة منتسبيه وألقابهم بطريقة وكأن المكتوب قد كُتِبَ تواً.

يقول النص (الذي أذكره كما هو) في الحديث رقم 573 بأنه حدثنا الوليد ورِشْدين، عن أبي ابنِ لَهِيعة عن أبي قبيلٍ عن أبي رُومَان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إذا رأيتمُ الراياتِ السُّود، فالزموا الأرضَ، فلا تحرِّكوا أيدِيكُم ولا أرْجُلكَم، ثم يظهر قومٌ ضعفاءُ لا يُوبه لهم، قلوبُهم كَزُبَرِ الحديدِ، هم أصحابُ الدولة، لا يفُونَ بعهدٍ ولا مِيثاقٍ، يدعون إلى الحقِّ، وليسُوا مِن أهلِهِ، أسماؤهم الكُنَى، ونِسبَتُهم القُرى، وشُعورهم مرخَاةُ كشعورِ النساءِ، حتى يختلِفُوا فيما بينهم، ثم يُوتي الله الحقَّ مَنْ يشاء». انتهى الاقتباس.

ولو أتينا إلى مفردات ونعوت الوصف في الرواية المذكورة كـ «الرايات السود» و«قلوبُهم كَزُبَرِ الحديد» و«أصحابُ الدولة» و«يدعون إلى الحقِّ، وليسُوا مِن أهلِه» و«أسماؤهم الكُنَى، ونِسبَتُهم القُرى»، و«شُعورهم مرخَاةُ كشعورِ النساء»، لرأينا شيئاً من المطابقة أو يكاد لما يجري اليوم من أمور صادرة عن تنظيم داعش، سواء في سورية أو العراق.

في كل الأحوال، ليس أمر الموقف متروكاً لذلك فقط، بل هو مرتبط بالأفعال الجارية على الأرض اليوم، سواء في قِتال التنظيم للقاعدة أو الجبهة الإسلامية والجيش الحر في سورية، أو للعشائر السُّنيّة في العراق منذ العام 2006، فضلاً عن استهداف المدنيين من الأديان والمذاهب الأخرى. وقد أشرتُ في وقت سابق، إلى مسئولية الأمة في أخذ موقف فكري واجتماعي وديني مما يجري من عَبَث، لأن الأمر لم يعد موقفاً سياسياً بقدر ما هو مصير حالك ينتظر الجميع. فالقضية متعلقة بتفسير «غريب» لكل ما هو ديني ودنيوي.

قبيل العام 750م صفق البعض للعباسيين قتلهم للأمويين، ثم اكتشف الناس أن «ما فعلت أمية فيهم، معشار ما فعلت بنو العباس»، واليوم الخوف أن يتكرّر ذلك مع داعش في العراق. نعم، الجميع لديه نقد «وشديد» لتجربة الحكم في العراق، لكن لا يعني ذلك أن تُعتَبَر انتصارات داعش نصراً للأمة، فهذا الأمر ليس فيه بُعد نظر، ولا حصافة رأي.

فهؤلاء غارقون في العدمية وتضييق مَن هم على الجادة، وبالتالي سيُحكَم على السواد الأعظم من الناس بالخطيئة ثم تبرير قتلهم، والشام مثالٌ قائم. فمشكلة التطرف الديني عند هؤلاء (وعند غيرهم أيضاً) ليست ذاتية بل متشظية، فمعاركه في أرض الآخرين، وضحاياه من دمائهم، وأفكاره مُصدّرة لهم، وبالتالي هو رتبة أعلى من الجنون.

أما فيما يتعلق بالعراق، فإن قيادييه عليهم أن يعوا الدرس جيداً بعد سقوط الموصل وتكريت وأجزاء من كركوك، وأن يُبادروا إلى تغيير نظرتهم للشراكة ولطبيعة الحكم، وضرورة تحويله إلى وفاق أشمل مما هو قائم. كما أن عليهم أن يقتنعوا، بأن الشراكة لا تعني أن يكون حضور الآخر بوزن سمكِ زينة، أو أزرار لامعة في قميص، بل أن يكون شركاؤهم ناسجين كما هم. وهو أمر يحتاج إلى قرار جريء وصعب لأن العراق يستحقه.

نعم، الجميع يتفق، أن العراق يتعرض لهجمة «إرهابية» شرسة، وغير مسبوقة، والجميع مُطالَب بمساندته والوقوف إلى جانبه وأولهم أشقاؤه العرب، لكن هذه المعركة يمكن لأصوات أخرى أن تعلوا فوق صوتها إذا كان الأمر يتطلب ذلك. والحقيقة، أنه وفي أوقات ليست قليلة، يبدو أن هذا الأمر حاضر وبقوة، بهدف تصحيح السياسات والمواقف. حفظ الله العراق وأهله من كل سوء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4298 - الجمعة 13 يونيو 2014م الموافق 15 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:20 ص

      ادا لمادا السكوت

      لن ولم تسمع تصريح او تعليق او مساعده او او او من الدول العربيه قط كئن الامر لايعنيها ولاحتى تخوف من هاده الاافه الشاده وهى داعش ومن يقف ويمولها ويشهر بها فى العلن وما يعنيه شى واحد او تفسير واحد وهو ان بعض دول خليجيه متورطه الى النخاع مع داعش من تمويل او تسليح او هناك سناريوا مترقب عن قريب او نصر جديد يتوقع ولكن هادا بعيد المنال والشاهد ما حصل فى سوريا الحبيبه فشل المشروع الصيو امريكى خليجى النصر للسوريا والعراق

    • زائر 4 | 3:19 ص

      كلام حلو ولكن الحكومة العراقية

      ماعدا بعض التصريحات النارية للمالكي المسؤول عن جميع الملفات والوزارات السيادية وكاًنها ليست بوارد المعالجة الجذرية للملف الامني والسياسي والاقتصادي الخ..
      الاستشهاد بالتاريخ شي طيب، مثل السيارة تحتاج دائما للمراة للنظر الي الخلف للسير قدما والعجيب ما فعله العباسيون بالامويين والعلويون (أبناء الامام علي) مع انهم أبناء عمومة ، ولكن كما يقال لو نازعني الملك ابي لنزعت عينيه او المال عديل الروح

    • زائر 3 | 2:56 ص

      امير المؤمنين

      الغريب أن البغدادي يطلقون عليه اسم أمير المؤمنين!!!!!!!!!!!!! أين هو من المؤمنين ومن أميرهم

    • زائر 2 | 2:52 ص

      أبو حسين

      أحسنت أبو عبد الله مقال رائع وتحليل منطقي للأحداث

    • زائر 1 | 2:21 ص

      يتلاعبون بعقول الجهلة من الشباب: فيخسرونهم الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين

      لا يوجد لدى الانسان شيء اغلى من حياته هذا العمر القصير به يدخل جنان الخلد وبه يخلد في جهنم: وهؤلاء يضحكون على جهلة الأمة فيسلبون من الشباب الجهلة اعمارهم وارواحهم في قتال ليس لهم فيه ناقة ولا جمل. والبعض لدينا في البحرين يصوّر الصراع وكأنه يفتح ابوابا من ابواب الجنّة: نقول لهؤلاء المغرّر بهم توقفوا قليلا قبل ان تذهب حياتكم وتكونوا ممن قال الله عنهم خسروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين تعقّلوا ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة

اقرأ ايضاً