لو ألقى الإنسان نظرةً متفحصة على الصّفات الأساسية التي تتحلى بها أنظمة الحكم في بلاد العرب، لوجد أنه لا يوجد نظام حكم إلاَّ ويتَّصف ببعض أو كل الصفات التالية، وسأترك للقارئ تحديد صفات الحكم الذي يحكم مجتمعه.
أولاً: هناك البعض الذي لا يخضع للمعايير المتحضّرة المتعارف عليها في المجتمعات المتقدمة، وذلك بالنسبة للعلاقات المطلوبة بين الحاكم والمحكومين. فهذه العلاقات لا تحتكم إلى دساتير وقوانين عادلة مطبَّقة بتساوٍ بين الجهتين، فتكون النتيجة كسراً وخروجاً دائمين على القانون لصالح الأقوياء.
ثانياً: هناك البعض الذي يمارس رذيلة الخداع من خلال ممارسة الكذب بواسطة وسائل إعلامية فاجرة، أو انتحال أسماء وأوصاف لا تنطبق على نظامه، أو تضليل شعوبه إلى ما يصّب في النهاية في صالح امتيازات الحاكمين.
ثالثاً: هناك البعض الذي يتصّرف بنزق ودون حساب للعواقب، ولقد رأينا قادة يدخلون شعوبهم في حروب مدمّرة دون دراسة أو تفكير. مثل هؤلاء لا يؤمنون بالتخطيط المسبق الذي يوازن بين الخطوات والقرارات من أجل اتباع الأسلم والأفضل.
رابعاً: هناك البعض الذي يتصف بالعدوانية تجاه مجتمعاته من خلال أنظمة عصبية تجاه كل ما تعتقد أنه ضار بها وبامتيازاتها، وبالتالي فإنها تستعمل كل أساليب العنف المادي والمعنوي للإبقاء على تلك الامتيازات.
خامساً: هناك البعض الأهوج الذي لا تهمُّه عواقب تصُّرفاته وحماقاته، مثل هذه الحماقات قادت أحياناً إلى كوارث اقتصادية واجتماعية للأغنياء والفقراء على السّواء، وأدّت إلى انقلابات إيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس.
سادساً: هناك البعض الذي لا يوثق بقدرته على تحمّل المسئولية. إنها أنظمة كسولة متثائبة غير كفوءة تنقل مجتمعاتها من محنة إلى محنة أخرى، دون أن تقبل المساءلة والمحاسبة أو دفع الثّمن أو حتى الاعتذار.
سابعاً: أخيراً هناك البعض الذي لا يتحرك فيه ضمير إنساني، وبالتالي لا يندم على ارتكابه الأخطاء، أو المساهمة في إيذاء شعبه، بل حتى التسُّبب في موت الألوف من أبناء وبنات مجتمعاته التي يحكم. مثل هؤلاء ينامون قريري العين بينما شعوبهم تعيش في جحيم الفقر والمرض والجهل، بل ويستطيعون بانتهازية أخلاقية، اختلاق التبريرات الواهية الكاذبة لكل ما يتسبّبون في حدوثه. فالبطالة والفقر مثلاً سببهما الكسل والدّلع وليس النّهب والظلم.
نحن أمام سبع صفات وسلوكيات لو اتصف بها أو ببعضها فرد أو مارسها، لشخّصه أطباء وعلماء النفس بأنه مصاب بالمرض العقلي الشهير المسمّى سايكويثي ((psychopathy، وهو عبارة عن لوثة عقلية تجعل المصاب بها أقرب إلى الجنون الذي يمنع صاحبه من السلوك سلوكاً طبيعياً والتفكير بمنطق وموضوعية.
هذا المرض لا يعالج بإلقاء المواعظ والنصائح على الفرد المصاب. إنه يحتاج إلى علاج نفسي لكل الاختلالات النفسية، ويحتاج في الوقت نفسه إلى خطوات عقابية للصفات الاجتماعية العدائية التي تضر بالآخرين.
