في مؤتمر صحافي عقده المرشح الرئاسي القيادي الناصري حمد بن صباحي مساء الخميس 2014/5/29، بعد فرز معظم أصوات الناخبين الذين أدلو بأصواتهم على امتداد ثلاثة أيام 26 و27 و28 مايو/ أيار 2014، أقر بهزيمته وفوز خصمه المشير عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق. وقد بتين أن السيسي اكتسح الانتخابات بفوزه بأكثر من 96 في المئة من أصوات الناخبين التي بلغت ما يقارب 25 مليون صوت، من بين 54 مليون يحق لهم الاقتراع، أي بنسبة 47 في المئة من أصوات من يحق لهم الاقتراع.
اعتراف المرشح حمد بن صباحي، يمثل سابقة في الحياة السياسية العربية، ويعبر عن فروسية نادرة لسياسي مناضل، خاض معركة الانتخابات بشرف ونيل أو كما عبر عنها «أعتز أنني مع شركاء خضنا حملة متفانية أفخر بها، قدمنا فرصة الاختيار لشعب قادر على الاختيار والآن أتت اللحظة التي أقول منها لشعبنا العظيم، إنني أحترم اختياره وأقر بخسارتي في هذه الانتخابات».
خسارة صباحي وفوز السيسي كان متوقعاً منذ أن أعلن كلاهما الترشح قبل بدأ الحملة الانتخابية في 2014/4/20، ولكن لم يكن أحد يتوقع أن يخسر صباحي هذه الخسارة الثقيلة لكنه والحق خسرها بشرف وفروسية والملاحظ أنه كان في أعماقه وأثناء حملته الانتخابية كان يحس أنه سيخسر الانتخابات لكن يعتبر الحملة الانتخابية، فصلاً في سلسلة المعارك التي خاضها بدءاً من المواجهة مع السادات في جامعة القاهرة في 1972، بعد انقلاب السادات على رفاق عبدالناصر في ثورة 23 يوليو، والذين أسماهم السادات مراكز القوى، مروراً بنضاله في عهدي السادات ومبارك، سواء في الميدان أو في مجلس الشعب، كشخصية ناصرية قيادية أو من خلال حزب الكرامة غير المرخص الذي أسسه وقاده لسنوات، وانتهاء بدوره القيادي في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ومرشح عن قوى الثورة سواء في انتخابات 2012 أو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مواجهة المشير عبدالفتاح السياسي.
مثل الصباحي مرشح قوى الثورة، وقاعدتها الفئات المضطهدة والمحرومة طوال أربعة عقود، وطرح الصباحي برنامجاً انتخابياً واضحاً يمثل رؤيته ورؤية التحالف الشعبي من أحزاب وقوي وشخصيات تحت شعار «مصر الجايه» في القطيعة النهائية مع المرحلة السابقة باستراتيجيتها وسياساتها وقواها وشخوصها، ووصل ما انقطع مع ثورة يوليو بوفاة الزعيم القومي جمال عبدالناصر ويستند هذا البرنامج والذي يتعدى كونه برنامجاً لانتخابات الرئاسة، إلى كون برنامج صباحي وتياره، للعمل السياسي الوطني، على تطهير الدولة المصرية من قوى وشخصيات النظام السابق، بحيث يعاد بناء الدولة الوطنية المصرية، لتعبر عن إرادة ومصالح المصريين، وتنهض بدورها الوطني والقومي والعالمي الذي تستحقه، ومحاربة الفساد والمفسدين، وتأمين العدالة الاجتماعية، وضمان الحريات العامة، وتمكين المرأة والشباب والفئات الضعيفة، وتدعيم الوحدة الوطنية ونهوض مصر مرة أخرى وشدد الصباحي على هذه النقاط في مهرجانه الانتخابي الأخير في ميدان عابدين مساء 2014/5/23 ، حيث أكد أن هذا هو برنامج الشعب حتى لو لم يفز بالرئاسة، وهو بالتالي برنامجه لانتخابات مجلس الشعب والمحليات المقبلة، وبالتالي برنامج الأغلبية إذا فاز بها، أو المعارضة الوطنية إذا لم يفز، ونوه إلى أن خوضه للمعركة الانتخابية هو لإعطاء الشعب الخيار، وحتى لو لم يختره الشعب وهو ما حدث. ولذا فإنه يحترم إرادة الشعب وسيستمر في النضال. وبالفعل فعلى رغم عدم تكافؤ الفريقين السيسي وصباحي، فقد فرض صباحي معركة انتخابية حقيقية، وبالتالي تنافساً شريفاً، ودفع السيسي إلى التوسع في طرح رؤيته، حتى ولو لم يقدم برنامجاً انتخابياً متكاملاً.
