الإحصاءات التي تتعلّق بواقع الكتاب، طباعة ونشراً وقراءة، مُؤلمة وتتعمّق أكثر فأكثر، مع وجود وسائط وبدائل يتم تسخير معظمها في استنزاف الوقت تحت عناوين «الترفيه»... «الفراغ». هو الفراغ الذي يتم ملؤه بالفراغ أيضاً.
تحضر إجابة فولتير حين سُئل عمّن سيقود الجنس البشري أجاب «الذين يعرفون كيف يقرأون». معرفة القراءة هنا لا تذهب إلى المعنى المباشر لها من حيث إتقان اللغة. معرفة القراءة في الفعل والأثر الذي يمكن أن تنتجه، والتحولات التي يمكن أن تحدثها، والفارق الذي يمكن لها أن تصنعه. معرفة تتأتّى بما بعدها، لا الوقوف عند القراءة نفسها. بذلك الفهم، القراءة عربياً مطمئنة إلى الصورة القاتمة التي هي عليها.
بالاستناد إلى إحصاءات ليست محدّثة، ولا يُراد تحديثها لأكثر من سبب، وإن وُجدت الأرقام تظل محل شك في مدى دقتها وصدقيتها، تلك التي تتعلق بالكتاب من حيث إنتاجه، كتابة وطباعة ونشراً وتوزيعاً، إلى حين وصول المُنتج، باعتبار الكتاب منتجاً كأي منتج، إلى القارئ العربي الذي لا يقرأ في واقع الأمر، لدينا الدول العربية مجتمعة، ضمن مظلة الجامعة العربية، متمثلة في 22 دولة، لا تضح مطابعها أكثر من مليون كتاب سنوياً. ذلك الرقم يكاد لا يُذكر مقارنة بعدد سكّان الوطن العربي الذي يزيد على 300 مليون إنسان. بين الـ 300 مليون، لدينا من الأمّيين نسبة تصل إلى 60 في المئة، تضاف نسبة 20 في المئة منهم لا يقرأون أساساً، بمعنى لا علاقة لهم بالكتاب، على رغم تحصّلهم على مستوى من التعليم لا يحول بينهم وبين القراءة، ولدينا نسبة 15 في المئة ممن يقرأون بشكل متقطع، بمعدّل لا يصل إلى صفحات في كتاب كل عام، لنصفيَ على 5 في المئة فقط ممن يلازمون القراءة، وتلك النسبة نصيبها أيضاً أقل من كتاب سنوياً، إذا عرفنا أنهم يشكّلون مليوناً ونصف المليون إنسان. بينما في الجهة الأخرى من العالم نحن أمام أرقام تبعث على خجلنا الذي يجب ألاّ ينتهي، على رغم أن ذلك الخجل لن يبعث فينا روح الانفتاح على الكتاب وتبنّيه وملازمته! هنالك 518 كتاباً نصيب الأوروبي سنوياً، و212 كتاباً للأميركي، من إجمالي ما يضخ ويطبع سنوياً هناك!
القارئ هناك أوجد سوقاً عملاقة تُقدّر قيمتها بمليارات الدولارات سنوياً. ثمة شعوب توجّه القطاعات الاقتصادية، وسوق الكتاب هي جزء لا يتجزأ من تلك القطاعات في تلك السوق.
الدراسات والإحصاءات، وبالأرقام التي تثير الفزع لأمة، والفخر لأمة أخرى، ترصد إجمالي ما يتم إنتاجه سنوياً من الكتب، تأليفاً في العالم العربي؛ إذ لا يتجاوز 1.1 في المئة مما ينتجه العالم سنوياً.
معروف أن الترجمات لا تتبنّاها الأمم لسد نقص في معارفها وعلومها فحسب. يحدث ذلك أيضاً للدخول في النادي العالمي لطريقة التفكير والنظر والإبداع. تلك مسألة مهمة. العالم العربي أيضاً وهو الناقص في مجالات معرفية لا حصر لها لا يكلّف نفسه عناء ترجمة الإصدارات إلا في حدود 400 كتاب سنوياً!
أمة «اقرأ» لم تكتفِ بعدم القراءة. صارت تجد من يدمنها صاحب عقدة أو يعاني من فراغ، بمناسبة «الفراغ» في بداية هذه الكتابة!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4298 - الجمعة 13 يونيو 2014م الموافق 15 شعبان 1435هـ
ضياع البوصلة
اصبح الكتاب للزينة (هذا اذا كان موجود عندنا) ، حتى الانترنت اصبح لليوتيوب ووسائل الاتصال والدردشة والترفيه !!!!!
صحيح
من النكات التي يمكن أن أضيفها لمقالك أستاذ جعفر، أن هذا المقال نفسه لم يتبرع أحد بالرد عليه حتى الآن. نامي جياع الشعب نامي.