وإذا عرفنا بأن بعض الدراسات البحثية قد أظهرت انتشار هذا الانحراف العقلي - الاجتماعي بين السياسيين ورجال الأعمال، أدركنا أهمّيتها إذ أظهرت ممارسة الصفات والسلوكيات السايكوباثية من قبل الشركات العولمية الكبيرة في حقل المال والإقتصاد، ومن قبل الأنظمة السياسية القمعية غير الديمقراطية في عالم السياسة.
الإشكالية في الموضوع برمَّته هو أنه عندما يصاب فرد بهذا التشوُه العقلي - الاجتماعي فإن عواقبه تظلُّ محصورةً في محيط الفرد الضيّق والمحدود. لكن عندما تمارس الشركات الكبرى أو أنظمة الحكم بعض أو كل تلك الصفات والسلوكيات فإن أضرارها قد تصيب الألوف أو الملايين. ولنا في تاريخنا وتاريخ البشرية آلاف الأمثلة من مثل نيرون والحجّاج وهتلر وستالين وفرانكو وبعض قيادات الإنقلابات العسكرية، من الذين تميّزت تركيبتهم النفسية – الاجتماعية بالنرجسية والخداع والتصرفات غير المسئولة وموت الضمير، والقدرة اللامتناهية على تبرير تصرفاتهم من خلال وضع اللوم على الآخرين. إنهم أناس لم يستطيعوا كبح جماح رغباتهم المتوحشة ولا الإحساس بالذنب تجاه آلام وعذابات ضحاياهم.
وفي الاقتصاد يكفي أن نتذكر ما فعلته الكثير من الشركات من تلويث وتدمير للبيئة الطبيعية، ومن إدخال العالم في أزمات مالية واقتصادية زادت في غنى الأغنياء وفي فقر الفقراء.
مثلما تضج عائلات ومجتمعات مرضى السّايكوباثي من كثرة أذاهم وتتطلّع إلى يوم علاجهم وشفائهم، تطلعت مجتمعات الوطن العربي، بأشكال مختلفة، من خلال ثورات وحراكات الربيع العربي التي لازالت تفور ولا تهدأ، تطلعت إلى إنهاء مظاهر ذلك المرض في مجتمعاتها.
هل من علاج؟ نعم، في حالتنا العربية يكمن العلاج في الإنتقال إلى مجتمعات ديمقراطية عادلة، بغير ذلك سنظل ندور في نرجسيات المُلْكِ العضوص والقائد الفذ والحزب الطليعي والزعيم الأب... وهي مسمياتٌ تخفي من ورائها كل صفات مرض السايكوباثي.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4297 - الخميس 12 يونيو 2014م الموافق 14 شعبان 1435هـ
paranoia
ماذا عن مرض البارانويا Paranoia ؟ بعض الزعماء العرب اصبح عندهم هذا المرض ايضا
الغرب يتقدم علميا والعرب يتخلفون حضاريا !
السسيكوباتية وجنون العظمة والاستعراضات المملة المكررة أمراض أبلت امتنا العربية واستنزفت مواردها في إرضاء شهوات حكامها
ليس مرض واحد ولا اثنين بل امراض قاتلة
نعم في السياسة امراض كثيرة ومتعددة ومتنوعة ولنا في البحرين امثلة عينية
مبني للمجهول
ليس دائما التلميح ابلغ من التصريح كما وان التعميم لا يسقط التخصيص فالصراحة والتخصيص اسرع وصولا
الدين في خدمة الطغاة !
جمعة مباركة .. أعتقد أضافة لهذا الطرح القيم بأن للمسألة جذر عميق في تراثنا كأمة عربية اسلامية ومنذ أن تم التنظير لمسألة ( حيازتك للقوة تعني أنك على الحق ) بمعنى لولا أنك على الحق لم يعطك الله هذه القوة ولذلك تم البطش بالضعفاء ولقرون وبغطاء ديني مزيف !
* المتتبع لسير " الفراعنة " ومنذ أشهرهم يجد بأن طبيعتهم النفسية لا تقرّب الا الأسوء فينتج عن ذلك الكوارث والتي سرعان ما تؤدي الى زوالهم .