كما أن صباحي من خلال حملته الانتخابية، استنهض قوى عديدة، وأوصل برنامجه إلى الملايين من المصريين، حتى ولو لم ينتخبوه بمعظمهم مما يشكل له رصيداً للمستقبل. المشير السيسي ترشح كما يقول تحت إلحاح من الشعب المصري الذي تلخص في عبارة «كمِّل جمايلك علينا» أي واصل مسيرة ما بدأت. وما بدأه وحسمه هو استجابة القوات المسلحة المصرية بقيادته لثورة 30 مايو المليونية الشعبية في الخلاص من حكم الإخوان، وإعادة ثورة 25 يناير على السكة وتجنيب مصر حرباً أهلية والتصدي للإرهاب، وبالفعل لا ينكر أحد الدور الحاسم الذي لعبه السيسي في إيجاد توافق وطني، لإسقاط حكم الإخوان، وتقديم سلطة انتقالية برئاسة رئيس محكمة الدولة القاضي منصور، وحكومة البيلاوي الائتلافية، والتي دشنت خارطة طريق، للانتقال بمصر من الوضع المضطرب، إلى دولة المؤسسات الشرعية من خلال إقرار الدستور من خلال استفتاء عام، وإجراء انتخابات رئاسية وهو ما تم، وتستكمل بانتخابات نيابية، ينبثق عنها مجلس الشعب وبذا تكتمل مؤسسات الدولة. السيسي لم يضع برنامجاً متكاملاً، لكنه طرح رؤيته في معظم القضايا المحورية من خلال اللقاءات المغلقة مع مختلف القوى والفعاليات، والمشاركة المتلفزة في المهرجانات الانتخابية التي أقامها مؤيدوه، والحوارات التلفزيونية والصحافية المكثفة.
وبالفعل نجح السيسي في خلق رأي عام مؤيد له، لكن أهم عامل دفع المصريين للتصويت الكاسح له، كونه يمثل لهم القائد الحازم والقوي، الذي تثق فيه المؤسسة العسكرية/ الأمنية وبالتالي قوى الدولة المتجذرة، ليؤمّن الأمن أولاً والقضاء على الإرهاب، وإبعاد الإخوان عن الحياة السياسية، ثم تنفيذ برنامج طموح للنهوض بمصر في مختلف الميادين الاقتصادية والسياسية والتعليمية والتشغيل، والاستثمار ومضاعفة الرقعة الزراعية وتأمين الحريات وضمان العدالة الاجتماعية وخلق فرص عمل لمواجهة البطالة وهجرة الكفاءات، ولتعود مصر لتلعب دورها القيادي مع دول الجوار على المستوى القومي العربي والعالم من خلال علاقات متنوعة ومتكافئة، بما تمثله مصر من حضارة وثقل وموقع جغرافي.
وفد توفر للسيسي مجموعة من الخبراء والمستشارين برئاسة د.الباز عالم الفضاء المعروف الذين قدموا مسودات لمشاريع وخطط عملاقة لتنفيذ هذه الاسترايتجية.
في ظل ضعف الأحزاب والمنظمات، وحسم الانتخابات من خلال الناخبين الأفراد والذين تملكتهم المطالبة برجل قوي يخلصهم من الوضع الصعب الذين هم فيه، رجل يطمئنون إليه، وتولِّي القيادات المحلية من زعامات الأحياء وأرباب الأعمال وكوادر في الدولة الراسخة، اكتسح السيسي الانتخابات الرئاسية، لكنه في الوقت ذاته وهو يواجه مهمة ضخمة، فإن ذلك يتم في ظل معارضة جذرية وقوية يمثلها صباحي، ما سيسهم في الرقابة وتصويب الرؤى، وستكون المعركة المقبلة هي معركة انتخابات مجلس الشعب، حيث المجال أفضل للتنافس وليس من قوة ستُكتسح وأخرى ستهزم. وهنا فإن الصراع السياسي خلال هذين الشهرين هو حول محتوى النظام الانتخابي، هل سيستند أساساً على الدائرة والمرشح الفردي، كما هو مطروح حالياً (80 في المئة للأفراد، و20 للوائح الفئات الخاصة)، أم سيعدل بحيث تكون هناك نسبة أكبر للوائح الأحزاب والتكتلات وليس الفئات الخاصة؟
مهما حدث فإن معركة انتخابات الرئاسة المصرية، قد انتهت بسلام واحترام متبادل بين المترشحين، حيث هنأ المرشح المهزوم صباحي المرشح الفائز السيسي بكل أريحية وفروسية، ولم يطعن في نجاحه، وإن طعن في بعض الخروقات وهي أول بادرة كما أعتقد في أية انتخابات رئاسية عربية، ما يمثل بادرة نأمل أن تكون معدية، للانتخابات الرئاسية العربية، والتي تعوّدنا أن تكون محددة سلفاً. على المتشائمين واللامبالين بسبب الفوز الكاسح للسيسي، أن ينظروا للوجه الآخر من الصورة، وهو أن الدولة المصرية كانت محايدة فعلاً، وكان الإعلام الرسمي متوازناً وأتيح المجال للمرشحين أن يخوضوا حملاتهم الانتخابية بحرية، وأن يكون للناخبين الكلمة الأخيرة دون قسر أو إغراء، وهذا هو المهم وقد استعادت مصر مسيرتها لاستكمال ثورات يوليو ويناير ويونيو.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4297 - الخميس 12 يونيو 2014م الموافق 14 شعبان 1435هـ
دام انك
دام انك تؤمن ان في ثورة في يونيو بعد يناير وان السيسي فاز بنزاهة ..اقول عليك السلام
غير صحيح
أكثر من موقع يؤكد اتفاق السيسي مع صباحي المسبق واعتقد ان تعثر الديمقراطية وسحقها بالقوة ليس فى صالح مصر خاصة ولا العرب عامة .والنتائج القادمة ستظهر سريعا .